وتعد أزمة الديون واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي، وتأتي الدولة الواقعة في شمال أفريقيا واحدة من بين 10 دول تعد الأقرب إلى التعثر عن سداد الديون.
وفي تقرير حديث لصندوق النقد الدولي جنبًا إلى جنب وبيانات مجموعة الـ20 التي انعقدت مؤخرًا في الهند، صدرت تحذيرات بشأن تفاقم أزمة الديون المستحقة على الدول النامية والتي خصت 10 دول، من بينهم 3 دول عربية من بينهم تونس.
زادت نسبة سداد أقساط الديون لتصل إلى 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانية العام القادم 2024.وزارة المالية التونسية
وشملت قائمة الدول زامبيا، وسريلانكا، وغانا، وباكستان، والسلفادور، وكينيا، وأوكرانيا إضافة إلى ثلاثة دول عربية وهي تونس، مصر، ولبنان.
ووفقًا لتقرير البيان الختامي لمجموعة الـ 20، فإن الدول العشرة تواجه أزمة اقتصادية خانقة تسبب في مشكلات ديون، وقد تصل إلى التخلف عن سداد المستحقات الخارجية.
وفي قمة العشرين الأخيرة، كان ملف تفاقم الديون التي تواجهه عددا من دول العالم النامي وتداعياتها موضوعا أساسيا وحاضرًا تزامنًا وارتفاع تكاليف القتراض لمستويات قياسية.
وزادت نسبة سداد أقساط الديون لتونس لتصل إلى 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانية العام القادم 2024، بعدما كانت تمثل نسبة 5.5% في عام 2016 ثم إلى نسبة 11.3% في عام 2021.
وتمثل قيمة سداد هذه الديون نسبة 30% من الموارد التي أقرها قانون المالية 2024، وهي المتكونة من موارد الميزانية بقيمة 49.2 مليون دينار.
وتشير معطيات مشروع قانون المالية وتقرير وزارة المالية حول ميزانية الدولة للعام القادم إلى زيادة اللجوء للتداين بشكل عام حيث ارتفعت موارد الاقتراض من 21.9 مليار دينار متوقع لعام 2023 إلى 28.2 مليار دينار للعام القادم 2024 بزيادة قيمتها 6.3 مليار دينار وبنسبة 28.5%.
و من المتوقع أن تكون الزيادة في موارد الاقتراض الخارجي بقيمة 25.9 مليار دينار وبنسبة 55.7% الأمر الذي يجعل الميزانية تتسم بالأعتماد على التداين.
من المتوقع أن يرتفع الاقتراض الخارجي بقيمة 25.9 مليار دينار وبنسبة 55.7%.وزارة المالية التونسية
وتتوقع الحكومة التونسية ارتفاع عجز ميزانية الدولة لعام 2023 إلى 7.7% من الناتج المحلي عوضا عن 5.5% التي كانت مقررة سابقاً.
كما خفضت الحكومة تقديراتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة من 1.8% بقانون المالية الأصلي إلى 0.9%، ما عزته الوثيقة إلى تراجع ناتج القطاع الزراعي نتيجة التغيرات المناخية والجفاف، بحسب وكالة أنباء العالم العربي.
وبحسب وثيقة صادرة عن وزارة المالية التونسية، فقد زادت نفقات الميزانية للعام 2023 بنسبة 10.8% مقابل 6.7% في التقدير الأولي.
وترجع هذه الزيادة إلى ارتفاع دعم المحروقات، وعدم تفعيل الإجراءات التي تم اعتمادها في قانون المالية خاصة المتعلقة بمراجعة أسعار المواد البترولية والكهرباء والغاز وزيادة نفقات دعم المواد الأساسية.
وتواجه تونس التي مرت بالكثير من الصعاب منذ ثورة 2011، أزمة اقتصادية شاملة، بيد أن ملف الديون يبرز على رأس التحديات التي تؤرق الحكومة التونسية.
ووفقًا لبيانات وزراة المالية التونسية، تعد أغلب ديون تونس داخلية إضافة إلى بعض أقساط الديون لقروض أجنبية يحل موعد استحقاقها في وقت لاحق هذا العام.
وأكدت وكالات التصنيف الدولية في تقارير منفصلة أن تونس ربما تتخلف عن السداد في ظل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية تزامنا وسياسة البنوك المركزية لمواجهة التضخم.
وفي غضون ذلك، انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد الشروط المطلوبة للحصول على 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ووصفها بأنها إملاءات لن يفي بها.
من المتوقع ارتفاع عجز ميزانية الدولة لعام 2023 إلى 7.7% من الناتج المحلي.وزارة المالية التونسية
وفي غضون ذلك، تعهدت السعودية بتقديم قرض ميسر بقيمة 400 مليون دولار ومنحة بقيمة 100 مليون دولار.
وفي الوقت ذاته، عرض الاتحاد الأوروبي دعما بنحو مليار يورو (1.1 مليار دولار) بيد أنه جاء مرتبطا في معظمه باتفاق صندوق النقد الدولي أو الإصلاحات.
وتشهد البلاد منذ أشهر نقصا متكررا في المنتجات الأساسية كالسكر والحليب والأرز، بسبب طلب الموردين دفع مستحقاتهم مسبقا، وهو ما يصعب على تونس القيام به في ظل أزمة مالية حادة تعانيها.
