وسط تلميحات حكومية، يترقب المصريون موجة ثانية من ارتفاع أسعار خدمات الاتصالات قبل نهاية العام مع حديث عن ضغوط اقتصادية على الشركات جراء ارتفاع تكاليف التشغيل.
والإثنين الماضي، قال رئيس جهاز تنظيم الاتصالات المصري محمد شمروخ، إنه جار العمل على دراسة زيادة أسعار خدمات الاتصالات خلال الفترة القادمة، بحسب ما نقله إعلام محلي، ستكون الثانية خلال العام الجاري حال إقرارها.
تصريحات شمروخ بشأن الزيادات الجديدة جاءت على هامش مؤتمر صحفي للإعلان عن جمع 675 مليون دولار من بيع تراخيص شبكات الجيل الخامس لشركات الاتصالات العاملة في مصر، والتي تشمل فودافون، وأورانج، وإي آند مصر، والمصرية للاتصالات.
وخلال حديثه، قال شمروخ، إن دراسة رفع الأسعار جاء بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة على شركات الاتصالات، والتي تشمل ارتفاع نفقات التشغيل الناتجة عن زيادات أسعار الطاقة وتضخم التكاليف بشكل عام، مما يستدعي ضرورة تعديل أسعار الخدمات لضمان استمرارية تقديمها بجودة مناسبة.
ولا تستطيع شركات الاتصالات العاملة في السوق المصرية رفع أسعار خدماتها دون الحصول على موافقة جهاز تنظيم الاتصالات؛ باعتباره الجهة المنوط بها أمام الشركات للحصول على الموافقات الرسمية لأي زيادة في الأسعار.
وتعد الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة أحد العوامل الرئيسة التي دفعت شركات الاتصالات للمطالبة برفع أسعار خدماتها، وفق مهندس الاتصالات محمد مراد، مشيراً، في تصريحات لـ «إرم بزنس»، إلى أن محطات الاتصالات وأبراج الشبكات تعتمد في تشغيلها على السولار والكهرباء بشكل كبير، وأي زيادة في أسعارهما تنعكس مباشرة على التكاليف التشغيلية.
وارتفع سعر السولار الذي تعتمد عليه شركات المحمول في تشغيل شبكاتها، البالغ عددها إجمالاً 34 ألفاً و641 برجاً، من 3.65 جنيه للتر عام 2017 إلى 11.50 جنيه في 25 يوليو الماضي، أي بزيادة تقترب من 4 أضعاف مقارنة مع آخر زيادة طرأت على أسعار المحمول في مصر.
وفي أغسطس الماضي، رفعت الحكومة المصرية أسعار شرائح الكهرباء للاستخدام المنزلي والتجاري للمرة الثانية بنسب تراوحت بين 15% إلى 40%، بعد أن رفعت وزارة الكهرباء الأسعار في يناير الماضي بنسب تصل إلى 26%.
وتستخدم شركات الاتصالات في مصر الكهرباء لتشغيل شبكاتها في المدن والمناطق المزدحة، بينما تستخدم السولار في الأماكن النائية والأقل كثافة سكانية.
ويشير مراد إلى أن شركات الاتصالات تواجه تحديات اقتصادية ومالية في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة وتطوير البنية التحتية الخاصة بالشبكات، خاصة مع الضغوط الناتجة عن التضخم المتزايد، مما دفع الشركات إلى إعادة تقييم تسعير خدماتها.
ووفقاً لبيانات جهاز التعبئة والإحصاء في التاسع من أكتوبر الجاري، واصل معدل التضخم في المدن المصرية ارتفاعه للشهر الثاني على التوالي ليصل إلى 26.4% خلال سبتمبر الماضي مقابل 26.2% في أغسطس، وذلك مع استمرار تأثير قرار رفع أسعار الوقود والكهرباء وأسطوانات الغاز، ووسائل النقل الذي أعلنته البلاد خلال الربع الثالث من العام الجاري.
