اجتازت مجموعة "بريكس" مرحلة جديدة، وبدأت تأخذ شكلها كقوة اقتصادية متنامية ومحركة للنمو العالمي والتجارة والاستثمار، والتي يبدو من الواضح أنها ستلعب دوراً منافساً للمؤسسات الاقتصادية الدولية خلال الفترة المقبلة، إذ بدأت ملامح النظام الاقتصادي العالمي تتبلور وتتخذ شكل التكتلات الاقتصادية العالمية، والتي يتوقع لها أن تهيمن على حركة واتجاهات العلاقات الاقتصادية الدولية؛ إضافة إلى أن محاولات مجموعة "بريكس" لتوسيع العضوية عبر ضمّ دول جديدة، منها مصر، والسعودية، والإمارات، وإيران، وإثيوبيا، تفتح البـاب واسعاً أمام جملة من المتغيرات التي من شأنها تعزيز وترسيخ مكانة المجموعة على الصعيد العالمي.
علاوة على ذلك، تمتلك المجموعة العديد من المزايا التي تمكنها من لعب دور مهم في مستقبل التحولات الاقتصادية العالمية؛ بسبب تنوع اقتصادات أعضائها، إذ تعتمد البرازيل على اقتصاد زراعي على سبيل المثال، بينما تُعدّ روسيا رائدة في مجال الطاقة، كما تشهد الهند نمواً اقتصادياً سريعاً بفضل طبقتها المتوسطة الكبيرة والمتنامية. أما الصين، فهي قوة اقتصادية وصناعية عظمى، في حين تلعب جنوب إفريقيا دوراً رئيسياً في صناعة التعدين. وبناءً على ذلك، تمنح هذه الميزات مجموعة "بريكس" ميزة تنافسية قوية، مما يجعلها قادرة على منافسة التكتلات الاقتصادية الأخرى، ويمكّنها من إحداث تغييرات جوهرية في النظام الدولي الحالي من خلال تأسيس تكتل اقتصادي دولي جديد.
وشهد اقتصاد مجموعة دول "بريكس" الكثير من التغيرات، وهو ما يتضح جلياً عند النظر إلى إجمالي قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء، والذي بلغ نحو 25.8 تريليون دولار مقارنة بنحو 11.9 تريليون دولار عام 2010، و2.7 تريليون دولار عام 2000. وتُشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة الناتج المحلي الإجمالي لدول "بريكس" إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي في تزايد مستمر خلال الفترة من 2000 إلى 2023، لدرجة أنها تفوقت للمرة الأولى على دول "مجموعة السبع" الصناعية عام 2020، إذ بلغت حصة "بريكس" نحو 31.02% من الاقتصاد العالمي مقابل 30.94% لدول "مجموعة السبع".
كما سيسهم انضمام الدول الجديدة إلى مجموعة "بريكس"، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تمتلكان صناديق سيادية كبيرة، وتعدّان من أكبر منتجي الطاقة عالمياً، في تعزيز نفوذ المجموعة على الصعيد العالمي في مجال أمن الطاقة. إضافة إلى أن هذا الانضمام سيسهم في توسيع نفوذ "بريكس" في مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا؛ مما يعزز من إجمالي الناتج المحلي للمجموعة ويعطيها دفعة قوية للتوسع الاقتصادي عالمياً. علاوة على ذلك، تلعب المجموعة دوراً مهماً في الأمن الغذائي العالمي، ولا سيما أنها تضم ثلاثة من منتجي الأغذية الرئيسيين الأربعة في العالم، إذ تعدّ روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، والبرازيل أكبر مصدر لفول الصويا وثالث أكبر مصدر للذرة، بينما تعتبر الهند أكبر مصدر للأرز. ويمثل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الزراعي للمجموعة أكثر من نصف المجموع العالمي.
على الرغم من تلك الفرص الواعدة التي يُعززها "نهم" العديد من الاقتصادات التي تهدف إلى تدشين مرحلة جديدة من التعددية الاقتصادية في النظام الدولي القائم، فإن المجموعة لا تزال تحدها مجموعة من التحديات والعقبات التي تعرقل تحقيق طموحاتها وأهداف أعضائها. فدول المجموعة لا تمتلك صوتاً مؤثراً في أقوى المؤسسات العالمية التي تشكل أساس النظام الدولي الحالي. إضافة إلى ذلك، تتفاوت مستويات التنمية الاقتصادية بين دول المجموعة، مما يفاقم التحديات المتعلقة بالموارد المتاحة والاتجاهات الديموغرافية المختلفة بينها. كما تواجه مؤسسات التمويل التابعة لمجموعة "بريكس"، مثل بنك "التنمية الجديد" الذي أُسِّسَ عام 2014 برأسمال يقدر بنحو 50 مليار دولار، العديد من الضغوط من الدول الغربية التي تسعى إلى المحافظة على هيمنتها على الاقتصاد العالمي عبر المؤسسات الاقتصادية والمالية التي تسيطر عليها. وتأتي هذه الضغوط في ظل منافسة مؤسسات مجموعة "بريكس" في مجال تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة.
خلاصة القول، إنه رغم التحديات التي تواجهها مجموعة "بريكس"، فإن المجموعة حققت نجاحاً ملحوظاً في توسيع عضويتها لتشمل دولاً ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية متزايدة في نطاقاتها الإقليمية، إذ من المتوقع أن يُعزز هذا التوسع من ثقل المجموعة في المناقشات العالمية، ويُشكل علامة فارقة في النظام الدولي المستقبلي. ولا تقتصر أهداف مجموعة "بريكس" على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، بل إنها تسعى إلى إنشاء بنية تحتية مالية جديدة تقلل من الاعتماد على الدولار الأميركي، وتعزيز التعاون فيما بين الدول الأعضاء في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا.
يذكر أن مجموعة "بريكس" التي تشمل في عضويتها كلاً من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، انضمت إليها خمس دول أخرى مطلع 2024، وهي: مصــر، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيران، وإثيوبيا، وهي تُعد واحدة من أهم التجمعات الاقتصادية الكبرى في العالم، إذ تُشكل مجتمعة 30% من الاقتصاد العالمي، وأكثر من 45% مــن سكان العالم، ما دفع البعض إلى اعتبارها النواة لإحداث التوازن في المشهد الاقتصادي العالمي.