تشهد السياسات النقدية في منطقة اليورو جدلاً متزايداً بشأن تأثيرها السلبي على القطاع الصناعي مقارنة بقطاع الخدمات، وهو رأي يتفق عليه العديد من الاقتصاديين الأوروبيين وحتى الأميركيين. دراسة حديثة أجراها اقتصاديان من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) كشفت أن «ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر بشكل أكبر على النشاط الاقتصادي في الدول الأوروبية ذات القطاعات الصناعية القوية».
أظهرت الدراسة أن البلدان الصناعية ستستفيد بشكل أكبر من تخفيض أسعار الفائدة مقارنة بالدول الأخرى. ومع ذلك، اتبع «البنك المركزي الأوروبي» سياسة رفع أسعار الفائدة بشكل متسارع بين صيف 2022 وخريف 2023، حيث هدفت إلى كبح التضخم الذي بلغ 10% في أكتوبر 2022، مدفوعاً بارتفاع أسعار الطاقة.
هذا الارتفاع أدى إلى تأثير مزدوج على الصناعة: ارتفاع تكاليف الطاقة وزيادة تكلفة الاقتراض. ورغم خفض أسعار الفائدة مؤخراً، لا تزال السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي تعتبر مقيدة.
وفقاً لاقتصاديي الاحتياطي الفيدرالي، فإن زيادة أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس تؤدي إلى خسارة تعادل نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام. لكن التأثير يكون أشد على الصناعة بسبب طبيعتها الرأسمالية واعتماد الشركات الأوروبية على القروض البنكية. تشير البيانات إلى أن القيمة المضافة للصناعة تنخفض بنحو 3 نقاط مئوية بعد أربعة فصول، مقارنة بـ0.7 نقطة فقط لقطاع الخدمات.
ومع ذلك، يجادل بعض الاقتصاديين بأن الاستثمار الصناعي يرتبط بالطلب أكثر من ارتباطه بأسعار الفائدة. يقول أوليفييه دو بوايسون من «سوسيتيه جنرال»: «البنك المركزي الأوروبي لا يتحكم بشكل مباشر في نشاط القطاعات الاقتصادية المختلفة».
بالرغم من ذلك، تظهر الإحصاءات انخفاض الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو بنسبة 6% منذ صيف 2022، بينما ارتفع إنتاج قطاع الخدمات بنسبة 5% خلال الفترة نفسها. هذا التراجع لا يُعزى فقط لارتفاع أسعار الفائدة، بل أيضاً لعوامل أخرى مثل ارتفاع أسعار الغاز، التباطؤ الاقتصادي في الصين، وزيادة الحمائية التجارية.
تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة بين قادة الشركات الأوروبية تفاوتاً واضحاً في التوقعات، حيث يسود التشاؤم في الصناعة مقابل التفاؤل النسبي في قطاع الخدمات. يلاحظ كريستوف بوشيه من بنك «إيه بي إن أمرو» (ABN Amro) إن «الصناعة والبناء هما الأكثر تأثراً بارتفاع أسعار الفائدة مقارنة بالخدمات التي لا تتأثر بها كثيراً، باستثناء قطاعي التمويل والتأمين».
قطاع السيارات، على سبيل المثال، يعاني من تأثير مضاعف نتيجة اعتماده الكبير على التمويل من جهة، واعتماد المستهلكين على القروض لشراء السيارات من جهة أخرى. يضيف بوشيه: «إذا استمر البنك المركزي الأوروبي في التركيز فقط على التضخم في قطاع الخدمات دون الالتفات إلى أسعار السلع الصناعية، فستواجه الصناعة الأوروبية صعوبات متزايدة».