ويبلغ دين تونس 80% من إجمالي ناتجها المحلي وهي بحاجة ماسة إلى تمويل لتسديد رواتب موظفي القطاع الحكومي والبالغ عددهم حوالي 680 ألف موظف إداري وما لا يقل عن 150 ألف في الشركات العامة.
وتواجه تونس صعوة كبيرة في تمويل أي استثمار جديد، الأمر الذي يجعل البلاد تمر بركود اقتصادي مع نمو ضعيف يبلغ حوالي 2% وبطالة تزيد عن 15%.
ووفقًا للموازنة التونسة، فقد وجهت الحكومة التونسية أكثر من ثلث نفقات الدعم المخصص لسلة المواد الأساسية، دون المحروقات والنقل.
وتدعم تونس خلال العام القادم قطاع الحبوب والأغذية بقيمة تزيد على مليار دولار، في خطوة أكدت مرة أخرى رفض السلطات شروط صندوق النقد الدولي الذي دعا إلى رفع الدعم.
وتدعم تونس حزمة من المواد تتصدرها المحروقات التي ستخصص لها العام المقبل بأكثر من 8 مليارات دينار (2.5 مليار دولار) من إجمالي مبلغ دعم سيقارب 11.3 مليار دينار (3.56 مليار دولار).
وأظهرت بيانات حكومية، صدرت ضمن تقرير حول مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024، إلى أن الحكومة تعتزم تخصيص مبلغ 0.82 مليار دولار لدعم سلة المواد الأساسية.
لجأنا للاقتراض الداخلي بعدما ربط المانحون الدوليون تمويل الموازنة العامة بالتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد.نمصية البوغديري
وتسعى تونس، التي تكافح من أجل إصلاح ماليتها العامة المتعثرة، لخفض العجز المالي إلى 6.6 % عام 2024 من 7.7 % هذا العام، مع فرض ضرائب إضافية على البنوك والفنادق والمطاعم والمقاهي السياحية وشركات المشروبات الكحولية.
وكشفت وزيرة المالية التونسية سهام نمصية البوغديري أن الحكومة التونسية تحاول إيجاد مصادر لتمويل منظومة الدعم عبر إجراءات من بينها فرض ضريبة على قطاعات معينة.
وأشارت وزيرة المالية التونسية إلى أن الحكومة لجأت إلى الاقتراض الداخلي بعدما ربط المانحون الدوليون تمويل الموازنة العامة بالتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد.
وتضمن مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2024 فرض ضريبة مؤقتة بنسبة 4% على أرباح البنوك وشركات التأمين.
وقالت وزيرة المالية التونسية سهام نمصية البوغديري: "إن الحكومة لم تقدم برنامجا جديدا لصندوق النقد الدولي".
وأضافت البوغديري في جلسة عامة لمجلس النواب: "المحادثات متواصلة مع الصندوق، إلى حد الآن ليس هناك أي برنامج جديد تم تقديمه للصندوق لكننا من جانبنا نقوم بعديد الإصلاحات".
وأوضحت البوغديري أن بعثة من خبراء الصندوق ستزور تونس في ديسمبر بعد عام بالضبط من توصل تونس لاتفاق على مستوى الخبراء مع الصندوق للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار.
وبعد الاتفاق على مستوى الخبراء، فشل الجانبان في التوصل لاتفاق نهائي في ظل رفض تونس تنفيذ إصلاحات اقتصادية تتضمن خفض الدعم وبيع مؤسسات عامة.
الشروط المتعلقة برفع الدعم خط أحمر.وزيرة المالية
وأكدت وزيرة المالية أن الإصلاح ذلك لن يمس السلم الاجتماعي، ويجب أن تكون الإصلاحات تونسية وبمعايير تونسية لفائدة الفئة الاجتماعية الضعيفة والطبقات الوسطى والاقتصاد التونسي.
وقالت الوزيرة: "الحوار مع المانحين الدوليين يجب أن يكون ضمن الرؤية التونسية للإصلاحات الاقتصادية، حيث أن الشروط المتعلقة برفع الدعم "خط أحمر" بالنسبة للرئيس التونسي قيس سعيد"
وبالتزامن مع الأزمة الاقتصادية، خفضت وكالة فيتش تصنيف تونس الائتماني إلى مرحلة "سي سي سي" سالب (CCC-).
ويعكس خفض التصنيف الائتماني عدم اليقين بشأن قدرة البلاد على جمع التمويل الكافي لتلبية متطلباتها المالية الكبيرة.
ووفقا لفيتش، فإن النقص الملموس في التمويل الخارجي لتونس سيزيد الضغوط على الاحتياطيات، في إشارة إلى تعثر تونس في إحراز تقدم في الإصلاحات حال دون تقليل تأثر الميزانية بالصدمات.
وأكدت فيتش أن هذا يعكس إرجاء حزمة إنقاذ مالي قيمتها 1.9 مليار دولار مقدمة من صندوق النقد الدولي بعد تعثر المحادثات بين الجانبين، الأمر الذي يزيد احتمال التخلف عن سداد دين سيادي.