وفي إطار رحلة التشديد النقدي، اضطر "الفيدرالي الأميركي" إلى رفع أسعار الفائدة لذروة عام 2002، بينما زاد "المركزي الأوروبي" إلى ذروة عام 2008.
مشاكل أميريكا مع التضخم الثابت يمكن أن تصل إلى الشواطئ الأوروبيةالرئيس العالمي للأبحاث الكلية في آي إن جي، كارستن برزيسكي
يجذب الارتفاع في معدل التضخم بمنطقة اليورو مقارنات مع الولايات المتحدة؛ ما يغذي المخاوف من أن البنك المركزي الأوروبي قد يواجه عوائق مماثلة تعترض خفض أسعار الفائدة، مثل: بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ورغم وجود اختلافات واضحة في محركات نمو الأسعار على جانبي الأطلسي، وهي النقطة التي أكدها مسؤولو البنك المركزي الأوروبي مراراً وتكراراًً، يرى بعض الاقتصاديين أوجه تشابه مهمة ويحذرون من الاستهانة بالمخاطر المترتبة على المزيد من الضغوط المستمرة.
بات التخفيض الذي سيتم الإعلان عنه على نطاق واسع، اليوم الخميس، في سعر الفائدة على الودائع من مستوى قياسي بلغ 4%، أمرًا شبه محسوم وفق توقعات المحللين والخبراء.
ومكمن الخطر هنا، أن التضخم العنيد الشبيه بالتضخم في الولايات المتحدة يجعل التحركات السريعة اللاحقة أقل احتمالا.
في غضون ذلك، اضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل إلى إعادة التفكير في التخفيف النقدي بعد أن فاقت ارتفاعات الأسعار التوقعات، حتى لو كان المتداولون لا يزالون يأملون في خفض أسعار الفائدة هذا العام.
من الأفضل للبنك المركزي الأوروبي ألا يرفض بشكل قاطع خطر الانكماش الذي تشهده الولايات المتحدة، وأن يظل حذراًالرئيس العالمي للأبحاث الكلية في "آي إن جي" كارستن برزيسكي
قال الرئيس العالمي للأبحاث الكلية في "آي إن جي" كارستن برزيسكي في مذكرة، إن مشاكل أميركا مع التضخم الثابت يمكن أن تصل إلى الشواطئ الأوروبية.
وأضاف: "سيكون من الأفضل للبنك المركزي الأوروبي ألا يرفض بشكل قاطع خطر الانكماش الذي تشهده الولايات المتحدة وأن يظل حذراً."
قدمت قراءة التضخم لشهر مايو في منطقة اليورو، المكونة من 20 دولة، أحدث علامة تحذير للبنك المركزي الأوروبي.
وتسارع التضخم بأكثر من المتوقع إلى 2.6% عن العام السابق، وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمسؤولين هو الارتفاع المفاجئ في أسعار الخدمات والتعزيز غير المتوقع للضغوط الأساسية.
وجاءت هذه الانتكاسة في أعقاب تراجع حاد في التضخم، ولن تكون بمثابة صدمة كاملة لصانعي السياسة في البنك المركزي الأوروبي الذين يستعدون لطريق وعرة للعودة إلى هدفهم البالغ 2%.
لكن النمط الناشئ في أوروبا يشبه أيضاً النمط السائد في الولايات المتحدة، إذ يقول نحو ثلث الاقتصاديين، في استطلاع أجرته بلومبرغ مؤخراً، إن ارتفاع الأسعار الأميركية يتقدم على ذلك الذي تحققه أوروبا.
كتب الخبير الاقتصادي في "بنك نومورا" أندريه شيبانياك في مذكرة حديثة: "لا أحد يجادل في أن المحفزات الرئيسة لارتفاع التضخم الأصلي كانت مختلفة في المنطقتين".
وقال: "هناك الحوافز المالية الهائلة في الولايات المتحدة مقابل أزمة الطاقة التي ضربت أوروبا بعد غزو روسيا لأوكرانيا".
ومع ذلك، فإن ما يغذي الأسعار الأوروبية من هنا، قد لا يختلف كثيراً عن ما كان وراء قدرتها على التحمل في الولايات المتحدة وفق شيبانياك.
