شهد الخطاب المتداول حول سوق القمح العالمية تحولاً ملحوظاً مؤخراً، رغم أنه ربما لم يلفت الانتباه على نطاق واسع. فبعد أن كانت التوقعات تشير إلى تراجع الإمدادات العالمية القابلة للتصدير في موسم 2024-2025 إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات، أصبحت الصورة الآن أقل قتامة، بفضل تحوّل في بعض المؤشرات.
لكن هذا الانفراج قد لا يدوم طويلاً، فالتوقعات الضعيفة لمحاصيل القمح المقبلة في روسيا وأوكرانيا، وهما دولتان تمثلان معاً نحو 30% من صادرات القمح العالمية، تشير إلى احتمال عودة النقص في موسم 2025-2026، وقد يكون هذه المرة أكثر حدة.
قبل شهرين فقط، توقّع تقرير لوزارة الزراعة الأميركية أن ينخفض معدل المخزون إلى الاستهلاك العالمي للقمح بين الدول المصدّرة الكبرى إلى 14.56% في موسم 2024-2025، وهو أدنى مستوى منذ 17 عاماً. لكن البيانات المحدّثة هذا الشهر رفعت النسبة إلى 15.89%، وهو ثاني أعلى مستوى في السنوات الست الماضية؛ وذلك نتيجة خفض كبير في تقديرات واردات الصين من القمح خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
رغم هذا التحسن، لا يزال المعدل دون متوسطه على المدى الطويل، والذي تجاوز 18% في نهاية العقد الماضي. وتتوقع الوزارة أن يبقى معدل المخزون إلى الاستهلاك منخفضاً لثلاث سنوات متتالية، قبل أن يبدأ في الارتفاع مجدداً مع تقدم المواسم الزراعية.
يُذكر أن نسبة 14.74% التي سجلها موسم 2020-2021 لا تزال الأدنى منذ موسم 2007-2008، ما يجعلها نقطة مرجعية مهمة عند تقييم التوقعات لموسم 2025-2026.
أشار ملحق وزارة الزراعة الأميركية في كييف الأسبوع الماضي إلى أن إنتاج أوكرانيا من القمح في موسم 2025-2026 سيبلغ 17.9 مليون طن، وهو أدنى مستوى منذ 13 عاماً، وأقل بنسبة 23% عن الموسم السابق. وقد تأثرت الزراعة بجفاف شديد خلال فترة الزراعة، إلى جانب تراجع الجدوى الاقتصادية، ما أدى إلى تقليص المساحات المزروعة.
أما روسيا، فتتوقع وكالاتها الحكومية محصولاً يتراوح بين 79.7 و82.5 مليون طن في الموسم المقبل، وهو رقم قريب من إنتاج العام الماضي.
ورغم إمكانية تحسن الوضع بفعل ظروف مناخية مواتية، فإن هذه الأرقام تستحق الانتباه، خصوصاً أن التقديرات تشير إلى أن صادرات أوكرانيا من القمح في الموسم المقبل ستنخفض إلى أقل من نصف مستوياتها القياسية. ولا تزال حركة التجارة في البحر الأسود مهددة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، ما يؤثر بشدة على صادرات أوكرانيا، ويقوّض في النهاية إنتاجها.
أما صادرات روسيا من الأغذية والأسمدة، فليست خاضعة مباشرة للعقوبات الغربية، لكن موسكو تطالب برفع القيود المفروضة على الشركات الروسية العاملة في هذا القطاع إذا كان من المتوقع أن تتعاون ضمن اتفاق للأمن البحري.
ورغم تصريحات الكرملين بأن صادرات القمح تواجه عراقيل كبيرة، فإن البيانات لا تدعم هذا الطرح، فقد حقق المصدّرون الروس مستويات قياسية من التصدير في موسمي 2022-2023 و2023-2024، مستفيدين من محاصيل استثنائية.
ورغم أن الإنتاج الروسي تراجع العام الماضي، ما سيؤدي إلى انخفاض صادرات 2024-2025 إلى أدنى مستوى لها في ثلاث سنوات، إلا أن نسبة ما يتم تصديره من المحصول ستبقى مرتفعة، بفضل انخفاض أسعار الحبوب الروسية مقارنة بالمنافسين.
وتجدر الإشارة إلى أن مفاوضات واعدة لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا كانت جارية يوم الثلاثاء، إلا أن أي اتفاق محتمل لن يكون له تأثير ملموس على محاصيل موسم 2025-2026، لأن معظم هذه المحاصيل قد زُرعت بالفعل.
في الولايات المتحدة، من المتوقع أن تتراجع المساحات المزروعة بالقمح في موسم 2025-2026 بنسبة 1.6%، لتسجّل أدنى مستوى منذ 55 عاماً بالنسبة للقمح الربيعي الغني بالبروتين. وكان وضع القمح الشتوي الأميركي هذا الأسبوع أسوأ قليلاً من العام الماضي.
أما في الأرجنتين، فقد تصل محاصيل القمح إلى مستوى قياسي إذا تم تمديد خفض الضرائب على الصادرات إلى ما بعد يونيو، ما يعزز جاذبية زراعة هذه الحبوب. ويخطط المزارعون في كندا لزيادة المساحات المزروعة بالقمح، بينما قد تؤدي موجة الجفاف في بعض مناطق أستراليا إلى تقليص المحصول المقبل بنسبة 16% مقارنة بالعام الماضي. وفي الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن يرتفع مردود القمح الطري بنسبة 8%.
وتجدر الإشارة إلى أن كلاً من الأرجنتين وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تمثل مجتمعة نحو 54% من صادرات القمح العالمية، ما يجعل توقعات وزارة الزراعة الأميركية في 12 مايو المقبل محط أنظار الأسواق العالمية.