أثار انتقال «بيتكوين» إلى التيار المالي الرئيسي في عام 2024، بدعم من إطلاق صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) في الولايات المتحدة وتأييد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للأصول الرقمية، تكهنات حول مستقبل العملات الرقمية الأصغر، مثل «إيثريوم» (Ethereum)، «سولانا» (Solana)، و«إكس آر بي» (XRP).
وعلى الرغم من الصعود السريع لـ«بيتكوين»، حيث تضاعفت أسعارها خلال هذا العام، لا يزال الخبراء متحفظين بشأن اعتماد العملات الرقمية الأكثر خطورة على نطاق واسع، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال».
وأحدث إطلاق 12 صندوق استثمار متداول فوري لـ«بيتكوين» (Spot Bitcoin ETFs) ثورة في إمكانية الوصول إلى سوق العملات الرقمية، حيث أتاح للمستثمرين العاديين شراء «بيتكوين» بسهولة عبر حساباتهم في شركات الوساطة. وقد جذبت هذه الصناديق استثمارات جديدة بلغت قيمتها 36 مليار دولار، ما رفع إجمالي الأصول إلى 116 مليار دولار، مدعومة بارتفاع أسعار «بيتكوين».
ووفقاً للمحلل إريك بالشوناس من «بلومبرغ إنتليجنس»، تحتفظ هذه الصناديق الآن بأكثر من مليون وحدة من «بيتكوين»، ما يجعلها أكبر حامل جماعي لهذه العملة الرقمية. وصرّح بالشوناس قائلاً: «لقد تجاوز الطلب تقديراتنا بشكل كبير، رغم أننا كنا نتوقع سيناريو أكثر تفاؤلاً»، مشيراً إلى وجود طلب غير مسبوق.
ويأتي هذا النجاح بعد فترة مضطربة لـ«بيتكوين»، إذ أدى انهيار بورصة «إف تي إكس» (FTX) التابعة لسام بانكمان فريد في عام 2022 إلى انخفاض قيمتها إلى أقل من 16,000 دولار. ورغم تاريخها الحافل بتقلبات الأسعار الحادة، يُعد ازدهار صناديق الاستثمار المتداولة نقطة تحول كبيرة في قبول «بيتكوين» بين المستثمرين التقليديين.
وسلط التقرير الضوء على الدور البارز لشركات كبرى مثل «بلاك روك» و«فيديليتي» في هذا التحول. يُعد صندوق «آي شيرز بيتكوين تراست» (iShares Bitcoin Trust) التابع لـ«بلاك روك»، الذي تبلغ أصوله 56 مليار دولار، أكبر صندوق «بيتكوين» في العالم، كما أنه يمثل أكبر إطلاق ناجح لصندوق استثماري متداول في التاريخ من حيث التدفقات. وبالمثل، شهد صندوق «وايز أورجين بيتكوين فاند» (Wise Origin Bitcoin ETF) التابع لـ«فيديليتي» نمواً ملحوظاً ليصل إلى أصول بقيمة 21 مليار دولار.
وفي ظل انتعاش «بيتكوين»، يستكشف مديرو الأصول فرص توسيع سوق صناديق الاستثمار المتداولة لتشمل العملات الرقمية الأصغر. وقد قدمت شركات مثل «فان إيك» (VanEck)، و«بيت وايز أسيت مانجمنت» (Bitwise Asset Management)، و«21 شيرز» (21Shares) طلبات لإطلاق صناديق تستثمر في عملات مثل «سولانا» و«إكس آر بي».
كما تسعى شركات ناشئة مثل «كاناري كابيتال» (Canary Capital) وأخرى راسخة مثل «غراي سكيل إنفستمنتس» (Grayscale Investments) إلى تقديم صناديق تستهدف العملات الرقمية المتخصصة، بما في ذلك «لايتكوين» (Litecoin) وعملة «آفاكس» (AVAX) الخاصة بشبكة «أفالانش» (Avalanche).
ومع ذلك، تواجه هذه الجهود عقبات تنظيمية كبيرة. حيث تواصل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC)، برئاسة غاري غينسلر، التدقيق في العملات الرقمية الأصغر، مُصنِّفة العديد منها كأوراق مالية غير مسجلة تم بيعها بشكل غير قانوني للجمهور. وقد رُفِضَت طلبات حديثة لتسجيل صناديق «سولانا» المتداولة، في حين سجلت صناديق «إيثريوم» تدفقات ضعيفة بلغت 2.5 مليار دولار فقط منذ إطلاقها في يوليو 2024.
وتوقع التقرير أن المشهد التنظيمي قد يشهد تغييرات مع الإدارة القادمة للرئيس ترامب، التي رشحت بول أتكينز، المستشار في مجال العملات الرقمية والناقد لنهج هيئة الأوراق المالية والبورصات، لتولي رئاستها. وقد أثارت هذه الخطوة تفاؤلاً بين مؤيدي «بيتكوين» بأن البيئة التنظيمية قد تصبح أكثر ملاءمة لصناديق الاستثمار المتداولة في العملات الرقمية.
وقال نيت جيراسي، رئيس شركة «ذا إي تي إف ستور» (The ETF Store) للاستشارات الاستثمارية: «سيصبح مصدرو الصناديق أكثر جرأة. لن أتفاجأ إذا رأينا المزيد من مديري الأصول يتقدمون بطلبات لإنشاء صناديق العملات البديلة».
وعلى الرغم من هذا الحماس، لا يزال المحللون متشككين بشأن الطلب على صناديق الاستثمار المتداولة التي تركز على العملات الرقمية الأصغر. وأشار غرانت إنجلبارت، استراتيجي الاستثمار في مجموعة «كارسون»، إلى أن «بيتكوين» غالباً ما يُنظر إليها كملاذ رقمي للقيمة، في حين أن فهم الفائدة والقيمة التي تقدمها عملات مثل «إيثريوم» و«سولانا» لا يزال يشكل تحدياً كبيراً للكثير من المستثمرين.
من جانبه، حذر مايك أكينز، مؤسس منصة «إي تي إف أكشن» (ETF Action) لتحليل الاستثمار، من الافتراض بأن تطوير صناديق استثمار متداولة جديدة للعملات الرقمية يعني بالضرورة أنها ستنجح كاستثمارات. وقال: «وظيفة مديري الأصول هي بناء منتجات حيث يوجد طلب من عملائهم، حتى يتمكنوا من تحصيل رسوم عليها»، مشيراً إلى أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر كمثال على المخاطر المرتبطة بمثل هذه المنتجات.
ومع استمرار تطور سوق العملات الرقمية، أكد التقرير أن نجاح صناديق «بيتكوين» قد يمثل اختباراً لإمكانية دمج الأصول الرقمية الأخرى في التيار المالي الرئيسي. ومع ذلك، يبقى مستقبل العملات الأصغر غير مؤكد، إذ يعتمد على التطورات التنظيمية واهتمام المستثمرين.