«المستقبل سيكون رائعاً!».. بهكذا عبارة اختصر إيلون ماسك رد فعله، بمجرد أن بدأت نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة توحي بفوز كاسح للمرشح الجمهوري دونالد ترامب.
ماسك الذي كان دوره في حملة ترامب مهيمناً على المشهد الانتخابي، لم يكن يوماً متبرعاً رئيساً لحملة انتخابية في الماضي، لكنه استثمر هذه المرة وقته إلى جانب ماله في سعي حثيث لإعادة ترامب إلى البيت الأبيض، ما أعتبر أمراً نادراً بين نخبة المال والأعمال في أميركا، التي تفضل تقليدياً التأثير على السياسة من خلف الكواليس.
فكيف يمكن لفوز ترامب أن يعود بالمنفعة على أغنى رجل في العالم؟
بُعيد أنباء فوز ترامب، زاد صافي ثروة ماسك بنحو 21 مليار دولار إلى 285.6 مليار دولار، عقب تحقيق أسهم «تسلا» التي تشكل معظم ثروته، صعوداً صاروخياً بنسبة 15%. هذه المكاسب السريعة تعادل عائداً يفوق 17000% على الـ119 مليون دولار التي تبرع بها ماسك لحملة ترامب، وفقاً للوثائق المقدمة إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية، تلك المساهمة التي جعلت منه أحد أكبر المانحين الأفراد في السباق الرئاسي، ولعبت دوراً حيوياً في حملة ترامب خاصة في الولايات المتأرجحة.
لكن هذه المكاسب السوقية قصيرة المدى ليست ما يصبو إليه ماسك، فترامب يرغب باصطحاب الملياردير إلى البيت الأبيض كمستشار تُعهد إليه مهمة «رفع كفاءة الحكومة» في إدارته الجديدة، الأمر الذي راق لماسك فأبدى بعد محادثات مع ترامب اهتمامه بـ«خدمة البلاد».
وعلى الرغم من أن العلاقة بين الاثنين لم تكن سليمة على الدوام، إلا أن ماسك تحوّل في الآونة الأخيرة إلى داعم رئيس لمرشح الحزب الجمهوري، الذي استفاد أيضاً من تدوينات مالك موقع «إكس» المؤيدة على صفحته ذات 203 ملايين متابع.
حملة ترامب أغدقت أيضاً المديح على ماسك، واصفة إياه بـ«الزعيم الصناعي الذي لا يأتي مثله إلا مرة واحدة في جيل»، مضيفة أن «البيروقراطية الفيدرالية المنهارة ستستفيد بالتأكيد من أفكاره وكفاءته».
وحتى لو لم يحصل ماسك في نهاية المطاف على «الوظيفة الحلم» في البيت الأبيض، بات من الواضح أنه قد يكون له تأثير كبير في عملية صنع القرار داخل إدارة ترامب.
تعتمد مصالح ماسك التجارية، من مركبات «تسلا» الكهربائية إلى صواريخ «سبيس إكس»، ورقائق الدماغ من شركة «نيورالينك»، بشكل كبير على الإعانات الحكومية، والسياسات الفيدرالية.
وفي حال أصبح ماسك جزءاً من الحكومة الأميركية المقبلة، ستكون لديه القدرة على إعادة معايرة القوانين الفيدرالية لوضعها لصالح أنشطة شركاته خاصة «تسلا» و«سبيس إكس»، ومساعدتها في الحصول على معاملة حكومية «تفضيلية».
وبالإضافة إلى تخفيف الرقابة الحكومية المحتملة، قد يساعد تحالف ماسك مع ترامب في تأمين عقود فيدرالية أكثر، بعد أن جمعت «سبيس إكس» و«تسلا» ما لا يقل عن 15 مليار دولار من العقود الحكومية على مدى العقد الماضي، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام أميركية.
وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة، قد يتمكن ماسك من الاستفادة من إعفاءات ضريبية بعشرات المليارات من الدولارات، ستتيحها خطة ترامب لخفض ضريبة الدخل على المليارديرات التي أعلن عنها خلال حملته.
