زيادة الحد اليومي للأفراد إلى 1772 دولاراً
في خطوة تهدف إلى مواجهة تداعيات التضخم وتراجع قيمة الجنيه وتوفير السيولة اللازمة، رفع البنك المركزي المصري، حدود السحب النقدي اليومية والشهرية بنحو 50% للأفراد والشركات، ضمن قرار يعكس تفاعله مع التحديات الراهنة وتطلعه لتعزيز النشاط الاقتصادي والشمول المالي في البلاد.
يؤكد خبراء مصرفيون واقتصاديون، في تصريحات لـ«إرم بزنس»، أن قرار البنك المركزي يسهم في تيسير أداء الشركات من خلال تسهيل إجراءات توفير السيولة، ثم تحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة، بالإضافة إلى تقليل الضغط والزحام داخل فروع البنوك المصرية بعد رفع حدود السحب، فيما شددوا على ضرورة اتخاذ تدابير احترازية لتفادي أي آثار سلبية.
وأوضحوا أن هذه الزيادة الكبيرة في حدود السحب تأتي استجابة للتطورات الاقتصادية الحالية، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار خلال الأيام الماضية، ما أدى إلى زيادة احتياجات الأفراد والشركات للسيولة اليومية.
وفي 29 ديسمبر الماضي، رفع البنك المركزي الحدود اليومية والشهرية القصوى للتعامل على حسابات الشمول المالي بنحو 50%، وذلك للمرة الثانية خلال العام 2024 بعد الزيادة التي أقرها في شهر أبريل.
بحسب الزيادة الأخيرة، رفع الحد الأقصى اليومي للسحب النقدي للأفراد إلى 90 ألف جنيه (1772 دولاراً) مقارنة بـ60 ألف جنيه (1181.5 دولار) سابقاً، كما تم رفع الحد الأقصى الشهري بنحو 100 ألف جنيه ليصل إلى 300 ألف جنيه.
وبالنسبة للشركات والمنشآت متناهية الصغر التي تمتلك مستندات نشاط أو مقرات «فئة أ»، تم رفع الحد الأقصى اليومي إلى 120 ألف جنيه بدلاً من 80 ألف جنيه، وزيادة الحد الشهري لهذه الفئة بنحو 200 ألف جنيه ليصل إلى 600 ألف جنيه.
أما فيما يخص الشركات والمنشآت متناهية الصغر، وأصحاب المهن الحرة الذين لا يمتلكون مستندات نشاط أو مقرات «فئة ب»، فقد ترك البنك المركزي تحديد قيمة الحد الأقصى لرصيد الحساب لكل بنك، لكنه رفع الحد الأقصى اليومي لهذه الفئة إلى 90 ألف جنيه من 60 ألف جنيه، وزاد الحد الأقصى الشهري إلى 300 ألف جنيه بدلاً من 200 ألف جنيه.
الخبير المصرفي وعضو مجلس إدارة بنك قناة السويس السابق، محمد عبد العال، يرجع قرار رفع حدود السحب إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والمالية لتحقيق توازن بين متطلبات السوق المحلية، وتشجيع النشاط الاقتصادي، وتسهيل العمليات المصرفية.
ويعدُّ عبد العال، في حديث مع «إرم بزنس»، أن أحد الأسباب الرئيسة لصدور هذا القرار، هو تحفيز النشاط الاقتصادي، إذ إن رفع حدود السحب يعزز من قدرة الشركات على توفير السيولة اللازمة، على تغطية احتياجاتها التشغيلية اليومية، مثل دفع رواتب الموظفين، وتسوية مستحقات الموردين، وشراء المواد الخام.
أما السبب الثاني، بحسب الخبير المصرفي، فيرجع إلى ارتفاع معدل التضخم الذي أدى إلى زيادة كبيرة في تكلفة المعيشة، وأصبح الأفراد بحاجة إلى سحب مبالغ أكبر لتلبية احتياجاتهم اليومية.
