توقعات بفقد الكيلوغرام 50% من سعره ليصل إلى 5.20 دولار
تحولت فرحة المزارع التونسي جمال العبروقي، إلى خيبة أمل كبرى، بسبب الانهيار الحاد في أسعار زيت الزيتون، «كنا نتوقع موسماً استثنائياً لمحصول زيت الزيتون.. لكن هذه الأماني تبددت مع انخفاض الأسعار العالمية والمحلية لزيت الزيتون مطلع نوفمبر الماضي».
كان العبروقي والعاملون في هذا القطاع الذي يعد ركيزة أساسية للاقتصاد التونسي، يعوّلون على تحقيق إيرادات قياسية، خاصة بعد أن جلبت صادرات زيت الزيتون «الذهب الأخضر» في الموسم السابق عوائد كبيرة بلغت 5.1 مليار دينار (1.65 مليار دولار.
وبلغ حجم إنتاج الزيتون لهذا الموسم، نحو 1.7 مليون طن، وإنتاج زيت الزيتون 340 ألف طن بزيادة 50% عن إنتاج موسم العام الماضي، وفق المدير العام للديوان الوطني للزيت حامد الدالي، في تصريحات سابقة إلى إعلام محلي.
تتوقع شركة «ديوليو» الإسبانية التي تعد أكبر منتج لزيت الزيتون في العالم انخفاض الأسعار إلى 5 يورو (5.20 دولار) للكيلوغرام، وهو تراجع حاد عن المستويات المرتفعة التي تراوحت بين 9 و10 يوروات للكيلوغرام.
وفي تونس، اشتدت الأزمة أكثر بعد توقيف صاحب كبرى الشركات التونسية المصدرة للزيت بتهم فساد، وتوقف شركته عن شراء الزيت من المزارعين، وأربك السوق بشكل كبير، ما أدى إلى حدوث وفر في المعروض وتراجع حاد في الأسعار المحلية، وفق أستاذ الاقتصاد في «جامعة نابل» أرام بلحاج.
وفي الخامس من نوفمبر الماضي، أصدر القضاء التونسي مذكرة توقيف بحق رجل الأعمال عبد العزيز المخلوفي الذي يمتلك «مجموعة تشو» (CHO company) أكبر شركة تصدير لزيت الزيتون في تونس، مع 15 شخصاً بينهم وزير فلاحة سابق.
وجاء توقيف المخلوفي بسبب قضية «فساد إدارة بهنشير الشعال» لإنتاج الزيتون المملوكة للدولة، وهي أكبر مزرعة حكومية في تونس، وتعد إحدى أكبر مزارع الزيتون في العالم، ويبلغ عدد شجر الزيتون فيها نحو 400 ألف شجرة.
ومع تفاقم الأزمة، عجزت الحكومة ممثلة في «الديوان الوطني للزيت» عن التدخل الفعّال لإنقاذ الوضع، كما يشير بلحاج خلال حديثه مع «إرم بزنس»، حيث يُعاني هذا الهيكل الرسمي المسؤول عن القطاع من مشاكل هيكلية مزمنة، أبرزها محدودية طاقة التخزين التي لا تتجاوز 60 ألف طن، وهي كمية ضئيلة مقارنة بالمحصولالمتوقع هذا العام.
تحتل تونس مكانة عالمية بارزة في إنتاج زيت الزيتون، حيث تضم البلاد نحو 110 ملايين شجرة زيتون تُغطي مليوني هكتار، ما يمثل نحو 45% من الأراضي الصالحة للزراعة.
ويساهم هذا القطاع الحيوي بنحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي بلغت قيمته 48.53 مليار دولار في العام 2023، وفقاً للبيانات الرسمية من البنك الدولي. كما يوفر نحو 50 مليون يوم عمل سنوياً لأكثر من 250 ألف عامل، غالبيتهم من النساء.
لكن خلف هذه الأرقام الإيجابية تكمن هشاشة واضحة. فتأثير أي أزمة في هذا القطاع يمتد ليشمل أكثر من 300 ألف عائلة تعتمد على زيت الزيتون كمصدر أساس للرزق، مما يجعل الأزمة الحالية تهديداً اجتماعياً واقتصادياً على حد سواء.
شهدت أسعار زيت الزيتون هذا العام تراجعاً غير مسبوق، وفق محمد أنيس مالك إحدى معاصر زيت الزيتون، مشيراً في تصريحات لـ «إرم بزنس» إلى انخفاض سعر اللتر في المعاصر إلى أقل من 10 دنانير (3.2 دولار) مقارنة بـ 25 ديناراً (8 دولارات) في الموسم الماضي.
