يبرز العراق كأحد الشركاء الرئيسيين في جهود إعمار سوريا بعد سنوات طويلة من الصراع، خلّفت خسائر تقدر بنحو 11.4 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي في شهر فبراير 2023.
فيما تشير تقارير سابقة للأمم المتحدة إلى أن إعادة إعمار سوريا تحتاج إلى نحو 400 مليار دولار، مما يشكل فرصة ذهبية للشركات الراغبة في عمليات إعادة البناء.
في هذا الصدد، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة بغداد، همام الشماع، أن إعادة إعمار سوريا تعد فرصة اقتصادية كبيرة للعراق، إذ يمتلك صناعات متطورة في مجال مواد البناء، مما يجعله مورداً موثوقاً لمشروعات البنية التحتية السورية.
وفي حديثه مع «إرم بزنس» أضاف الشماع، أن الطلب المرتفع المتوقع على مواد البناء في سوريا مع تسارع جهود إعادة الإعمار، وخاصة الإسمنت وحديد التسليح، يمثل فرصة ذهبية للشركات العراقية التي يمكنها الاستفادة من صفقات التوريد.
وخلال العام الماضي، أنتجت الشركة العامة للإسمنت العراقية 10.2 مليون طن من الأسمنت، بزيادة 7% مقارنة بعام 2023، وفق بيان صادر عن الشركة في 22 يناير الجاري.
فيما يُقدر إنتاج العراق من حديد التسليح بنحو مليوني طن سنوياً، رغم أن طاقته الإنتاجية تصل إلى 7 ملايين طن، ولكنها تراجعت لنقص الحديد الإسفنجي والاعتماد على حديد السكراب.
إلى جانب المشاركة بتوريد مواد البناء، أكد الخبير النفطي، نبيل المرسومي، أن سوريا تحتاج في هذه المرحلة الحرجة إلى النفط العراقي، لا سيما وأن العراق يتمتع بقطاع نفطي قوي.
ورأى المرسومي في حديثه مع «إرم بزنس» أن العراق لديه فرصة حقيقية للمساهمة في إعادة بناء سوريا من خلال تقديم الدعم اللازم، مستفيداً من فائض إنتاجه النفطي.
وبحسب الخبير النفطي، كان العراق يزود سوريا بنحو 33 ألف برميل من النفط الخام يومياً، بالإضافة إلى 120 ألف طن من النفط الأسود شهرياً، قبل أن تتوقف عمليات التصدير بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
في المقابل، تستورد سوريا حالياً نحو 5 ملايين برميل من النفط شهرياً، أي ما يعادل أكثر من 160 ألف برميل يومياً.
وأوضح المرسومي، أنه في حال توقفت صادرات النفط الخام الإيرانية إلى سوريا، فإنه من المحتمل أن يتولى العراق تلبية احتياجات سوريا النفطية، بما في ذلك النفط الأسود والغاز لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية.
وأشار الخبير النفطي، إلى أن إنتاج النفط في سوريا قد شهد انخفاضاً كبيراً، إذ تراجع من 383 ألف برميل يومياً في عام 2011 إلى 40 ألف برميل يومياً فقط في عام 2023.
إلى جانب فرص المشاركة في جهود إعادة الإعمار، يتوقع رئيس مجلس الأعمال العراقي السوري، حسن الشيخ، العودة إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مستويات ما قبل العام 2010، والتي سجلت 8 مليارات دولار سنوياً.
وفي حال رفع العقوبات عن سوريا وانفتاحها على العالم، توقع الشيخ خلال حديثه مع «إرم بزنس» أن يزيد حجم التبادل التجاري بين البلدين عن الأرقام المسجلة قبل العام 2010.
ويقدر خبراء حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا بعد العام 2010، ما بين مليار دولار إلى 3 مليارات دولار سنوياً، ويتضمن ذلك التجارة عبر المنصة الرسمية، بالإضافة إلى التبادل التجاري في السوق الموازية.
ووفقاً للبيانات المسجلة في الهيئة العامة للجمارك العراقية، بلغت صادرات سوريا إلى العراق 58 مليون دولار عام 2023 مقابل صادرات عراقية إلى سوريا بقيمة 27 مليون دولار.
وبرأي الشيخ يمكن لمشاركة العراق في إعادة إعمار سوريا أن تعزز من التكامل الاقتصادي بين البلدين، فمن خلال تصدير العراق لمواد البناء والنفط، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية، يمكن أن تنشأ علاقات تجارية مستدامة تسهم في تقوية الاقتصادين معاً.
كما أن تعزيز التعاون الاقتصادي يمكن أن يساعد على خلق فرص عمل جديدة في كلا البلدين، في ظل التقارب الجغرافي والثقافي بينهما.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي التعاون في إعادة الإعمار إلى تطوير شبكات النقل بين العراق وسوريا، مما يسهم في تعزيز التجارة الإقليمية وفتح أسواق جديدة للمنتجات العراقية في سوريا والدول المجاورة.
على الرغم من الفرص الواعدة للعراق، نبه الشيخ إلى تحديات قد تواجه مشاركة بغداد في إعادة إعمار سوريا. من أبرزها الوضع الأمني غير المستقر في بعض المناطق السورية، والذي قد يشكل عقبة أمام تنفيذ المشاريع بشكل آمن.
من جهة أخرى، قد يواجه العراق منافسة من دول أخرى تسعى أيضاً للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، مثل مصر والأردن وتركيا، وقد تتطلب هذه المنافسة من العراق تعزيز عروضه وتقديم حوافز لجذب الشركاء السوريين.
ويرى الشيخ أنه لتحقيق أقصى استفادة من هذه الفرصة، يجب على العراق وضع استراتيجية شاملة للمشاركة في إعادة الإعمار، تشمل تعزيز قدرات شركات المقاولات، وتحسين البنية التحتية للنقل والتجارة بين البلدين، وتقديم الدعم المالي والفني للمشاريع الكبرى.
ورغم الفرص الواعدة أمام البلدين، تبقى تحديات تمويل إعادة الإعمار قائمة في ظل وجود أرصدة سورية مجمدة في البنوك الدولية والتي يصعب تحديد حجمها، وفق الشماع.
ولكن من بين الأرصدة التي تم الإعلان عنها 112 مليون دولار في سويسرا، فيما تُقدّر الأموال المجمدة في البنوك اللبنانية بما يتراوح بين 40 و60 مليار دولار، وفق تصريح للرئيس السابق بشار الأسد أدلى به في يوليو 2021.
ويؤكد أستاذ الاقتصاد أن هذه الأرصدة المجمدة تمثل إحدى الفرص المحتملة لتمويل مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، حال استرجاعها، لكن تحقيق ذلك يتطلب جهوداً قانونية مكثفة ورفع العقوبات الدولية عنها، بالإضافة إلى المنح والمساعدات الدولية المتوقع أن تحصل عليها البلاد.