يشهد الاقتصاد الأوروبي مرحلة من الهشاشة في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة، ما يدفع الساسة الأوروبيين إلى البحث عن مصادر استثمارية موثوقة لدعم اقتصاداتهم.
وبينما تزداد المخاوف من الصين كخصم استراتيجي، وتتعثر العلاقات مع روسيا، برزت دول الخليج العربي كشريك اقتصادي رئيس يضخ استثمارات ضخمة في مشاريع البنية التحتية الأوروبية، ما يعزز مكانتها كلاعب أساسي في الاقتصاد العالمي.
تشير بيانات حديثة إلى أن استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في الشركات الأوروبية تضاعفت بنسبة 120% بحلول عام 2024، حيث ارتفعت من 23.6 مليار دولار في 2023 إلى 52 مليار دولار في 2024، وفقاً لتحليل TI Insight، وهي مؤسسة بحثية متخصصة في تحليل سلاسل التوريد والاستثمار العالمي.
أصبحت مشاريع المواني والمطارات محط اهتمام المستثمرين الخليجيين، حيث ضخت شركة مواني دبي العالمية 1.27 مليار دولار لتوسيع ميناء "لندن جيتواي"، إلى جانب استثمارها 205 ملايين دولار في ميناء كونستانزا الروماني، مستفيدة من التحولات الاقتصادية الأوروبية.
بدورها، عززت قطر حضورها في أوروبا عبر استحواذ "كيوتيرمينلز" على مجموعة "كرامر"، ما منحها موطئ قدم في ميناء روتردام، أحد أهم المواني الأوروبية. كما أعلنت الشركة عن مشروع لبناء محطة حاويات جديدة في ميناء سفينويتشي البولندي، ما يعكس التوسع الاستراتيجي القطري في القطاع البحري.
من جهة أخرى، استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي في 2024 على حصة في مطار لندن هيثرو، أحد أكثر المطارات ازدحاماً في أوروبا، ما يعزز النفوذ السعودي في قطاع النقل الجوي الأوروبي.
رغم الترحيب الأوروبي بالاستثمارات الخليجية، إلا أن بعض العقبات تقف في طريق توسعها، إذ برزت مخاوف أمنية دفعت بعض الدول إلى تقييد الاستثمارات الخليجية في قطاعات حساسة مثل الاتصالات والطاقة.
أوروبا تظل ساحة استثمارية جاذبة لدول الخليج، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل النقل واللوجستيات. ومع اتجاه المملكة العربية السعودية إلى إعادة توجيه بعض الاستثمارات نحو مشاريعها الوطنية الكبرى مثل "نيوم"، فإن تركيز الاستثمارات الخليجية في أوروبا قد يشهد تغيراً نوعياً بدلاً من التوسع الكمي.
وفقاً لتحليل TI Insight، فإن رؤية دول الخليج لتطوير سلاسل التوريد العالمية توفر مبرراً قوياً لاستمرار الاستثمار في البنية التحتية الأوروبية، حيث تساهم هذه المشاريع في تعزيز مكانة الخليج كمركز عالمي يربط بين الشرق والغرب. وبينما تواجه الاستثمارات الخليجية بعض العقبات السياسية والأمنية، فإن الحاجة الأوروبية إلى شراكات استثمارية موثوقة تجعل من دول الخليج أحد أكبر الممولين لمشاريع البنية التحتية الأوروبية.