ومنذ تحرير سعر الصرف في السادس من مارس وما صاحبه من ارتفاع في سعر الدولار، وحدوث زيادات كبيرة في أسعار الوقود والكهرباء بسبب رفع الدعم، تطالب شركات الاتصالات بإعادة تسعير خدماتها على الرغم من الزيادة التي أقرت في وقت سابق من هذا العام.
وفي فبراير الماضي، رفعت شركات الاتصالات المصرية الأربع أسعار خدماتها لأول مرة منذ عام 2017 بنسبة تتراوح ما بين 10% و17% على المكالمات والبيانات، وقالت حينها إن الزيادة جاءت بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل والتضخم، وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار من 15.70 جنيه إلى 31 جنيهاً في البنوك، قبل أن يحرر المركزي المصري سعر الصرف في مارس، ويرتفع الدولار إلى 48.5 جنيه.
وبحسب رئيس شعبة الاتصالات في الاتحاد العام للغرف التجارية إيهاب سعيد، فإن شركات الاتصالات تضخ استثمارات كبيرة لتطوير البنية التحتية لشبكاتها، وخاصة فيما يتعلق بالتحول إلى تكنولوجيا الجيل الخامس (5G).
وقال سعيد، في تصريحات لـ «إرم بزنس»، إن هذا التحول يتطلب استثمارات ضخمة، تتضمن شراء تراخيص التشغيل والتي تجاوزت أكثر من 600 مليون دولار، وإنشاء البنية التحتية، وتحديث الشبكات القائمة لتتناسب مع متطلبات التقنية الجديدة. وكل هذه الاستثمارات تتم بالدولار، مما يضع عبئاً إضافياً على الشركات في ظل ارتفاع أسعار الصرف.
ويؤكد أن الزيادة المرتقبة في الأسعار ستوفر لشركات الاتصالات سيولة مالية إضافية تسمح لها بتطوير شبكاتها والبنية التحتية اللازمة للتحول إلى الجيل الخامس. وهذا الأمر يعتبر بالغ الأهمية لضمان استمرارية تقديم خدمات اتصالات سريعة وفعالة، خاصة مع تزايد الطلب على خدمات الإنترنت في مصر.
ويتوقع رئيس شعبة الاتصالات أنه في ظل تزايد استثمارات الشركات في الجيل الخامس، أن يشهد قطاع الاتصالات تحولاً كبيراً خلال السنوات المقبلة، حيث ستساهم هذه التقنية في تعزيز سرعات الإنترنت وتوسيع نطاق التغطية، مما سيعود بالنفع على الاقتصاد ككل.
وإذا كانت زيادة الأسعار ستعود بفوائد على الشركات، إلا أنها في المقابل ستزيد العبء على المشتركين، وتزيد مخاوفهم بشأن تأثيرها على الفواتير الشهرية، وفي ضوء الزيادة السابقة التي طبقت في فبراير الماضي، قد يتساءل البعض ما إذا كانت الزيادة الثانية في نفس العام ستؤدي إلى تقليص قاعدة المشتركين أو الحد من استخدام الخدمات.
أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة الدكتور حسن الصادي، يرى أن تأثير هذه الزيادات قد يكون محدوداً على المشتركين، وقد تتراوح بين 10 إلى 15%؛ لأن خدمات الاتصالات باتت ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة اليومية.
ويقول الصادي، في تصريحات لـ «إرم بزنس»، رغم أن الزيادة في أسعار الاتصالات قد تؤثر على قدرة الأسر ذات الدخل المنخفض على تحمل الفواتير الشهرية، إلا أن الطلب على خدمات الاتصالات بشكل عام يعتبر مرناً نسبياً، إذ قد يدفع المستخدمين للتقليل من الاستهلاك، لكن من غير المرجح أن يتخلوا عن خدمات الاتصالات بشكل كامل.