شهدت العملات المشفرة، وعلى رأسها «بيتكوين»، ارتفاعاً كبيراً عقب فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ ما أثار موجة من التوقعات حول مستقبل هذا القطاع في ظل حكومة مؤيدة لها.
وفقاً لتقرير موسع نشرته مجلة «إيكونوميست» البريطانية، يُعزى هذا الارتفاع إلى عوامل عدة تشمل تأييد ترامب العلني للعملات الرقمية، وتوقعات بتخفيف القيود التنظيمية على السوق، فضلاً عن ردود أفعال المستثمرين الإيجابية تجاه فرص جديدة للاستثمار.
على امتداد ليلة الانتخابات، ومع توضح فوز ترامب، ارتفع سعر «بيتكوين» نحو 10%، واستمرت هذه الزيادة مع اقتراب الجمهوريين من السيطرة على الكونغرس، ليصل سعر العملة المشفرة الأعلى قيمة سوقية إلى 89 ألف دولار بحلول 11 نوفمبر، وهي أعلى قيمة لها حتى الآن، وفقاً للتقرير.
وفي سياق مماثل، شهدت العملات الرقمية الأخرى أيضاً ازدهاراً كبيراً في قيمتها، حيث تجاوزت الزيادة الأسبوعية للعملات العشرين الكبرى، باستثناء العملات المستقرة، نسبة ارتفاع «بيتكوين» نفسها.
تقرير «إيكونوميست» أشار إلى أن هذا الارتفاع اللافت يأتي كجزء من انتعاش كبير لسوق العملات المشفرة بعد فترة صعبة امتدت بين عامي 2022 و2023.
خلال تلك الفترة، واجهت السوق عاصفة من الأزمات المتكاملة، والتي شملت رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي «الفيدرالي»؛ ما أدى إلى تهدئة حمى المضاربة التي كانت قد سادت في الأسواق منذ جائحة «كوفيد-19».
في ظل ذلك، شهدت العملات الرقمية، وفي مقدمتها «بيتكوين»، انخفاضات حادة في قيمتها وصلت إلى مستويات قياسية، كما تعرّضت السوق إلى سلسلة انهيارات لبعض من كبريات شركات العملات المشفرة مثل منصة «FTX»؛ ما أضر كثيراً بسمعة هذا القطاع وأدى إلى خسائر كبيرة للمستثمرين.
منذ بداية الحملة الانتخابية، أبدى دونالد ترامب دعمه القوي للعملات المشفرة؛ ما اعتبره الكثيرون تحولاً مفاجئاً نظراً لموقفه السابق الذي وصف فيه «بيتكوين» بأنها «احتيال ضد الدولار» في عام 2021.
حسب تقرير «إيكونوميست»، ارتبط هذا التغيير بدعم شخصي من شخصيات بارزة في عالم العملات الرقمية، مثل إيلون ماسك، الذي لعب دوراً كبيراً في الترويج للعملات الرقمية، وخصوصاً «دوج كوين».
إضافةً إلى ذلك، أطلق ترامب مبادرات تدعم العملات الرقمية عبر عائلته، مثل مشروع «World Liberty Financial» للتمويل اللامركزي، وخلال حملاته الانتخابية، وعد ترامب بجعل الولايات المتحدة «قوة بيتكوين العظمى»؛ ما أثار تفاؤلاً واسعاً بين المستثمرين في هذه الصناعة.
جاء التفاؤل الكبير بشأن إمكانية تخفيف القيود التنظيمية على قطاع العملات المشفرة كأحد أبرز العوامل التي دفعت الارتفاع السريع في أسعار هذه العملات.
في مؤتمر عالمي لصناعة العملات المشفرة، أثار ترامب حماسة الحضور حين وعد بطرد رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، غاري غينسلر، الذي طالما كان يُعتبر عائقاً أمام تطور هذه الصناعة.
قال ترامب في ذلك الوقت: «من الآن فصاعداً، سيتم وضع القواعد من قبل أشخاص يحبون هذه الصناعة وليس ممن يكرهونها».
وحسب «إيكونوميست»، كانت سياسات غينسلر تجاه العملات الرقمية متشددة، حيث أطلق حملات قانونية عدة ضد منصات تداول العملات المشفرة الكبرى مثل «Kraken» و«Coinbase»، إضافة إلى شركات أخرى، بتهمة إساءة التصرف وخرق قواعد الأوراق المالية.
كما من المتوقع أن يؤدي استبدال غينسلر برئيس أكثر تسامحاً مع العملات الرقمية إلى تخفيف القيود وزيادة فرص نمو القطاع.
يعتقد بعض المحللين، وفقاً للتقرير، أن إدارة ترامب قد تكون فرصة لتطوير إطار تنظيمي جديد يتسم بالوضوح والبساطة؛ ما يشجع المستثمرين المؤسسيين على دخول السوق الرقمية.
كما يفضل العديد من المتعاملين في صناعة العملات الرقمية أن تكون التنظيمات أقل تقييداً وأن تخضع لإشراف لجنة تداول السلع والعقود الآجلة بدلًا من لجنة الأوراق المالية والبورصات التي تُفرض عليها قواعد صارمة. ويُرجح أن يعمل ترامب على تحقيق توازن في التنظيمات بما يساعد في نمو السوق.
ورغم التفاؤل الكبير الذي يحيط بعودة ترامب إلى البيت الأبيض وما قد يحمله من تخفيف القيود، يشير تقرير «إيكونوميست» إلى أن التغيرات قد لا تكون سريعة أو جذرية كما يتوقع البعض، فلا يزال هناك العديد من التحديات المتعلقة بالشرعية والأمان والتقلبات العالية التي تواجه صناعة العملات الرقمية؛ ما يعيق دخول المستثمرين الجدد أو الحفاظ على ثقة الموجودين بسهولة.