بينما تكافح الهند لإقناع الاستثمارات الخليجية بالانخراط في تمويل خططها التنموية الطموحة، تأتي شراكتها الاستراتيجية مع قطر لتعكس تحولاً في نمط العلاقات الآسيوية-الخليجية، حيث تسعى الدوحة إلى تعزيز حضورها في أحد أسرع اقتصادات العالم نمواً.
لكن على الرغم من الزخم الذي تخلقه هذه الاستثمارات، تبقى البيروقراطية الهندية المعقدة والتحديات التنظيمية في هذا البلد القارة عقبات رئيسية قد تعيق تحقيق الأهداف المرجوة وسط منافسة من أسواق آسيوية أخرى تطرح فرصا تتيح لرؤوس الأموال الخليجية إمكانية المفاضلة.
يأتي التعهد القطري باستثمار 10 مليارات دولار بقطاعات متنوعة في الهند مثل الطاقة، التكنولوجيا، البنية التحتية، والخدمات المالية، متماشياً مع خطط الهند الساعية لأن تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030. إلا أن الدولة الآسيوية تحتاج إلى تريليونات الدولارات من الاستثمارات لتطوير بنيتها التحتية، ودفع عجلة الابتكار، وتعزيز قدراتها الإنتاجية، وبالتالي، فإن هذه المساهمة رغم أهميتها، تبقى متواضعة مقارنة بحجم الاحتياجات الاستثمارية للهند، التي يقدرها البنك الدولي بأكثر من 840 مليار دولار في قطاع البنية التحتية وحده خلال العقد المقبل.
على الرغم من محاولات الحكومة الهندية المستمرة لتحفيز الاستثمار الأجنبي عبر إصلاحات تشريعية وتسهيلات تنظيمية، لا تزال البيروقراطية الهندية تمثل عقبة رئيسية أمام المستثمرين الأجانب. فالموافقات على المشاريع يمكن أن تستغرق أشهراً عدة أو حتى سنوات، الأمر الذي يعقد دخول المستثمرين إلى السوق. ومن هنا، فإن المستثمرين الخليجيين، المعتادين على بيئات استثمارية أكثر سلاسة وسرعة في اتخاذ القرار، قد يواجهون صعوبات في التكيف مع هذا الواقع.
يقول محللون إن التحديات التنظيمية لا تقتصر فقط على بطء الموافقات، بل تشمل أيضاً التعقيدات الضريبية، واللوائح البيئية، وصعوبة حيازة الأراضي، وهي عوامل أدت إلى إلغاء أو تأخير مشاريع تقدر قيمتها بنحو 45 مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة. هذه العوامل قد تجعل الاستثمارات القطرية في الهند أكثر عرضة لمخاطر غير متوقعة.
تعتمد الهند بشكل كبير على الغاز الطبيعي المسال لتلبية نحو 50% من احتياجاتها، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 70% بحلول عام 2030. في هذا الإطار، تلعب قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، دوراً محورياً في تلبية الطلب الهندي المتزايد.
الاتفاقية الجديدة التي وقعتها نيودلهي مع الدوحة هذا الأسبوع، والتي تمتد لعشرين عاماً، تضمن إمدادات مستقرة للهند، لكنها تثير تساؤلات حول مدى توافق هذه الاتفاقيات طويلة المدى مع التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة، خصوصاً أن الضغوط الدولية المتزايدة على الهند للحد من الانبعاثات الكربونية قد تجعل التزاماتها تجاه الغاز الطبيعي أقل استدامة على المدى الطويل، مما قد يؤثر على التعاون القطري-الهندي في هذا القطاع.
في ظل التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة، تستثمر الهند بكثافة في مشاريع الطاقة المتجددة، مع خطة طموحة للوصول إلى 500 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول 2030. وبدورها، ترى قطر، التي بدأت توسع استثماراتها في قطاع الهيدروجين الأخضر، فرصة لتعزيز التعاون مع الهند في هذا المجال.
