أدى انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024 إلى فتح فصل جديد ومليء بالتحديات أمام سوريا، مع تحديات فورية وآفاق طويلة الأمد للانتعاش، فبعد 13 عاماً من الحرب المدمرة، تواجه البلاد صعوبات اقتصادية عميقة تتطلب جهوداً شاملة وإستراتيجية لإعادة البناء.
وبحسب تقرير نشرته مؤسسة «بروكينغز» للأبحاث، فإن عملية الانتقال في سوريا إلى هيكل حكومي جديد ستكون معقدة، حيث تتطلب الاستقرار السياسي، بالإضافة إلى إعادة بناء الاقتصاد الذي دمرته الحرب.
تعرض الاقتصاد السوري لأضرار جسيمة نتيجة لأكثر من عقد من النزاع، حيث أسفر الصراع عن تدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات والمصانع، فضلاً عن تراجع كبير في الإنتاج الزراعي والصناعي اللذين كانا يشكلان العمود الفقري للاقتصاد السوري، كما دُمِّرَت مدن رئيسة مثل حلب وحمص، بينما أجبر الملايين من السوريين على النزوح داخلياً، أو إلى دول مجاورة.
ووفقاً للتقرير، كان الضرر الاقتصادي واسعاً، حيث تقدر الأمم المتحدة أن تكلفة إعادة بناء سوريا قد تتجاوز 400 مليار دولار، ما يبرز الطريق الطويل الذي ينتظر البلاد، وعلى المدى القصير، تواجه سوريا حاجة ملحة لاستعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية التي تأثرت بسبب سنوات من الصراع.
أشار التقرير إلى أن التركيز الرئيس في تعافي الاقتصاد السوري سيكون على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وستستهدف جهود إعادة البناء القطاعات الأساسية مثل الطاقة والمياه والتعليم والصحة، التي تعرضت لأشد درجات الدمار، ويوصي الخبراء بضرورة الدفع الفوري لاستعادة إمدادات الكهرباء والمياه إلى المدن الكبرى، لضمان تمكين الناس من البدء في إعادة بناء حياتهم.
سيكون تأمين المساعدات المالية والاستثمارات، خاصة من المانحين الدوليين، مفتاحاً لهذا الجهد، إذ ستلعب المنظمات متعددة الأطراف مثل البنك الدولي واللاعبين الإقليميين مثل دول الخليج دوراً أساسياً في بدء عملية إعادة البناء. ومع ذلك، أكد التقرير أن هذا لن يتحقق إلا في ظل وجود حكومة مستقرة وشاملة قادرة على إدارة تدفق المساعدات الأجنبية بشكل فعال.
أحد التحديات الكبيرة في تعافي الاقتصاد السوري هو نقص رأس المال البشري، فقد أجبرت الحرب ملايين السوريين على اللجوء، بما في ذلك العمال المهرة والمهنيون والمعلمون، ومن غير المرجح أن يعود العديد من هؤلاء الأفراد إلا إذا كانت هناك ضمانات قوية للاستقرار السياسي وفرص العمل، كما ستتطلب عملية إعادة بناء سوريا دمج هذه القوى العاملة المهاجرة، وهو ما قد يكون عملية طويلة.
إضافة إلى ذلك، أشار التقرير إلى الحاجة الماسة إلى برامج تدريبية تؤهل الشباب السوريين في قطاعات حيوية مثل البناء والهندسة والرعاية الصحية والتكنولوجيا، وهي ضرورية لمعالجة نقص العمالة وتوفير قوة عاملة قادرة على المساهمة في الانتعاش الاقتصادي المستدام.
أفاد التقرير أن جذب الاستثمارات الأجنبية سيكون أمراً حاسماً في تعافي الاقتصاد السوري. ومع ذلك، فإن المناخ السياسي غير المستقر وآثار الحرب المستمرة يجعل سوريا وجهة عالية المخاطر للمستثمرين، كما أن العقوبات الغربية المفروضة على البلاد رداً على تصرفات نظام الأسد خلال الصراع تعقد هذه المشكلة بشكل أكبر.
ولنجاح جهود إعادة البناء، أبرز التقرير أهمية أن تؤكد سوريا للمستثمرين الدوليين أن الحكومة الجديدة ستضمن الأمن والاستقرار والشفافية في إدارة مشاريع إعادة البناء. علاوة على ذلك، سيكون من الضروري توفير بيئة مشجعة على نمو الأعمال، مع تأسيس نظام قانوني عادل وإطار تنظيمي مبسط، لضمان استعادة ثقة المستثمرين.
أسهم انهيار نظام الأسد في تغيير الديناميكيات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت روسيا وإيران حليفتين رئيستين للأسد لسنوات، تقدمان الدعم العسكري والاقتصادي. ومع انهيار النظام، من المحتمل أن يتراجع نفوذ هاتين الدولتين في سوريا، ما يفسح المجال أمام فاعلين إقليميين جدد، مثل تركيا ودول الخليج، للعب دور أكبر في جهود إعادة استقرار البلاد.
