logo
اقتصاد

100 يوم من حكم رئيس «أميركا أولا».. كيف تغير النظام الاقتصادي العالمي؟

100 يوم من حكم رئيس «أميركا أولا».. كيف تغير النظام الاقتصادي العالمي؟
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يلقي كلمة حول الرسوم الجمركية في حديقة الورود بالبيت الأبيض، واشنطن، الولايات المتحدة، 2 أبريل 2025.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:27 أبريل 2025, 02:30 م

شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرباً جمركية عالمية غير مسبوقة، وخفّض المساعدات الخارجية الأميركية، واستخف بالدول الأخرى في حلف شمال الأطلسي، وتبنى الرواية الروسية حول غزوها لأوكرانيا، وتحدث عن ضم جرينلاند واستعادة قناة بنما، وجعل كندا الولاية الأميركية رقم 51.

في الأيام المئة الأولى الفوضوية منذ عودة ترامب إلى منصبه، شن الرئيس الأميركي حملة غير متوقعة في كثير من الأحيان أدت إلى قلب أجزاء من النظام الاقتصادي العالمي القائم على القواعد، والذي ساعدت واشنطن في بنائه من أنقاض الحرب العالمية الثانية.

من جانبه، قال إليوت أبرامز، السياسي المحافظ الذي عمل في عهد الرئيسين رونالد ريغان وجورج دبليو بوش قبل تعيينه مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة بشأن إيران وفنزويلا في ولاية ترامب الأولى: «ترامب الآن أكثر تطرفاً بكثير مما كان عليه قبل ثماني سنوات. لقد فوجئت»، وفق وكالة رويترز.

أدى جدول أعمال ترامب القائم على سياسة «أميركا أولاً» في ولايته الثانية إلى نفور الأصدقاء واكتساب الخصوم للجرأة، وأثار أيضاً تساؤلات حول إلى أي مدى هو مستعد للذهاب؟ وأثارت أفعاله، إلى جانب هذا الغموض، قلق بعض الحكومات لدرجة أنها ترد بطرق ربما يصعب التراجع عنها، حتى لو انتُخب رئيس أميركي أكثر تقليدية في عام 2028.

يأتي كل هذا في ظل ما يراه منتقدو الرئيس الجمهوري مؤشرات على تراجع الديمقراطية في الداخل، ما أثار مخاوف في الخارج. وتشمل هذه المؤشرات هجمات لفظية على القضاة، وحملة ضغط على الجامعات، ونقل المهاجرين إلى سجن سيئ السمعة في السلفادور في إطار حملة ترحيل أوسع نطاقاً.

فيما قال دينيس روس، المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط في إدارات ديمقراطية وجمهورية: «ما نشهده هو اضطراب هائل في الشؤون العالمية. لا أحد يعلم في هذه المرحلة كيف يكوّن رأياً حيال ما يحدث أو ما سيأتي لاحقاً».

يأتي هذا التقييم للتغييرات التي أحدثها ترامب في النظام العالمي من مقابلات أجرتها «رويترز» مع أكثر من 12 مسؤولاً حكومياً حالياً وسابقاً، ودبلوماسيين أجانب، ومحللين مستقلين في واشنطن وعواصم حول العالم.

يقول كثيرون إنه على الرغم من أن بعض الأضرار التي وقعت بالفعل ربما تكون طويلة الأمد، فإن الوضع قد لا يكون مستحيلاً إصلاحه إذا خفف ترامب من سياسته. وتراجع الرئيس بالفعل عن بعض القضايا، بما في ذلك توقيت وقدر الرسوم الجمركية.

لكنهم لا يرون فرصة كبيرة لحدوث تحول جذري من قبل ترامب، ويتوقعون بدلاً من ذلك أن تقوم دول عديدة بإجراء تغييرات دائمة في علاقاتها مع الولايات المتحدة لحماية نفسها من سياساته المرتبكة.

الصناعات الدفاعية

لقد بدأت تداعيات سيارات ترامب بالفعل. على سبيل المثال، يسعى بعض الحلفاء الأوروبيين إلى تعزيز صناعاتهم الدفاعية لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأميركية، واحتدم الجدل في كوريا الجنوبية حول تطوير ترسانتها النووية، وتزايدت التكهنات بأن تدهور العلاقات قد يدفع شركاء الولايات المتحدة إلى التقارب مع الصين، اقتصادياً على الأقل.

أخبار ذات صلة

2 تريليون دولار إيرادات.. سباق عمالقة التكنولوجيا في 2024

2 تريليون دولار إيرادات.. سباق عمالقة التكنولوجيا في 2024

فيما يرفض البيت الأبيض فكرة أن ترامب أضر بمصداقية الولايات المتحدة، مشيراً بدلاً من ذلك إلى الحاجة إلى تنظيف آثار ما وصفه بعبارة «القيادة المتهورة» للرئيس السابق جو بايدن على الساحة العالمية.

قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض برايان هيوز في بيان: «يتخذ الرئيس ترامب إجراءات سريعة لمعالجة التحديات من خلال جلب كل من أوكرانيا وروسيا إلى طاولة المفاوضات لإنهاء حربهما، ووقف تدفق الفنتانيل، وحماية العاملين الأميركيين من خلال محاسبة الصين، ودفع إيران إلى طاولة المفاوضات من خلال إعادة العمل بسياسة أقصى الضغوط».

أضاف أن ترامب «يجعل الحوثيين يدفعون ثمن إرهابهم... ويؤمن حدودنا الجنوبية التي كانت مفتوحة للغزو لمدة أربع سنوات».

بحسب استطلاع للرأي أجرته «رويترز/ إبسوس» ونشر في 13 مارس الماضي، فإن أكثر من نصف الأميركيين، بما في ذلك واحد من كل أربعة جمهوريين، يعتقدون أن ترامب «متحالف بشكل وثيق بشدة» مع روسيا، كما أن الجمهور الأميركي ليس لديه رغبة كبيرة في الأجندة التوسعية التي وضعها.

مخاطر كبيرة

يقول خبراء إن مستقبل النظام العالمي الذي تبلور على مدى العقود الثمانية الماضية في ظل هيمنة الولايات المتحدة إلى حد كبير أصبح على المحك. وكان هذا النظام قائماً على التجارة الحرة وسيادة القانون واحترام السلامة الإقليمية.

لكن في عهد ترامب، الذي يحتقر المنظمات متعددة الأطراف، وينظر في كثير من الأحيان إلى الشؤون العالمية من خلال عدسة المطور العقاري السابق، فإن النظام العالمي يتعرض لاهتزازات قوية.

اتهم ترامب شركاءه التجاريين «بنهب» الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن، وبدأ في تطبيق سياسة رسوم جمركية شاملة أدت إلى اضطراب الأسواق المالية وإضعاف الدولار وإثارة تحذيرات من تباطؤ الناتج الاقتصادي العالمي وزيادة خطر الركود.

ويصف ترامب الرسوم الجمركية بأنها «دواء» ضروري، لكن أهدافه لا تزال غير واضحة حتى مع عمل إدارته على التفاوض على اتفاقات منفصلة مع عشرات الدول.

في الوقت نفسه، خالف ترامب السياسة الأميركية تجاه الحرب الروسية المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا، ودخل في جدال حاد في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أواخر فبراير الماضي. وتقارب مع موسكو، وأثار مخاوف من أنه سيجبر كييف، المدعومة من حلف شمال الأطلسي، على قبول خسارة أراضيها، بينما يُعطي الأولوية لتحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فيما تسبب استخفاف الإدارة بأوروبا وحلف شمال الأطلسي في إثارة قلق بالغ، بعدما كانا لفترة طويلة الركيزة الأساسية للأمن عبر الأطلسي، لكن ترامب ومساعديه يتهمونهما باستغلال الولايات المتحدة.

وعبر المستشار الألماني فريدريش ميرتس، بعد فوزه في الانتخابات التي جرت في فبراير، عن قلقه بشأن العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة، وقال إن الوضع سيصبح صعباً إذا حوّل الذين وضعوا شعار «أميركا أولاً» شعارهم إلى «أميركا وحدها».

أضاف ميرتس: «هذا يمثل في الواقع فترة ما قبل وقوع الكارثة بالنسبة لأوروبا».

في ضربة أخرى لصورة واشنطن العالمية، يستخدم ترامب خطاباً توسعياً تجنبه الرؤساء المعاصرون لفترة طويلة، وهو ما يقول بعض المحللين إن الصين ربما تستخدمه كمبرر إذا قررت غزو تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي.

بأسلوبه الصاخب، يصر ترامب على أن الولايات المتحدة «ستحصل» على غرينلاند، وهي جزيرة دنماركية شبه مستقلة. وأثار غضب كندا بقوله إنه لا مبرر لوجودها، ويجب أن تصبح جزءاً من الولايات المتحدة. وهدد بالاستيلاء على قناة بنما، التي سُلمت إلى بنما عام 1999. واقترح أن تسيطر واشنطن على غزة التي مزقتها الحرب، وأن تحول القطاع الفلسطيني إلى منتجع على طراز الريفييرا.

فيما يقول بعض المحللين إن ترامب ربما يسعى إلى إحياء هيكل عالمي على غرار الحرب الباردة، حيث تقسم القوى الكبرى مناطق النفوذ الجغرافية.

