في إطار سعيها لبناء اقتصاد رقمي متطور، تواصل مصر تعزيز جهودها نحو تقليل الاعتماد على النقد ودعم التحول التكنولوجي في إدارة المعاملات المالية. ومن أبرز هذه الخطوات هو تمديد الإعفاء من الرسوم على تحويلات منظومة المدفوعات اللحظية، بما يساهم في تسهيل الوصول إلى خدمات مالية أكثر سرعة وكفاءة.
الاثنين الماضي، قرر البنك المركزي المصري تمديد إعفاء العملاء من كافة الرسوم الخاصة بخدمات التحويلات لمنظومة المدفوعات اللحظية، وتطبيق «إنستاباي» (نظام دفع رقمي مُرخّص) لمدة 3 أشهر تنتهي في مارس المقبل، مع إمكانية تجديد الإعفاء مرة أخرى، وفقاً لبيان رسمي.
كما يشمل الإعفاء كافة المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات البنكية للأفراد عبر القنوات الإلكترونية مثل الإنترنت البنكي وتطبيقات الهاتف البنكي بالجنيه المصري.
وبحسب خبراء مصرفيين تحدثوا مع «إرم بزنس»، يأتي هذا القرار ضمن رؤية مصر 2030 لدعم التحول الرقمي وتشجيع المواطنين على استخدام الخدمات المالية الرقمية، إذ أصبحت هذه المنظومة التي تم إطلاقها منذ عامين ونصف، واحدة من أهم مشاريع البنية التحتية لنظم الدفع التي يدعمها البنك المركزي.
وفي أبريل 2022، أطلق البنك المركزي هذه المنظومة التي تتيح عمليات التحويل بين البنوك بشكل لحظي، وعلى مدار 24 ساعة، مع ضمان الالتزام الكامل بجميع الضوابط الرقابية والمتطلبات الفنية المتعلقة بأمن المعلومات وخصوصية البيانات وحماية حقوق العملاء.
وفي عام 2024، شهدت هذه المنظومة التي يشارك فيها نحو 30 بنكاً نمواً كبيراً في حجم المعاملات المنفذة من خلالها، حيث بلغت نحو 1.5 مليار معاملة بقيمة تصل إلى 2.9 تريليون جنيه (56.8 مليار دولار)، وزاد عدد مستخدمي الخدمة ليصل إلى حوالي 12.5 مليون عميل.
قرار البنك المركزي بتمديد الإعفاء من الرسوم يعزز خطوات التحول إلى مجتمع لا نقدي، ويدعم من إستراتيجية الدولة للتوسع في الشمول المالي، حيث يتم تقليل الاعتماد على الأوراق النقدية واستخدام الوسائل الإلكترونية مثل البطاقات المدفوعة مسبقًا أو تطبيقات الهاتف المحمول، وفق الخبيرة المصرفية ونائب رئيس بنك مصر سابقاً سهر الدماطي.
وفي حديث مع «إرم بزنس»، توضح الدماطي، أن الاعتماد على التكنولوجيا المالية الحديثة يسهم بشكل كبير في تحسين الأداء الاقتصادي، حيث إن التعاملات النقدية التقليدية تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، بالإضافة إلى الحاجة إلى كوادر بشرية لنقل الأموال بين البنوك وصولاً إلى البنك المركز مما يؤدي إلى دورة نقدية طويلة تؤثر سلباً على الاقتصاد.
وفي مطلع ديسمبر الماضي، منح البنك المركزي التراخيص والموافقات اللازمة لعدد من البنوك المحلية، بما يمكنها من تقديم خدمة استقبال الحوالات المالية الواردة من الخارج، وإضافتها لحظياً إلى حسابات العملاء في جميع البنوك المصرية باستخدام شبكة المدفوعات اللحظية.
ووفق الدماطي، فإن هذا التوجه يعزز من القدرة الشرائية للأفراد، خاصة في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، حيث يتيح لهم مرونة أكبر في تنفيذ عمليات الشراء والبيع وتحويل الأموال دون التقيد بالتعامل المباشر مع البنوك.
وشهدت مصر تطوراً ملحوظاً في قطاع المعاملات المالية الرقمية، إذ إنه بنهاية عام 2023، تجاوزت قيمة معاملات الإنترنت البنكي حاجز 7.5 تريليون جنيه، الأمر الذي يعكس تزايد الإقبال على الخدمات المالية الرقمية ودورها في تعزيز الاقتصاد الوطني.
وفي الوقت ذاته، زاد عدد البطاقات المصرفية المصدرة إلى 67 مليون بطاقة، منها 40 مليون بطاقة ضمن منظومة الدفع الوطنية «ميزة». كما ارتفع حجم التعاملات المالية عبر الإنترنت البنكي والموبايل البنكي، من خلال البنوك إلى 7.5 تريليون جنيه.
