يحافظ القطاع المصرفي الخليجي على رسملة جيدة مع نسبة كفاية رأسمال تبلغ نحو 18.5%، مدعومة بربحية قوية وتحسينات في جودة الأصول، وتنويع مصادر الإيرادات. فهل ستتمكن من صد أي صدمات قد تنشأ نتيجة أزمات اقتصادية مستقبلية؟
تؤكد النتائج المالية للقطاع المصرفي الخليجي مرونة وقوة في مواجهة التحديات الاقتصادية، مع الحفاظ على مستويات جيدة من الربحية ونمو الأصول، وتحسين جودتها، مع التركيز على التحول الرقمي وتنويع مصادر الدخل. فقد حافظت البنوك الخليجية على رسملة قوية ومستقرة، حيث بلغت نسبة كفاية رأس المال لهذه البنوك نحو 18.5%، بحسب رصد لوحدة الدراسات والأبحاث في «إرم بزنس»، إذ تصدرتها دولة قطر بواقع 19.2%، بينما بلغت نسبتها في بنوك السعودية 19%، ومثلها لبنوك البحرين، في حين ارتفعت هذه النسبة إلى 18.6% في بنوك الإمارات.
أما بنوك الكويت وعُمان، فقد حافظت بدورها على نسبة تفوق المتطلبات التنظيمية، ما يعكس قوة رأس المال في قطاعيهما المصرفيين، بواقع 18% لكل منهما.
في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي التي تسيطر على العالم بعد تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد الحكم، ومخاوف من حدوث أزمة اقتصادية كتلك التي حدثت في العام 2008، والتي تُعرف بأزمة الرهن العقاري، وتسببت بإفلاس بنوك متعددة، وأحدثت صدمة كبيرة في القطاع المصرفي العالمي بما فيه منطقة الخليج، هل ستنجح بنوك دول الخليج في مواجهة أي أزمات اقتصادية عالمية قد تحدث؟
صمد القطاع المصرفي الخليجي في وجه تداعيات أزمة 2008؛ بسبب قوته، ودعم حكومي قوي لرأس مال البنوك بعد أن تضرر كثير منها جراء انكشافها على استثمارات كبيرة في الرهن العقاري بالولايات المتحدة وتمويلات في غير مكان من العالم.
نسبة كفاية رأس المال، التي تشير إلى قدرة البنك على مواجهة الخسائر المحتملة وضمان تسوية التزاماته المالية، هي إحدى المؤشرات المالية الهامة التي تساعد على تقييم صحة واستقرار البنوك. وتتأثر بعدد من العوامل، بما في ذلك نوعية الأصول، وتقلبات السوق، والبيئة الاقتصادية العامة، وتعتبر ضرورية لعدد من الأسباب أهمها الحماية من المخاطر، حيث توفر الحماية للبنك في مواجهة المخاطر المالية مثل القروض المتعثرة أو الخسائر الناتجة عن تقلبات السوق، كما تتيح للبنك الصمود في وجه الأزمات الاقتصادية.
تلعب نسبة كفاية رأس المال دوراً مؤثراً في قدرة البنك في جذب الاستثمارات وتحسين سمعته في الأسواق المالية؛ فالبنوك ذات النسب الأعلى غالباً ما تُعتبر أكثر أماناً وجاذبية للمستثمرين. كما يدعم وجود رأس مال كافٍ البنوك في تمويل مشاريع جديدة، وتوسيع قاعدة العملاء، ما يعزز من النمو والتنافسية على المدى الطويل.
تؤثر تقلبات السوق بشكل كبير على كفاية رأس مال البنوك، حيث يمكن أن تؤدي التغيرات في الأسعار، والتقلبات في الأسواق المالية، إلى خسائر تؤثر في المراكز المالية للبنوك. فعندما تتعرض البنوك لتقلبات حادة في السوق، وتراجع في الأصول كالأسهم والسندات، يمكن أن تخسر أصولها قيمة كبيرة. هذه الخسائر تؤثر مباشرة على رأس مال البنك، ما يقلل من كفاية رأس المال الإجمالية مقارنة بالمتطلبات القانونية والمعايير المالية.
بيد أن البيئة الاقتصادية العامة في دول الخليج تؤثر بشكل إيجابي على البنوك، فقد حققت دول الخليج نسب نمو عالية، ويتوقع أن تواصل تحقيق معدلات نمو قوية خلال الأعوام المقبلة. فقد توقع تقرير لبنك أبوظبي الأول أن يتضاعف معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي من 2.1% في عام 2024 إلى 4.2% في عام 2025، مشيراً إلى أن المشهد الاقتصادي العالمي لعام 2025 يعكس العديد من التحديات، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تواصل ترسيخ مكانتها كبيئة اقتصادية تزخر بالفرص الواعدة.
زيادة معدلات النمو الاقتصادي عادةً ما تسهم في تعزيز الأرباح المتوقعة للبنوك، وتؤدي إلى زيادة قاعدة رأس المال. ففي فترات النمو، يكون لدى البنوك فرص أكبر لإقراض الأموال وزيادة العائدات، ما يعزز من قدرتها على الحفاظ على مستويات كافية من رأس المال.
خلال العام 2024، ارتفعت أرباح البنوك المدرجة في أسواق المال الخليجية بنسبة 7.9% لتصل إلى 56.69 مليار دولار مقارنة مع 52.54 مليار دولار في العام 2023، ما يعكس تحسن الكفاءة التشغيلية للقطاع المصرفي في دول المنطقة.
كما قفزت أصول بنوك الخليج في 2024 بنسبة 7.3% على أساس سنوي لتصل إلى 3.68 تريليون دولار مقارنة مع 3.43 تريليون دولار في العام 2023، وذلك نتيجة تبني هذه البنوك استراتيجيات فعالة في إدارة المخاطر، وتحسين نظرة الأسواق إلى أدائها المالي.
ولا شك في أن القيود التنظيمية على البنوك تسهم بشكل كبير في تقوية قدرتها على مواجهة الأزمات المالية، سواء من حيث الحوكمة والمخاطر. فمن خلال فرض قواعد واضحة حول كيفية إدارة الاستثمارات والمخاطر، تستطيع البنوك تحسين قدرتها على التعامل مع الأزمات الاقتصادية المفاجئة. أضف إلى ذلك اختبارات الجهد المتواصلة التي تجريها الجهات الرقابية على أداء البنوك وقدرتها على تحمل الصدمات، والتي تظهر أن القطاع المصرفي الخليجي يتمتع بمرونة وقوة.
تشكل نسبة كفاية رأس المال عنصراً أساسياً في استقرار البنوك الخليجية، حيث تضمن قدرتها على مواجهة المخاطر المالية والمساهمة في النمو الاقتصادي. تظل هذه النسبة محط اهتمام من قبل المستثمرين والمراقبين الماليين، ما يؤكد أهميتها في تخطيط الاستراتيجيات الاستثمارية والتمويلية.