أهم أسباب التضخم الحوافز المالية الهائلة في الولايات المتحدة مقابل أزمة الطاقة التي ضربت أوروبا بعد غزو روسيا لأوكرانياأندريه شيبانياك الخبير الاقتصادي في "بنك نومورا"
استشهد أندريه شيبانياك بتوسع أقوى من المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي، واحتمال حدوث انتعاش يقوده المستهلك مدعومًا بمعدل بطالة منخفض قياسي يدفع الأجور إلى الارتفاع بشكل ملحوظ.
وقال: "قد يسمح الطلب القوي للشركات بتمرير تكاليف أعلى للمستهلكين".
وصف مدير المحفظة في شركة "بيمكو" كونستانتين فيت التضخم بأنه مترابط بشكل كبير على مستوى العالم.
وقال: "لذا، إذا تبين أن الولايات المتحدة تعاني مشكلة أكبر، فمن غير المرجح ألا تعاني منطقة اليورو مشكلة بسيطة على الأقل".
إذا تبين أن الولايات المتحدة تعاني مشكلة أكبر فمن غير المرجح ألا تعاني منطقة اليورو مشكلة بسيطة على الأقلمدير المحفظة في شركة بيمكو، كونستانتين فيت
سلط فيت الضوء على خطاب ألقته عضوة المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي إيزابيل شنابل عام 2022، حين ناقشت "الأدلة الملموسة" على "عولمة" التضخم.
قال رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناجل، في أبريل: "ثبات أسعار المستهلك في الولايات المتحدة يعلمنا أننا ينبغي لنا أن نتعامل مع موضوع التضخم بتواضع".
وكانت، في الوقت ذاته، قللت رئيس البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد وآخرون من أهمية الروابط بين الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وقالت لاغارد بعد اجتماع السياسة في أبريل: "لا أعتقد أنه يمكننا استخلاص استنتاجات بناءً على افتراض أن التضخمين متماثلان.. لاقتصادين ليسا متماثلين."
قال كبير الاقتصاديين في بنك "بيرينبير بلومبرع" هولجر شميدينغ: سبب التضخم في الولايات المتحدة لم يتم حله بعد.
وأضاف شميدينغ: يستمر الطلب النهائي المحلي في النمو بقوة في أميركا، ولكن في منطقة اليورو، تم التغلب على صدمة بوتن إلى حد كبير.
بيد أن الاقتصاد الأوروبي يضعف بشكل أكبر، وهذا سبب أوضح لخفض أسعار الفائدة في أقرب وقت ممكن.
سبب التضخم في الولايات المتحدة لم يتم حله بعدهولجر شميدينغ، كبير الاقتصاديين في بنك بيرينبير
ترى كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في شركة PGIM للدخل الثابت كاثرين نيس، أن صورة التضخم في أوروبا "أكثر وضوحاً إلى حد ما"، مما هي عليه في الولايات المتحدة.
وقالت: "على وجه الخصوص، أصبحت المعدلات الشهرية السلسة للتضخم الرئيس في منطقة اليورو تتماشى مؤخراً مع هدف 2%، على عكس الولايات المتحدة التي لا تزال أكثر سخونة."
لكن حقيقة أن التضخم في منطقة اليورو يبدو وكأنه يتتبع نظيره في الولايات المتحدة بفارق بضعة أشهر هو أمر أكبر من أن يتجاهله البعض، وفق كارستن برزيسكي من آي إن جي.
وقال كارستن برزيسكي، الرئيس العالمي للأبحاث الكلية في آي إن جي في مذكرة: "هناك خطر كبير في استمرار هذا التشابه".
وأضاف برزيسكي: "الأمر لا يتعلق بتقليد الولايات المتحدة، بل يتعلق بفهم آليات التضخم هناك، حتى تلك التي طورتها بشكل مماثل على مدى السنوات القليلة الماضية".
وتابع كارستن برزيسكي: "سوق العمل هو أفضل تفسير لأوجه التشابه، وكذلك أسعار الطاقة، وفي كلتا الحالتين، يختلف المستوى في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، لكن الاتجاه ليس كذلك".