وتظهر بيانات البنك المركزي ارتفاع عدد حسابات محافظ الهاتف المحمول إلى 42.14 مليون حساب بنهاية مارس الماضي. كما بلغ إجمالي عدد العمليات التي تمت خلال هذا الشهر 138 مليون عملية بقيمة تقدر بنحو 193 مليار جنيه.
وتندرج محافظ الهاتف المحمول، ضمن منظومات الدفع الإلكترونية، وهو تطبيق للهواتف المحمولة تقدمه شركة الاتصالات لعملائها الراغبين في إنشاء محفظة على الهاتف مجاناً، وتسمح من خلاله بتحويل الأموال بين العملاء مقابل رسوم 1% عند سحب المبلغ، بالإضافة إلى سداد الفواتير وإجراء عمليات التسوق.
وضمن مساعي مصر في تحقيق الشمول المالي والتوسع في المعاملات المالية الرقمية، رفع البنك المركزي في سبتمبر الماضي حدود السحب المرتبطة بتطبيق "إنستاباي"، إلى 70,000 جنيه مصري كحد أقصى للمعاملة الواحدة، و120,000 جنيه مصري الحد الأقصى للسحب اليومي، و400,000 جنيه مصري الحد الأقصى للسحب الشهري.
من جانبه، يشير الخبير المصرفي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء، أحمد شوقي، إلى أن القرارات الأخيرة للبنك المركزي تتماشى مع اتجاه الدولة لتقليص التعامل النقدي بين الأفراد.
كما تتزامن هذه القرارات مع المتغيرات الاقتصادية الحالية، حيث تشمل زيادة الحدود اليومية للتعاملات في ضوء ارتفاع التضخم إلى 26.5% في أكتوبر الماضي؛ مما يدعم تحقيق أهداف المجلس الأعلى للمدفوعات.
وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 89 لسنة 2017 بتأسيس المجلس القومي للمدفوعات؛ لتعزيز التحول الرقمي في مجال المدفوعات، وتقليل الاعتماد على النقد خارج القطاع المصرفي وتشجيع استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية كبديل، إلى جانب تطوير نظم الدفع الوطنية ووضع أطر إشرافية فعّالة لتقليل المخاطر المرتبطة بها، مما يضمن إيجاد نظم دفع آمنة وفعّالة.
كما يركز المجلس على تحقيق الشمول المالي، عبر دمج شريحة أكبر من المواطنين في النظام المصرفي، وإدخال القطاع غير الرسمي ضمن المنظومة الرسمية.
ويسعى المجلس أيضاً إلى تقليل تكلفة انتقال الأموال، وتعزيز المتحصلات الضريبية، وحماية حقوق مستخدمي نظم وخدمات الدفع، مع ضمان تحقيق تنافسية سوق خدمات الدفع، وتنظيم عمل الكيانات القائمة في هذا القطاع والإشراف عليها.
ويؤكد شوقي أن هذه القرارات الأخيرة تعكس التزام البنك المركزي المصري بتطوير النظام المصرفي وتعزيز التحول الرقمي كجزء من إستراتيجية أوسع لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إلى ذلك، توقع وكيل مساعد محافظ البنك المركزي المصري المسؤول عن العمليات المصرفية ونظم الدفع، إيهاب نصر، في تصريحات سابقة أوردها إعلام محلي، أن يصل حجم المعاملات الإلكترونية في مصر إلى 22 تريليون جنيه بنهاية عام 2024، مقابل 7 تريليونات جنيه في 2021.
ورغم تقديم خدمة «إنستاباي» مجاناً منذ إطلاقها، ينوه نصر إلى أن البنك المركزي يدرس المعطيات المرتبطة بهذه المنظومة، وفي حال الحاجة إلى إضافة رسوم على التحويلات، سيتم اتخاذ القرار بناءً على وضع السوق.
ويؤكد أن الإقبال على استخدام تطبيق «إنستاباي» يحقق مكاسب إستراتيجية للقطاع المصرفي، بما يتماشى مع رؤية البنك المركزي لتحويل مصر إلى مجتمع أقل اعتماداً على التعاملات النقدية.
ويشدد شوقي على أن التوسع في استخدام الخدمات المالية الرقمية يتطلب آليات صارمة لمكافحة غسل الأموال ومنع الفساد المالي، إذ قد يستغلها البعض لإخفاء مصادر الأموال غير القانونية، مما يفرض أهمية تعزيز التعاون بين وحدات مكافحة غسل الأموال داخل البنوك المصرية، لتعقب الأنشطة المشبوهة وضمان الالتزام الكامل بمعايير الامتثال المالية.