تطورت أساليب تعامل الشركات مع حقوق الملكية الفكرية، فانتقلت من اعتبارها مجرد أداة لحماية الإبداعات والاختراعات والعلامات التجارية لتصبح أيضاً وسيلة يلجأ إليها أصحاب هذه الحقوق لتحقيق أهداف تجارية وعائدات مالية لهم. إذ أصبح ترخيص الملكية الفكرية استراتيجية قوية لزيادة الإيرادات، والتوسع، واكتشاف أسواق جديدة، مع الاستفادة من خاصية ذات قيمة بالغة، وهي تقليل المخاطر المتوقعة أو تصفيرها إثر الانخراط في عمل تجاري مباشر.
في هذه المقالة، سنستعرض كيف يمكن للشركات الاستفادة من ترخيص الملكية الفكرية لفتح أبواب استثمارية جديدة، مع التركيز على إجراءات ترخيص العلامات التجارية في الإمارات وتسليط الضوء على أهمية قيام الشركات بدراسة شاملة وتدقيق قانوني وتجاري في أصول الملكية الفكرية الخاصة بها لما لها من دور جوهري في إعداد استراتيجيات تراخيص فعّالة.
ترخيص الملكية الفكرية هو اتفاق قانوني تقوم بموجبه شركة (المرخص) بإعطاء الحق لشركة أخرى (المرخص لها) في استخدام أصول الملكية الفكرية الخاصة بها مثل البراءات، والعلامات التجارية، وحقوق الطبع والنشر، وذلك بمقابل مادي أو حصة من الإيرادات. يتيح ذلك للشركات استغلال أسمائها التجارية وتحقيق دخل ثابت من خلالها، دون أن تتحمل عبء التصنيع والترويج والتوزيع المباشر.
خذ على سبيل المثال الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) – الجهة المنظمة لأكبر حدث رياضي فردي في العالم. رغم أن الفيفا لا تصنع منتجات، كما أنها لا تمتلك براءات اختراع، إلا أن علاماتها التجارية تعتبر إحدى أكثر العلامات التجارية قيمة على مستوى العالم. يركز برنامج الملكية الفكرية للفيفا على حماية قيمة علاماتها التجارية وضمان تنفيذ الاتفاقيات مع الشركات الراعية والمرخص لها.
وتشير الإحصاءات إلى أنه في عام 2022 وحده، حققت الفيفا أكثر من 2.8 مليون دولار من خلال برنامج ترخيص حقوق الملكية الفكرية. وهذا يبرز مدى الفعالية التجارية والاقتصادية لترخيص العلامة التجارية، إذ تقوم الفيفا بترخيص الملكية الفكرية لعدة شركات ضمن عدة مستويات، الأمر الذي سمح لها بتحقيق إيرادات كبيرة، دون أن تضطر إلى الانخراط بالعملية الصناعية أو الإنتاجية.
تعد دولة الإمارات مركزاً رئيساً يستقطب العديد من الشركات العالمية والمحلية التي تهتم بالقيام بعقود تراخيص فيها خاصة في مجالات الترفيه، والرياضة، والأزياء. ويعود سبب ذلك إلى اقتصادها القوي، وسوقها الاستهلاكي الكبير، وقوانينها المتطورة في مجال الملكية الفكرية. إذ تهدف "خطة الإمارات الاقتصادية 50"، وهي جزء أساسي من رؤية الإمارات 2071، إلى تعزيز نمو الأعمال، وتنويع الاقتصاد، وتحسين مكانة الشركات الإماراتية على مستوى العالم. وهذا يوفر الأمان الاقتصادي لأصحاب العلامات التجارية العالمية، لما توفره دولة الإمارات من فرص لتوسيع الأسواق وترخيص الملكية الفكرية.
يلقي المرسوم الاتحادي رقم (36) لعام 2021 بشأن العلامات التجارية، وتحديداً المواد من 30 إلى 35، الضوء على إجراءات ترخيص العلامات التجارية. إذ يمكن للشركات منح تراخيص حصرية أو غير حصرية لأطراف أخرى. تقتصر التراخيص الحصرية على ترخيص العلامة التجارية لطرف واحد، بينما تسمح التراخيص غير الحصرية لعدة أطراف باستخدام العلامة التجارية.
ويعد تسجيل ترخيص استخدام العلامة التجارية لدى وزارة الاقتصاد أمراً بالغ الأهمية. إذ إن عدم قيام طرفي الترخيص بالتسجيل وفقاً للقانون، يؤدي إلى تقليل الوزن القانوني لها، وقد يواجه المرخص له صعوبة في حماية حقوقه. من هذه الامتيازات التي يحصل عليها المرخص له أن تسجيل الترخيص يكفل عدم قيام صاحب العلامة التجارية بإزالة العلامة من السجل دون موافقة المرخص له.
من المهم أيضاً ملاحظة أن تسجيل ترخيص العلامة التجارية يضمن أن حقوق كل من المرخص والمرخص له معترف بها قانونياً ومحمية داخل الدولة. كما يساعد ذلك في تجنب أي نزاعات محتملة وحماية حقوق المرخص له في حالة حدوث أي انتهاك. وإذا كان الأخير غير قادر على اتخاذ إجراءات مباشرة لضبط منتجات مقلدة، فإن عدم تسجيل الترخيص من شأنه أن يقيد بشكل كبير القدرة على اتخاذ إجراءات قانونية أو طلب تعويضات عن الأضرار التي يكفلها لها تسجيل الترخيص.
قبل الدخول في اتفاقيات ترخيص الملكية الفكرية، يوصى بشدة بإجراء تدقيق للملكية الفكرية. يساعد ذلك الشركات على تحديد وتقييم أصولها من الملكية الفكرية وضمان حمايتها. كما يمكن أن يكشف عن ثغرات في نهج ما اعتادت الشركة على اتباعه لحماية علاماتها التجارية، فمثلاً قد يخرج بنتائج عن أهمية تسجيل علامة غير مسجلة تستخدمها الشركة أو تسجيل علامة مسجلة في فئة إضافية بحسب خطة استخدام هذه العلامة، فضلاً عن أن التدقيق من شأنه أن يوفر معلومات أساسية تساعد في عملية التفاوض على شروط ترخيص أفضل.
نظراً للطبيعة المعقدة لترخيص العلامات التجارية وإجراءات تسجيلها، ينصح دائماً بالحصول على استشارة من أصحاب الاختصاص. يمكن للمختصين في مجال الملكية الفكرية ضمان أن الاتفاقات تم تسجيلها بشكل صحيح ومتوافقة مع القوانين المحلية والدولية. كما يمكن أن تساعد استشارة خبير في الملكية الفكرية على تجنب العديد من التحديات القانونية.