لطالما كان ترامب معادياً بشكل علني للسيارات الكهربائية، إذ يرى أنها باهظة الثمن، وذات نطاق محدود، وستدمر الوظائف، وصناعة السيارات الأميركية، وقد لوّح بنيته إلغاء الدعم الفيدرالي الذي أقرته إدارة بايدن لتصنيع وشراء السيارات الكهربائية. غير أن توقف هذا الدعم قد لا يكون سيئاً بالنسبة لـ«تسلا» وماسك، بقدر سياسات أخرى تقع في قلب خطط ترامب كالحرب التجارية.
يبدو أيضاً من غير المرجح أن يختفي كل الدعم الحكومي للسيارات الكهربائية في ظل إدارة ترامب المقبلة، فبعيداً عن الإعفاء الضريبي للمشترين، يتم منح قروض حكومية لشركات صناعة السيارات ومورديها لبناء مصانع في الولايات «الحمراء»، لذلك من غير المرجح أن يرغب ترامب في خفض هذا الدعم، والتأثير على نمو الوظائف في تلك الولايات.
من جهة أخرى، يُتوقع أن تكون شركة «تسلا» من أكبر الفائزين بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، إذ قد تساعدها رئاسة ترامب في تسريع الموافقة التنظيمية على تكنولوجيا القيادة الذاتية للشركة التي لطالما شكلت عائقاً.
وقال ماسك، الشهر الماضي، إنه يتوقع طرح سيارات «تسلا» دون سائق بحلول العام المقبل، وبدء إنتاج سيارة الأجرة الآلية «سايبركاب» (Cybercab) دون عجلة قيادة أو دواسات في 2026، المشروع الذي سيتطلب إخراجه إلى النور تنازلاً كبيراً من الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة (NHTSA).
حتى الآن، تخضع ميزات مساعدة السائق الحالية للشركة، والمعروفة باسم "Autopilot" والقيادة الذاتية الكاملة أو FSD، للتحقيق من قبل منظمي السلامة الفيدراليين بعد سلسلة من الحوادث ذات الصلة بهذه التكنولوجيا الفتيّة. ومثل هذه التحقيقات يمكن أن تؤخر الموافقة على سيارات «تسلا» ذاتية القيادة، على الرغم من إصرار ماسك المستمر على أن سيارات الشركة التي تستخدم نظام القيادة الذاتية الكاملة «أكثر أماناً من تلك التي يقودها البشر».
من ناحية أخرى، قد تشكل جدران البيت الأبيض مصداً قوياً في وجه التحديات القانونية التي تؤرق بال ماسك وشركاته، فـ«تسلا» و«سبيس إكس» تواجهان سلسلة من القضايا من سلامة العمال إلى تحديات حماية البيئة. كما تسعى هيئة الأوراق المالية والبورصة، التي فرضت بالفعل عقوبات على ماسك بسبب تغريدة كاذبة حول تحويل «تسلا» إلى شركة خاصة، إلى فرض عقوبات جديدة على الملياردير لفشله في تقديم شهادة مرتبطة بتحقيقها في استحواذه على «تويتر»، الصفقة التي قيّمت بـ 44 مليار دولار.
عودة ترامب الدراماتيكية إلى البيت الأبيض لا تُعبّد كل طرق «تسلا»، فيبقى أكبر مشكل قد تواجهه شركة ماسك نتيجة فوز ترامب، حربه التجارية المتجدّدة مع الصين، نظراً لأهمية مصنعها في شنغهاي لجهة المبيعات والأرباح العالمية، فالمصنع يمثل ما يقرب من 40% من طاقة «تسلا» الإنتاجية.
وإن كانت «تسلا» لا تورّد سياراتها الكهربائية المصنعة في الصين إلى الولايات المتحدة، فقد تخشى من رد فعل عنيف من الحكومة الصينية إذا نفّذ ترامب تهديده بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على السيارات صينية المنشأ. لذلك ماسك لديه مصلحة في تجنّب أي ضرر قد يطال الجزء الأكبر من إنتاج أهم شركاته.