وبالتالي جاء القرار ليخفف الأعباء على المواطنين من خلال منحهم حرية أكبر في الوصول إلى أموالهم، ما يعزز من قدرتهم على الإنفاق، ويخفف الضغط المالي عليهم.
كما يشمل أسباب رفع حدود السحب اليومية من البنوك ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه المصري، من مستويات 48 جنيهاً إلى نحو 51 جنيهاً خلال الأيام الماضية، ما يفرض الحاجة إلى ضرورة رفع معدلات السحب عن الحدود السابقة.
وينعكس قرار البنك المركزي الأخير على الاقتصاد المصري بشكل إيجابي، حيث يعكس استقرار القطاع المصرفي وقدرته على التعامل مع الطلب المتزايد على النقد، وتحقيق الشمول المالي.
ويوضح عبد العال أن هذه الخطوة تهدف إلى إرسال رسالة طمأنة إلى السوق المحلي والمستثمرين، أن النظام المصرفي قادر على تلبية احتياجات الأفراد والشركات، ما يعزز من ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري.
ويصل عدد البنوك العاملة في مصر إلى 36 بنكاً، مع إجمالي 4699 فرعاً ووحدة مصرفية، كما تضم البلاد حوالي 23,805 ماكينة صراف آلي، و205,200 نقطة بيع إلكترونية حتى نهاية يونيو 2024، وفقاً لبيانات البنك المركزي.
وتظهر البيانات ذاتها، ارتفاع ودائع البنوك العاملة في السوق المصرية، إلى نحو 11.7 تريليون جنيه في نهاية شهر أبريل 2024، مقارنة بنحو 10 تريليونات جنيه في نهاية ديسمبر 2023، بارتفاع قدره نحو 1.7 تريليون جنيه، بنسبة ارتفاع بلغ نحو 17%.
كذلك يعكس هذا القرار تحسناً في السيولة النقدية لدى البنوك، مدعوماً بتحسن احتياطي النقد الأجنبي الذي ارتفع إلى 46.94 مليار دولار بنهاية شهر أكتوبر الماضي.
وباعتقاد عبد العال، فإن هذا التحسن أتاح للبنك المركزي القدرة على تخفيف القيود النقدية المفروضة سابقًا، ما يعزز الثقة بالقطاع المصرفي، ويُظهر قدرة البنوك على تلبية الطلب المتزايد على السيولة.
كان البنك المركزي المصري قد فرض قيوداً على عمليات السحب اليومية والشهرية للأفراد والشركات مع تفشي فيروس كورونا، وتفاقم أزمة نقص الدولار، وذلك بهدف تحجيم السيولة والمضاربات على العملة الصعبة، ولكنه بدأ في تخفيف هذه القيود بزيادة حد السحب مع انحسار أزمة النقد الأجنبي، وتحرير سعر الصرف في مارس الماضي.
وفي حديث مع «إرم بزنس»، يشير الخبير المصرفي ومدير إدارة التخطيط في البنك الوطني للتنمية سابقاً، أحمد آدم، إلى أن رفع حدود السحب يُعطي دفعة للنشاط التجاري، خاصة في القطاعات التي تعتمد على النقد مثل المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وهي بحاجة دائمة إلى السيولة لتلبية متطلبات التشغيل ودفع رواتب العمالة.
ويؤكد أن التأثير الإيجابي لهذا القرار يعتمد على مدى توافر سياسات اقتصادية موازية لضبط معدلات التضخم وتحسين القوة الشرائية للجنيه المصري مقابل الدولار.
وارتفع التضخم إلى 26.5% في أكتوبر الماضي من 26.4% في الشهر السابق، بسبب ارتفاع أسعار الوقود، وفق بيانات البنك المركزي.