من جانب، قد تسعى تركيا، التي كانت من أشد منتقدي الأسد، إلى استخدام موقعها في المنطقة لتشكيل سياسات سوريا المستقبلية في مجالي الحوكمة والاقتصاد، وقد شاركت تركيا بالفعل في تسهيل المساعدات للمناطق المعارضة في سوريا، ثم تحول تركيزها الآن إلى مساعدة على إعادة بناء البنية التحتية الأساسية في شمال ووسط البلاد.
كما من المرجح أن تصبح دول الخليج أكثر انخراطاً في جهود إعادة البناء، وقد تسعى دول مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تمتلك موارد مالية كبيرة، إلى الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والصناعات مثل الطاقة والسياحة.
أوضح التقرير أن الدعم الدولي سيكون حاسماً في تعافي سوريا بعد الحرب، حيث ستبقى المساعدات الإنسانية ضرورية على المدى القصير، لكن الدعم طويل الأمد عبر القروض والمنح والمساعدات الفنية سيكون بالغ الأهمية لإعادة بناء الاقتصاد السوري، ويكتسب دور المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي أهمية كبيرة في توفير الموارد المالية والخبرة اللازمة لدعم عملية إعادة البناء في سوريا.
ومن المرجح أن تكون الدول الغربية، التي كانت مترددة في التفاعل مع سوريا في السابق، أكثر استعداداً لتقديم الدعم حال ظهور حكومة أكثر شمولية وقابلة للمساءلة. في المقابل، من المحتمل أن تواصل روسيا وإيران، رغم تراجع نفوذهما، تقديم بعض الدعم عبر استثمارات أو مساعدات عسكرية.
أشار التقرير إلى أن الاستقرار السياسي سيكون الأساس في تعافي الاقتصاد السوري، ويتطلب ذلك انتقالاً ناجحاً إلى حكومة جديدة تشمل الفصائل جميعها، بما في ذلك أولئك الذين كانوا معارضين للأسد، لضمان الحصول على الدعم الداخلي والدولي، كما أكد التقرير ضرورة أن تعمل الفصائل من مختلف مكونات المجتمع السوري معاً لتشكيل حكومة قادرة على معالجة اهتمامات جميع المواطنين وضمان توزيع عادل للموارد.
وبينما يعد التعافي الاقتصادي هدفاً حيوياً، أكد التقرير على أهمية تجنب الفراغ السياسي. وأوضح أنه سيكون من الضروري تحقيق المصالحة السياسية، وتأسيس سيادة القانون، وتقليل التوترات، لإنشاء بيئة مستقرة تعزز النمو الاقتصادي.
أشار التقرير إلى أن قطاع الطاقة يعد من أبرز الفرص المتاحة، تمتلك سوريا احتياطات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي التي يمكن استغلالها في عملية إعادة البناء، ورغم أن التنافس على حقول النفط قد يخلق تحديات، فإن التعاون بين الأطراف المعنية قد يسهم في استعادة إنتاج الطاقة وتحقيق عوائد مالية من خلال التصدير.
كما تمتلك سوريا إمكانات للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة، ومع تزايد تكلفة الطاقة التقليدية، تبرز فرصة الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، اللتين توفران بدائل اقتصادية ومستدامة يمكن أن تعزز استقلالية البلاد في هذا المجال.
أوضح التقرير أن القطاع الخاص سيكون له دور حيوي في تحفيز النمو الاقتصادي. ورغم أن الحكومة الانتقالية قد تحتاج إلى ضمان استقرار السوق وتنظيم القطاعات الأساسية، فإن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة يعد أمراً بالغ الأهمية. وبهذا، يمكن للقطاع الخاص أن يكون محركاً رئيساً للاقتصاد إذا تم دعم الشركات المحلية وتوفير الحوافز اللازمة للاستثمار.
كما ستحتاج الحكومة المؤقتة إلى وضع سياسات تشجع على ريادة الأعمال، وتخلق بيئة تنظيمية تحفز الابتكار، يشمل ذلك ضمان حقوق الملكية، وحماية المستثمرين الأجانب، وتشجيع الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية.
اختتم التقرير بالتأكيد أن طريق سوريا نحو التعافي الاقتصادي طويل، ويواجه العديد من التحديات، لكنه ليس خالياً من الأمل، وأشار إلى أن ثروة البلاد من الموارد الطبيعية، وموقعها الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى سكانها المتعلمين، هي عوامل يمكن أن تساهم في إعادة البناء على المدى الطويل.
وفي هذا الصدد قال رئيس أكبر جماعة ضغط تجارية سورية اليوم الثلاثاء إن الحكومة السورية الجديدة أبلغت رجال الأعمال بأنها ستتبنى نموذج السوق الحرة، وتدمج البلاد في الاقتصاد العالمي في تحول كبير عن سيطرة الدولة على الاقتصاد لعقود.
وأضاف باسل الحموي رئيس اتحاد غرف التجارة في دمشق في مقابلة مع رويترز أن نظام السوق الحرة سيعتمد على المنافسة.
وجاءت التصريحات بعد ثلاثة أيام من إطاحة قوات المعارضة بالرئيس بشار الأسد منهية بذلك 54 عاما من حكم عائلته.