لكن التحول نحو الطاقة المتجددة لا يزال يواجه تحديات، من بينها ارتفاع التكاليف الأولية، والحاجة إلى تقنيات متقدمة، إضافة إلى متطلبات التمويل الضخمة. وبالتالي، نجاح الاستثمارات القطرية في هذا المجال سيعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي الهندي، وإيجاد حلول لخفض التكاليف.
كذلك، فإن الهند التي تحتضن أكثر من 800 مليون مستخدم للإنترنت، تُعد واحدة من أكثر الأسواق جاذبية للاستثمارات في قطاع التكنولوجيا، وقد شهدت الشركات الناشئة الهندية تدفقاً هائلاً من رؤوس الأموال الأجنبية، وهي باتت اليوم هدفاً للاستثمارات الخليجية، بما في ذلك القطرية.
لكن هذا القطاع لا يخلو من التحديات. فالتقييمات المرتفعة للشركات الناشئة، والتي وصلت ببعضها إلى تصنيفات تفوق المليار دولار دون تحقيق أرباح مستدامة، تثير مخاوف من فقاعة محتملة قد تؤثر على الاستثمارات الأجنبية. كما أن المنافسة الشديدة في السوق تجعل دخول المستثمرين الجدد أكثر تعقيداً، مما يتطلب استراتيجيات مدروسة لتفادي المخاطر.
تعد البنية التحتية أحد القطاعات الرئيسية التي تستهدفها الاستثمارات القطرية في الهند. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه هذا القطاع كبيرة، بدءاً من مشكلات حيازة الأراضي، والتي أدت إلى تأخير عدد كبير من المشاريع، مروراً بصعوبة الحصول على التراخيص البيئية، وصولاً إلى تعقيدات التمويل.
إضافة إلى ذلك، فإن تحديات اللوجستيات تشكل عقبة رئيسية أمام تعزيز الشراكة القطرية-الهندية. فعلى الرغم من القرب الجغرافي نسبياً، فإن التجارة بين البلدين لا تزال تواجه عراقيل، مثل بطء الإجراءات الجمركية، وضعف البنية التحتية للموانئ، وارتفاع تكاليف النقل والتخزين، مما يقلل من تنافسية السلع المصدرة.
يذكر أن التعاون الاستثماري بين الهند وقطر يأتي في وقت تشهد فيه الساحة الجيوسياسية تحولات كبيرة. فمن جهة، تسعى الهند إلى تقليل اعتمادها على الصين التي تشكل 15% من وارداتها، مما يجعلها أكثر انفتاحاً على الاستثمارات القادمة من الخليج، ومن جهة أخرى، تتطلع دول الخليج إلى تنويع استثماراتها بعيداً عن الاقتصادات الغربية المتقلبة. غير أن التوترات الإقليمية، بما في ذلك المنافسة الاقتصادية بين القوى الكبرى، قد تؤثر على مسار هذه الشراكة. كما أن أي تغييرات في السياسات التجارية أو الضريبية قد تشكل تحديات إضافية للمستثمرين.
مع استهداف مضاعفة التبادل التجاري بين الهند وقطر إلى 28 مليار دولار بحلول 2030، يبقى نجاح هذه الشراكة مرهوناً بقدرة البلدين على معالجة التحديات القائمة، وهذا يتطلب إصلاحات جذرية في النظام البيروقراطي الهندي، وتطوير آليات فعالة لحماية المستثمرين، وتحسين البنية التحتية اللوجستية.
ويمكن القول إنه إذا تمكنت الهند وقطر من التغلب على هذه العقبات، فقد تكون هذه الشراكة نموذجاً لنهج جديد في التعاون الاقتصادي بين آسيا والخليج. أما إذا استمرت التحديات في إعاقة التدفقات الاستثمارية، فقد يعيد ذلك تشكيل مسار العلاقات الاقتصادية الإقليمية في السنوات المقبلة.