شهد سوق السيارات الكهربائية في مصر هذا العام نمواً متسارعاً، مما دفع الحكومة المصرية إلى تسريع خطواتها نحو توطين صناعة هذه السيارات بالتعاون مع الصين وبعض الدول الأوروبية المتخصصة في هذا المجال.
وفي هذا السياق، أكدت وزيرة التنمية المحلية، منال عوض، أن الفترة المقبلة ستشهد تعاوناً واسعاً بين مصر ممثلة في شركة «النصر للسيارات» الحكومية، وبين الشركات الصينية العاملة في مقاطعة «سيتشوان»، التي تشتهر بتطويرها وتشغيلها للتقنيات الحديثة في إنتاج السيارات الكهربائية.
جمال عسكر، خبير قطاع السيارات المصري، رئيس لجنة الصناعة في نقابة المهندسين المصرية، صرح لـ«إرم بزنس»، أن فكرة إنتاج السيارات الكهربائية بدأت نتيجة زيادة معدلات التلوث من السيارات الديزل، وطبقاً لإحصائيات «بلومبرغ»، فإن 23% من الملوثات في العالم تأتي من المركبات، وهو ما دعا الرئيس الأميركي جو بايدن، لاجتماع مع 40 من قادة العالم خلال مؤتمر المناخ العالمي في 2024، واتفقوا على ضرورة العمل على خفض النسب الكربونية السامة، بنسبة تتراوح من 40% إلى 60% بحلول عام 2030، على أن تتجه كل مصانع السيارات في هذه الدول للتحول نحو صناعة السيارات الكهربائية.
وأوضح عسكر، أن الصين ظهرت في هذا التوقيت كعملاق في هذه الصناعة، حيث وصل إنتاجها من السيارات في عام 2022 إلى 26.8 مليون سيارة، ثم زادت في العام 2023 إلى 27.6 مليون سيارة، والمستهدف في نهاية 2024 أن تصل الصين إلى إنتاج 30 مليون سيارة كهربائية.
وأشار إلى أن الصين تختلف عن باقي دول العالم في هذه الصناعة، لامتلاكها 3 شرائح من المركبات، سيارة خفيفة لا تتعدى سرعتها 65 كم في الساعة، والسيارة العادية التي تصل إلى 120 كم في الساعة، ثم فئة السيارات الفارهة التي تُشكل نسبة 6% إلى 8% من شريحة مستخدمي السيارات حول العالم.
خبير قطاع السيارات المصري، أكد أنه كلما زادت نقاط الشحن الكهربائي، ارتفعت وتيرة جذب المستهلكين للسيارات الكهربائية، وهو ما أعلنه رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، عن ضخ ما يقرب من 3 آلاف نقطة شحن كهربائي، والأمر نفسه تكرر مع الولايات المتحدة بضخ نصف مليون نقطة شحن، بعدها أعلنت الصين عن ضخ مليون و250 ألف نقطة شحن.
وتوجد في مصر حالياً 5 شركات فقط توفر نقاط الشحن الكهربائي للسيارات، ومن المتوقع زيادة العدد إلى 8 شركات بنهاية الربع الأول من العام 2025.
وتلتزم هذه الشركات بتدشين 150 نقطة شحن سنوياً طوال مدة العقد مع الحكومة المصرية.
وتطالب الشركات بتعديل العقود، ورفع أسعار الشحن بنسبة 40%، بسبب عملية تحرير سعر صرف العملة المحلية، علماً أن العقود المبرمة يتم فيها حساب تكلفة الشحن بقيمة الدولار قبل عامين وهي 15.70 جنيهاً مصرياً، ويبلغ سعر صرف الدولار حالياً 49.33 جنيهاً مصرياً.
ويرى الخبير المصري، أن وجود 3 آلاف نقطة شحن في مصر هو رقم لا قيمة له مُقارنة بمساحة مصر البالغة مليون كيلو متر مربع، وهذا الأمر سيؤثر بالسلب على مالكي السيارات الكهربائية، أو من يفكر في اقتنائها.
وبلغ عدد المركبات الكهربائية في مصر حوالي 226 سيارة، و68 حافلة، ووصلت نقاط الشحن إلى 154 نقطة في المرحلة الأولى التي بدأت عام 2020، وتتواصل في 2025 كمرحلة ثانية، ثم 2030 كمرحلة ثالثة.
زادت أعداد السيارات الكهربائية في الفترة من أول يوليو 2021 حتى نهاية مارس 2024، ليصل إجمالي عدد السيارات الكهربائية المرخصة في مصر إلى 4826 سيارة حتى نهاية مارس الماضي.