ويشير الخبير المصرفي إلى التحديات المحتملة المرتبطة بهذا القرار، خاصة في ما يتعلق بمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مؤكداً أهمية تعزيز البنوك لأنظمة مكافحة غسل الأموال وتشديد الرقابة على المعاملات المالية لضمان الحد من أي أنشطة مشبوهة قد تنجم عن رفع حدود السحب النقدي.
ويوضح آدم أن قرار البنك المركزي المصري برفع حدود السحب اليومية والشهرية للشركات والمنشآت يمثل خطوة إستراتيجية لدعم القطاع الإنتاجي والتجاري، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
ويرى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك المنشآت متناهية الصغر، ستستفيد بشكل كبير من هذا القرار، حيث تمنح حدود السحب الجديدة لهم مرونة أكبر في إدارة تدفقاتها النقدية، ما يساعدها على الحفاظ على استمرارية عملياتها التشغيلية دون تعطيل.
وتكشف أحدث نتائج أعمال للبنك الأهلي المصري، أحد أكبر البنوك الحكومية في مصر، ارتفاع ودائع الشركات والمؤسسات بالبنك بقيمة 310.66 مليار جنيه لتصل إلى 11.88 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2023، مقارنة مع 878.30 مليار جنيه بنهاية ديسمبر 2022.
حسب البيانات، نمت ودائع المؤسسات بالبنك الأهلي بمعدل 35.4% على أساس سنوي، لتسجل 1.188 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2023.
بينما تكشف القوائم المالية لبنك مصر، ثاني أكبر البنوك الحكومية المصري، ارتفاع ودائع العملاء بالبنك لتسجل 2,336 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر الماضي، مقابل 1,874 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2023.
ويضيف آدم أن توفير السيولة النقدية يعزز من قدرة الشركات على التوسع وتنفيذ خططها الاستثمارية، خاصة في القطاعات التي تعتمد على النقد بشكل كبير، ويؤكد أن هذا القرار يُعد محفزاً للنشاط الاقتصادي بشكل عام، حيث يساعد الشركات على تسريع دورة رأس المال، وهو ما ينعكس إيجابياً على حركة التجارة والصناعة.
ويرى أن القرار يقلل الضغط على فروع البنوك من خلال توفير مرونة أكبر للشركات في الحصول على احتياجاتها، وهذا من شأنه تسهيل عمليات السحب النقدي للشركات وتقليل التكدس داخل فروع البنوك.
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده، أن هذا القرار يعكس رغبة البنك المركزي في تحفيز النشاط الاقتصادي وتسهيل حركة الأموال داخل السوق، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.
ويشير خلال حديثه مع «إرم بزنس» إلى أن رفع حدود السحب يساعد على تعزيز السيولة لدى الأفراد والشركات في ظل ارتفاع الأسعار والتضخم، نتيجة تراجع قيمة الجنيه المصري، ما ينعكس إيجاباً على حجم الاستهلاك المحلي.
وبحسب نتائج أعمال البنك الأهلي المصري، زادت ودائع الأفراد لدى البنك بقيمة 200.92 مليار جنيه خلال عام، لترتفع من 2.343 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2022 لتصل إلى 2.544 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2023.
ويوضح عبده أن زيادة السيولة المتاحة بيد الأفراد تتيح لهم تلبية احتياجاتهم اليومية بشكل أسرع، ويؤدي هذا الارتفاع في الاستهلاك المحلي بدوره إلى زيادة الإنتاج، ما يعزز من أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة.
ورغم الفوائد الكبيرة، ينبه عبده على ضرورة اتخاذ تدابير احترازية لتفادي أي آثار سلبية، حيث قد يؤدي إلى زيادة النقد المتداول إلى مخاطر مثل التضخم الإضافي أو إساءة استخدام السيولة في الأنشطة غير المشروعة، ما يتطلب تعزيز الرقابة على العمليات المالية وضمان توجيه السيولة لدعم الأنشطة الاقتصادية الحقيقية.