ولا شك أن الهبوط السلس نسبي، إذ لم يكن كبح التضخم بلا ثمن، فقد عانى اقتصاد منطقة اليورو من الركود طيلة القسم الأعظم من العامين الماضيين، وارتفعت أسعار المواد الغذائية لمستويات أعلى بكثير مما كانت عليه قبل غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، ما يصعّب عودة سريعة إلى النمو الاقتصادي.
وفي حال كانت توقعاته قائمة على أسس سليمة، فسيكون البنك المركزي الأوروبي قد ساعد في احتواء ارتفاع الأسعار الناجم عن الغزو، دون حدوث انخفاض كبير في الناتج الاقتصادي أو ارتفاع كبير في معدلات البطالة.
سبق الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة - في أواخر عام 2021، والذي يشار إليه بـ"صدمة بوتين" - غزو أوكرانيا، حين استخدم الزعيم الروسي فلاديمير بوتين التهديد والانسحاب الفعلي اللاحق لإمدادات الغاز الطبيعي، كاستراتيجية لردع أوروبا عن دعم أوكرانيا مادياً ومعنوياً.
ورغم أن هذا التكتيك فشل في ردع الدعم الأوروبي لأوكرانيا، إلا أنه شكل تهديدات كبيرة. فلبعض الوقت، بدا من الممكن تقنين إمدادات الطاقة خلال الأشهر الباردة في أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023، وأن العديد من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة ستغادر أوروبا بشكل دائم.
أصيب البنك المركزي الأوروبي بالصدمة نتيجة للغزو، وعلى الرغم من تأكيده للمستثمرين سابقاً أنه لن يرفع سعر الفائدة الرئيسي في عام 2022، إلا أنه عكس موقفه، ونفذ عشر زيادات في أسعار الفائدة بلغ مجموعها التراكمي 4.5 نقطة مئوية في الفترة من يوليو 2022 إلى سبتمبر 2023.
وعليه، سيشير التخفيض المتوقع لسعر الفائدة الأسبوع المقبل، إلى أن اقتصاد منطقة اليورو قد استوعب الصدمة إلى حد كبير. وتشمل مؤشرات التعافي الأخرى عودة منطقة اليورو إلى النمو في الربع الأول من هذا العام، وبطريقة أكثر حسماً مما كان متوقعاً، واستمرار نتائج مسح الأعمال الإيجابية نتيجة التعافي في الربع الثاني.
وتظهر ألمانيا، وهي واحدة من الدول الأعضاء في منطقة اليورو الأكثر اعتماداً على الغاز الطبيعي الروسي، علامات انتعاش اقتصادي. ففي الربع الأول من هذا العام، كان إنتاج المصانع الأكثر استهلاكاً للطاقة في ألمانيا أعلى بنسبة 4.8% مما كان عليه في الربع الأخير من عام 2023. وشهد إنتاج شهر مارس وحده زيادة بنسبة 2.3% عن العام السابق. ويشكل هذا انتعاشاً كبيراً منذ أواخر عام 2022، عندما انخفض الإنتاج كثيف الاستخدام للطاقة في ألمانيا بنحو 20% على أساس سنوي، بالتزامن مع ذروة التضخم في منطقة اليورو عند 10.6%.
ورغم أن الزيادات السريعة التي أجراها البنك المركزي الأوروبي في أسعار الفائدة، كانت تهدد بدفع منطقة اليورو إلى الركود العميق، فقد تم تجنب مثل هذه النتيجة جزئياً بفضل التدابير الداعمة التي اتخذتها الحكومات الأوروبية لصالح الأسر والشركات، والنهج المدروس الذي اتبعه البنك المركزي الأوروبي، فلم يقم برفع أسعار الفائدة بشكل كبير جداً أو في فترة قصيرة جداً.
ولا يعتبر التخفيض القادم لسعر الفائدة إعلاناً للنصر، حيث سيبقى سعر الفائدة للبنك المركزي الأوروبي مرتفعاً بالقدر الكافي لتثبيط الطلب والنمو، ومن المرجح أن يبقى في المنطقة المقيدة حتى العام المقبل.
يقول فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي في خطاب له يوم الاثنين: "سنواصل اتباع نهج يعتمد على البيانات واجتماع تلو الآخر لتحديد المستوى المناسب، ولن نلتزم مسبقاً بمسار معين لأسعار الفائدة".
وعلى الرغم من احتمال حدوث اضطرابات اقتصادية جديدة نتيجة للصراعات الإقليمية، مثل حرب غزة التي قد تؤثر على التضخم، إلا أن أسعار النفط بقيت مستقرة.
ولكن في الوقت الحالي، تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الأوروبي يسير على طريق التعافي، برغم أنه لن يعود إلى ما كان عليه مرة أخرى أبداً.