وأكد عسكر، أن توطين الصناعة يأتي عن طريق عمل شراكات مع الشركات العظمى، وتحديداً في الصين، حيث تمتلك مصر موارد بشرية مؤهلة، ومساحات أراضٍ شاسعة، ومصانع الإنتاج الحربي وغيرها، كما تمتلك مصر طاقات متجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية في منطقتي «رأس غارب» و«الزعفرانة»، والتي تساعد على توليد كمية كبيرة من الكهرباء مع عدم وجود أي انبعاثات سامة.
وتمتلك مصر قرابة 47% من المكونات المحلية اللازمة لصناعة السيارات الكهربائية، ويعتبر قطاع النقل في مصر أحد أكثر القطاعات استهلاكاً للطاقة ومشتقاتها، بمعدل يصل إلى 28% من إجمالي القطاعات المُستهلكة للطاقة.
ورأى الخبير المصري، أن ارتفاع سعر وقود السيارات (البنزين) في مصر يؤثر في الحالة الاقتصادية للمواطنين، ومنهم مالكو السيارات، ورغم تدني الحالة الاقتصادية لن يكون الأمر سهلاً للتحول الأكبر للسيارات الكهربائية سواء في 2030 أو 2050، لأن مصر من الدول النامية التي تختلف عن دول العالم المتقدمة.
تمتلك مصر 19 مصنعاً منها محلية وبعضها أجنبية، تعمل في تصنيع سيارات تعمل بالوقود والكهرباء.
وتهدف مصر إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة في العام 2030، من خلال عدة محاور، منها توطين صناعة السيارات الكهربائية، للتخفيف من آثار استخدام البترول والغاز الطبيعي في السيارات، وتحويل مصر إلى مقر إقليمي في هذه الصناعة.
وشدد الخبير المصري، على أهمية تثقيف المواطن حول أهمية التحول نحو السيارات الكهربائية، مع توفير محطات شحن في كافة المحافظات، وقيام وكلاء السيارات بفتح منافذ بيع في كافة المناطق في مصر، وتكليف الخبراء المتخصصين في السيارات بوضع خطط لهذه الصناعة وتوطينها، مع فتح المجال لرجال الأعمال في إنتاج بطاريات وإطارات، وكل أجزاء السيارات الكهربائية.
ويطالب القطاع الخاص من الحكومة المصرية، تقديم بعض الحوافز المُشجعة للمشاركة في توطين صناعة السيارات الكهربائية، وأهمها الإعفاء الجمركي لكافة المكونات والمواد الخام المستوردة في إنتاج السيارات الكهربائية.
والجدير بالذكر، أن مصر تستورد سنوياً سيارات بقيمة 8 مليارات دولار، وسط معاناة كبيرة وركود داخل قطاع السيارات على مدار السنوات الثلاث الماضية، عقب تحرير سعر الصرف، الذي أدى إلى ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري.
من المنتظر أن يشهد العام 2025 أول عملية إنتاج كاملة لسيارة كهربائية في مصر، بعد اتفاق الحكومة المصرية مع شركة «بايك» الصينية، لتدشين أول مصنع مصري خالص لإنتاج السيارات الكهربائية، حيث من المتوقع إنتاج 20 ألف سيارة في العام 2025، بنسبة مكون محلي 48%، قبل أن يصل الإنتاج في العام 2030 إلى 50 ألف سيارة بنسبة مكون محلي تصل إلى نحو 60%.
وانطلقت أول عملية إنتاج محلي جزئي لحافلة كهربائية في مصر في فبراير 2021، عندما تعاونت وزارة الإنتاج الحربي مع شركة «إم سي في» بنسبة مكون محلي بلغت 60%.
وعرفت مصر صناعة السيارات بشكل عام لأول مرة في العام 1961، عندما أسست الدولة آنذاك «شركة النصر لصناعة السيارات»، قبل أن تتحول إلى شركة للتجميع بدلاً من التصنيع في التسعينيات، بسبب تراكم الديون، وفي عام 2009 تمت تصفية الشركة التي وصل آخر إنتاج لها 12 ألف سيارة سنوياً في نهاية السبعينيات.
لكن رغبة الحكومة المصرية، في توطين صناعة السيارات، جعلها تُعيد افتتاح الشركة بعد توقف دام 11 عاماً، وذلك في منتصف العام 2021، حيث تحول إلى إنتاج السيارات الكهربائية لتخفيض مستوى التلوث.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينتهي العام 2024، وقد تم إنتاج 17 مليون سيارة كهربائية حول العالم، مُقارنة بـ14 مليون سيارة في العام 2023.