مع ذلك، فإنه لم يقدم أي تفاصيل حول الكيفية التي يمكن بها للولايات المتحدة الاستحواذ على المزيد من الأراضي، ويشير بعض الخبراء إلى أنه ربما يتخذ مواقف متطرفة أو مبالغاً فيها كأدوات للمساومة.

لكن بعض البلدان تأخذه على محمل الجد.

من جانبها، قالت رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن في مؤتمر صحفي عقد في غرينلاند أوائل أبريل: «عندما تطالبون بالاستيلاء على جزء من أراضي مملكة الدنمارك، ونواجه بضغوط وتهديدات من أقرب حلفائنا، فما الذي يمكننا أن نصدقه بشأن هذا البلد الذي نعجب به منذ سنوات طويلة؟».

أضافت: «الأمر يتعلق بالنظام العالمي الذي بنيناه معاً عبر الأطلسي على مر الأجيال».

التعامل مع ترامب 

بدأت حكومات أخرى أيضاً في إعادة صياغة سياستها. وأعد الاتحاد الأوروبي – الذي زعم ترامب دون دليل أنه تم تشكيله «لإزعاج» الولايات المتحدة – مجموعة من الرسوم الجمركية المضادة لفرضها إذا فشلت المفاوضات.

بينما تبحث بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا إنفاق المزيد على جيوشها، وهو ما طالب به ترامب، ولكن هذا ربما يعني أيضاً الاستثمار بشكل أكبر في صناعاتها الدفاعية وشراء أسلحة أقل من الولايات المتحدة.

أخبار ذات صلة

تراجع عالمي في شحن الحاويات بسبب سياسات ترامب

تراجع عالمي في شحن الحاويات بسبب سياسات ترامب

في ظل توتر علاقة الصداقة التاريخية مع الولايات المتحدة، تسعى كندا إلى تعزيز روابطها الاقتصادية والأمنية مع أوروبا. ويأتي ذلك على خلفية الانتخابات الوطنية الكندية المقررة غداً الاثنين، والتي يهيمن عليها استياء الناخبين من تصرفات ترامب التي أثارت موجة من القومية، وغذت انطباعات بأن واشنطن لم تعد شريكاً موثوقاً به.

فيما أبدت كوريا الجنوبية انزعاجها أيضاً من سياسات ترامب، بما في ذلك تهديداته بسحب القوات الأميركية. لكن سول تعهدت بمحاولة العمل مع ترامب والحفاظ على التحالف الذي تعتبره مهماً في مواجهة تهديد كوريا الشمالية المسلحة نووياً.

كما تشعر اليابان، حليفة الولايات المتحدة، كذلك بالقلق. فقد فوجئت بحجم رسوم ترامب الجمركية، وقال مسؤول حكومي ياباني كبير مقرب من رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا إن طوكيو «تسعى جاهدة للرد».

والسؤال الرئيس هنا هو: هل ستحمي بعض الحكومات نفسها بهدوء من الرهانات الخاسرة من خلال إقامة علاقات تجارية أوثق مع الصين، الهدف الأول لرسوم ترامب الجمركية؟

في أوائل أبريل الماضي، التقى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، وقالت الصين مؤخراً إنها تبادلت وجهات النظر مع الاتحاد الأوروبي بشأن تعزيز التعاون الاقتصادي.

بينما طرحت بكين نفسها كحل للدول التي تشعر بالتهديد من نهج ترامب التجاري، على الرغم من سجلها في الممارسات التي تتسم بالجشع أحياناً على المستوى الدولي، وتحاول أيضاً ملء الفراغ الذي خلفته قراراته بتخفيض حجم المساعدات الإنسانية.

وقال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأميركي المخضرم السابق في إدارات جمهورية وديمقراطية، إن الأوان لم يفت بعد بالنسبة لترامب لتغيير مساره في السياسة الخارجية، خاصة إذا بدأ يشعر بالضغط من زملائه الجمهوريين الذين يشعرون بالقلق إزاء المخاطر الاقتصادية، بينما يسعون للاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. وإذا استمر ترامب على مساره، فربما يحاول الرئيس المقبل إعادة ترسيخ دور واشنطن كضامن للنظام العالمي، ولكن العقبات قد تكون هائلة.

أضاف ميلر، وهو الآن زميل كبير في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن: «ما يحدث لم يتجاوز بعد نقطة اللاعودة. لكن حجم الضرر الذي يلحق الآن بعلاقاتنا مع أصدقائنا، ومدى استفادة الخصوم منه، أمر لا يمكن حصره على الأرجح».

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC