هذا التوجه الهيدروجيني، يتصاعد حضوره وتتزايد استثماراته في العديد من دول المنطقة، في ظل تقلبات أسواق الطاقة التقليدية، وتبرز في هذا السياق الخطط الطموحة لكل من السعودية والإمارات ومصر، التي تسعى لامتلاك حصة وازنة في سوق عالمي يتوقع أن تبلغ قيمته "1.4 تريليون دولار سنويا بحلول العام 2050".
وتأتي تجارب القطار الهيدروجيني بالسعودية كـ"نقطة تحول مهمة بمجال النقل تستهدف خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 25% بحلول 2030" وفق وكالة الأنباء السعودية، وذلك بعد نحو 5 سنوات، من انطلاق خط قطار ألماني مماثل بتكلفة تقدر بنحو 93 مليون يورو، لكنها "تجنب برلين إنتاج 4400 طنّ من ثاني أكسيد الكربون كلّ عام".
خالد نجيب، رئيس شركة هيدروجين مصر، المعنية بأبحاث وتطبيقات إنتاج الهيدروجين في مجال النقل والموانئ، قال لـ"إرم الاقتصادية"، إن بدء السعودية تجارب القطار الهيدروجيني، يعد "نقلة كبيرة جدا وفوائدها الاقتصادية أكبر بكثير من تكلفتها التكنولوجية".
وأوضح نجيب أن "تجارب القطار الهيدروجيني مؤشر على أن السعودية ليست فقط ستصدر الهيدروجين وإنما ستستعمله كوقود للنقل والمواصلات، بدلا من الوقود التقليدي، مما يقل انبعاثات الكربون، وهذا مردوده الاقتصادي مهم، خاصة عندما نرى الهيدروجين الأخضر في الصناعات الثقيلة والمتوسطة والصغيرة بخلاف التصدير".
وأضاف أن "إنتاج الهيدروجين في السعودية والشرق الأوسط سيجعله منافسا للوقود الأحفوري، وكما كانت أسعار ألواح الطاقة الشمسية من 20 عاما مرتفعة جدا فنفس الشيء ينطبق على أجهزة إنتاج الهيدروجين التكنولوجية التي ستنخفض أسعارها تباعا، وبالتالي يقل سعر إنتاج الهيدروجين بشكل سريع وترتفع جدواه الاقتصادية".
وأشار رئيس شركة هيدروجين مصر إلى أن السعودية ومصر والإمارات يمكن أن تمثل حصة مؤثرة جدا في السوق العالمي للهيدروجين، سواء في الأسواق الأسيوية أو الأفريقية أو الأوروبية، وبالتالي تسعير الهيدروجين في الشرق الأوسط سيكون منافسا قويا.
ولفت إلى أن إنتاج الهيدروجين ستمتد آثاره بخلاف التصدير إلى الاستعمال المحلي وتوطينه، وبدء تجارب القطار الهيدروجيني بالسعودية لأول مرة بالشرق الأوسط، يمثل مؤشرا اقتصاديا مهما، مؤكدا أن الفوائد الاقتصادية لإنتاج الهيدروجين ستضخ مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد.
السعودية تنتهج نهجا واضحا في تعزيز مصادر الطاقة النظيفة وفق رؤيتها القائمة على تقليل الانبعاثات الكربونية.خالد الربيش - خبير اقتصادي
من جانبه، قال خالد الربيش الخبير الاقتصادي ومدير التحرير بصحيفة الرياض، لـ"إرم الاقتصادية"، إن "السعودية تنتهج نهجا واضحا في تعزيز مصادر الطاقة النظيفة وفق رؤيتها القائمة على تقليل الانبعاثات الكربونية، وهو ما عكسه تأسيس شركة للهيدروجين ضمن مشروع نيوم شمال المملكة، وقد باشرت عملية التصدير وجرى تصدير أول شحنة إلى اليابان".
وأضاف أن "المملكة كما هي بنك للطاقة النفطية على الصعيد العالمي اليوم، ستكون أيضا بنكا للطاقة النظيفة عالميا، ويعزز هذا التوجه ما تحظى به مشروعات الطاقة النظيفة من اهتمام كبير من قبل ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، ومبادراته في هذا الصدد".
وعن التوقعات المستقبلية للسوق العالمي للهيدروجين وحصة المنطقة منه، أكدت داليا سمير، العضو المنتدب بشركة "هيدروجين مصر"، لـ"إرم الاقتصادية"، أن التوقعات تحمل أرقاما مبشرة، خاصة لدول المنطقة، بالنظر إلى أهمية الهيدروجين الأخضر والآفاق الاقتصادية التي يفتحها الاستثمار فيه.
وأوضحت أنه "بالنظر إلى هدف الاتحاد الأوروبي باستيراد 10 ملايين طن هيدروجين بحلول 2030، فهذا سينتج عنه سوق بمليارات الدولارات، والخليج ومصر أحد أبرز المصدرين المتوقعين".
ولفتت داليا سمير إلى أن "مصر مثلا تستهدف الاستحواذ على حصة تبلغ 8% من إنتاج السوق العالمي من الهيدروجين وكذلك السعودية وهذا يمثل حجما كبيرا من إنتاج الهيدروجين عالميا، وبالتالي الوصول لهذه التقديرات ليس ببعيد".
وأكدت أن "طن الأمونيا الخضراء الذي سيصدر من خلاله الهيدروجين يتراوح سعره من 600 إلى ألف دولار، ولو تم تصدير مليون طن هيدروجين، فهذا يعطي مؤشرا لحجم السوق العالمي.
وتوقع تقرير حديث صادر عن شركة "ديلويت" للاستشارات، أن يعيد الهيدروجين الأخضر "رسم خريطة الطاقة والموارد العالمية بحلول عام 2030، وإنشاء سوق قيمتها 1,4 تريليون دولار سنويا بحلول العام 2050".
وبحلول 2050، من المرجح أن تكون المناطق الرئيسية المصدرة للهيدروجين الأخضر، شمال أفريقيا (110 مليارات دولار سنويا) وأميركا الشمالية (63 مليارا) وأستراليا (39 مليارا) والشرق الأوسط (20 مليارا)، بحسب التقرير ذاته التي أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
وعلى الصعيد الإقليمي، فإن السعودية تمتلك عدة مشروعات طموحة لإنتاج الهيدروجين، أبرزها مصنع نيوم للهيدروجين الأخضر، والذي يصل إجمالي استثماراته إلى 31.5 مليار ريال، ومن المتوقع أن يصبح "أكبر منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر للاستخدام التجاري في العالم".
ومن المقدر أن ينتج المصنع بشكل مبدئي 600 طنٍ متري من الهيدروجين الأخضر يومياً، بمجرد تشغيله عام 2026م، وهو ما سيقلص ما نسبته 5 ملايين طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً"، وفق بيان للمصنع.
أما بالنسبة لدولة الإمارات، فقد أكد سهيل بن محمد فرج المزروعي وزير الطاقة والبنية التحتية، في أكتوبر الماضي، أن بلاده "تسعى لأن تصبح منتجاً ومصدراً عالمياً لطاقة الهيدروجين منخفضة الكربون"، مضيفا: "نحن نمتلك الموارد الطبيعية والتكنولوجية لذلك ونستهدف إنتاج 1.4 مليون طن متري من الهيدروجين منخفض الكربون سنوياً بحلول عام 2031"، وفق ما نقلته وكالة أنباء الإمارات.
القاهرة كذلك، ليست بعيدة عن اقتحام هذا السوق العالمي، ففي 2 أغسطس الماضي، أكد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، أن "مصر اتخذت إجراءات مهمة جعلتها تحتل مكانة تنافسية في قطاع الهيدروجين الأخضر"، مشيرا إلى أن مصر تستهدف رفع نسبة إسهام الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 42% بحلول عام 2030 بدلًا من 2035.
وقال مدبولي إن مصر تمتلك البنية التحتية اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا، ونجحت في توقيع ما يزيد على 20 مذكرة تفاهم مع كبريات الشركات وتطوير نحو 10 من هذه الشراكات إلى مستوى الاتفاقيات الإطارية لتنفيذ استثمارات بقيمة نحو 83 مليار دولار، لإنتاج 15 مليون طن سنويًا من الأمونيا الخضراء والميثان الأخضر المُصنّع، وفق بيان للحكومة.