ووفق أنيس، فإن هذا الانخفاض الحاد جعل المواطنين يقبلون على شراء الزيت بكميات كبيرة وتخزينه في منازلهم، على حين يعاني المزارعون من خسائر فادحة، حيث لا تغطي الأسعار الحالية تكاليف الإنتاج.
ولم تتراجع أسعار زيت الزيتون وحدها، بل تراجع أيضاً سعر المحصول، حيث يوضح أنيس، أن انخفاض سعر الكيلوغرام إلى دينار واحد (0.31 دولار)، مقارنة بثلاثة دنانير (0.94 دولار) في الموسم الماضي، يثير قلقاً واسعاً في أوساط المنتجين الذين باتوا يواجهون صعوبات مالية كبيرة.
وتظهر بيانات الديوان الوطني للزيت، امتلاك تونس ما بين 1600 و1750 معصرة لإنتاج زيت الزيتون، إلى جانب 35 وحدة متخصصة في التعبئة والتعليب. وتحتل البلاد المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج زيت الزيتون بعد إسبانيا، بينما تتصدر قائمة الدول من حيث جودة المنتج.
تأتي هذه الأزمة في وقت يعاني فيه الاقتصاد التونسي من تحديات كبرى، فقد أعلن البنك الدولي، مؤخراً، عن خفض توقعاته للنمو الاقتصادي في تونس لعام 2024 إلى 2.1% مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 4.2%.
ومن هذه التحديات كما يوضح بلحاج انخفاض النمو الاقتصادي خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 0.2% مقارنة بـ1.1% في الفترة نفسها من العام الماضي.
ويشير أستاذ الاقتصاد، إلى أن تراجع أسعار زيت الزيتون، الذي يُعد مصدراً رئيساً للعملة الصعبة، يهدد بتفاقم الأوضاع الاقتصادية، حيث قد تقلل الأسعار المنخفضة من قيمة الصادرات هذا الموسم.
وبحسب بيانات الديوان الوطني للزيت، ارتفعت صادرات زيت الزيتون بنسبة 80% إلى 1.41 مليار دولار خلال الفترة من نوفمبر 2023 إلى يونيو 2024، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وفي محاولة لتخفيف الأزمة، أعلنت وزارة الفلاحة التونسية عن سلسلة من الإجراءات لدعم المزارعين وحماية القطاع، وتضمنت هذه الإجراءات شراء كميات من زيت الزيتون بأسعار تراعي السوق العالمية، وتمويل تخزين الزيت لدى المنتجين في حال استمرت الأسعار في التراجع.
كما قررت الوزارة التونسية تمديد آجال سداد القروض الموسمية للمزارعين وأصحاب المعاصر لمدة 3 أشهر.
ومن ضمن جهود حلحلة الأزمة، يسعى الديوان الوطني للزيت إلى التدخل بشكل أكثر فعالية من خلال شراء كميات من الزيت من مختلف المناطق التونسية، في محاولة لتخفيف الضغوط على المزارعين ودعم الأسعار في السوق المحلية.
رغم التحديات الراهنة، يرى نقيب الفلاحين التونسيين الضاوي الميداني في حديث مع «إرم بزنس» أن الأزمة الحالية قد تمثل فرصة لإعادة النظر في إستراتيجيات القطاع.
ويوضح الميداني أن هذه الإستراتيجيات تتطلب تعزيز البنية التحتية للديوان الوطني للزيت، وتحسين قدرات التخزين والتسويق، وفتح أسواق تصدير جديدة لتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية في أوروبا وأميركا الشمالية.
وخلال شهر نوفمبر الماضي، صدّرت تونس 14,7 ألف طن من زيت الزيتون، محققةً عائدات بلغت 281 مليون دينار تونسي (90 مليون دولار) بارتفاع 47% على أساس سنوي، وفق بيانات الديوان الوطني للزيت.
ويطالب نقيب الفلاحين بضرورة العمل على دعم المزارعين بشكل مباشر لتحفيزهم على الاستمرار في الإنتاج، مع تحسين آليات الرقابة والشفافية لتجنب الأزمات الناتجة عن الفساد أو سوء الإدارة.
وباعتقاد «الميداني»، فإن المستفيد الأكبر من تراجع أسعار زيت الزيتون هم المواطنون، حيث أصبحت الأسعار في السوق المحلية جذابة ومناسبة مقارنةً بالارتفاع الكبير الذي شهدته العام الماضي. في المقابل، يتحمل المزارعون والدولة خسائر كبيرة نتيجة لانهيار الأسعار وانخفاض عائدات الدولة من العملة الصعبة، مما يزيد الضغط على القطاع الزراعي والاقتصاد الوطني.