شهدت الأسواق المالية تحركات كبيرة منذ إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، حيث تميزت بوضوح ظاهرة ما يُعرف بـ«تداولات ترامب».
هذا المصطلح يصف ردود فعل الأسواق المالية تجاه سياسات الرئيس الجديد من خلال تصريحاته الحالية والسابقة، خصوصاً مع حالة من التفاؤل تجاه أسواق الأسهم مقابل أداء أقل إيجابية في سوق السندات.
هذا السلوك يعكس توقعات المستثمرين حول السياسات الاقتصادية التي قد يتبناها الرئيس المنتخب وتأثيرها المحتمل على مختلف قطاعات الاقتصاد.
في أعقاب الانتخابات، سجلت الأسواق الأميركية أفضل يوم تداول للأسهم خلال العامين الماضيين، إذ ارتفعت المؤشرات الرئيسة بشكل حاد مع تزايد الثقة في تحقيق مكاسب للشركات الأميركية المُدرجة على المدى القريب. لكن مع مرور الأيام، ظهرت بعض التراجعات الطفيفة، حيث بدأ المستثمرون في تحليل الأمور بشكل أكثر حذراً، منتظرين اتضاح الرؤية حول ما إذا كان ترامب سينفذ بالفعل السياسات الاقتصادية التي تحدث عنها خلال حملته.
لماذا هناك تباين في ردود الأفعال بين الأسهم والسندات؟ يُعزى هذا التباين بين ردود فعل سوق الأسهم وسوق السندات تجاه فوز ترامب إلى تباين التوقعات حول تأثير سياساته على هذين السوقين.
يُنظر إلى سياسات ترامب بشكل إيجابي بالنسبة إلى سوق الأسهم، نظراً لوعوده بتخفيض الضرائب، وهو ما من شأنه تعزيز أرباح الشركات وزيادة قيمتها السوقية. هذا الأمر يعزز من جاذبية الأسهم لدى المستثمرين ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
أما بالنسبة إلى سوق السندات، فالوضع أكثر تعقيداً، حيث إن توجه ترامب المحتمل لفرض رسوم جمركية عالية على الواردات قد يؤدي إلى تضخم الأسعار، وهو ما قد يحد من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة.
ومن هنا، تتأثر أسعار السندات سلباً، حيث تنخفض قيمتها، بينما ترتفع العوائد على السندات مما يؤثر على حملة السندات الحاليين.
في السياق ذاته، لم تكن هناك ردود فعل كبيرة في الأسواق بعد قرار «الفيدرالي» خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، حيث كان هذا القرار متوقعاً بشكل كبير من قبل المستثمرين.
ومع الوضع السياسي الحالي وتغير الإدارة الأميركية، يبدو أن «الاحتياطي الفيدرالي» يحافظ على الحذر، مع تجنب التطرق إلى أي إشارات واضحة حول توجهاته المستقبلية لحين بدء مرحلة الانتقال بين الإدارتين.
رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، أظهر توازناً واضحاً في تصريحاته في المؤتمر الصحفي بعد خفض الفائدة، حيث تجنب التصريحات المباشرة حول توقعاته لأي تأثير محتمل لرئاسة ترامب على السياسة النقدية.
هذا الحذر من جانب باول يعكس رغبة «الفيدرالي» في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي دون إرسال إشارات قد تزيد من تقلبات الأسواق في ظل الوضع السياسي المتغير.
ولكن رغم غياب التصريحات المباشرة من رئيس «الفيدرالي» حول تأثير رئاسة ترامب على الاقتصاد، فإن المراقبين يتوقعون أن تواجه المؤسسة المالية الأمريكية تحديات جديدة.
فقد أشار باول بوضوح إلى رفضه الاستقالة إذا طلب ترامب ذلك، في خطوة نادرة تعكس تماسكاً حازماً في مواجهة أي ضغوط سياسية. هذا لا يلغي التحدي الذي سيواجهه «الفيدرالي» في إدارة السياسة النقدية في ظل رئاسة ترامب، حيث إن أي توجه نحو تنفيذ رسوم جمركية عالية سيؤدي إلى تضخم الأسعار، مما يضع «الفيدرالي» في موقف معقد بين الحفاظ على استقرار الأسعار ودعم النمو الاقتصادي.
كما أن التخفيضات الضريبية المقترحة من قبل ترامب قد تعزز من النشاط الاقتصادي على المدى القصير، لكنها قد ترفع من الدين العام على المدى الطويل.
مع تولي الإدارة الجديدة مهامها، تعيش الأسواق حالة من الترقب والحذر تجاه التوجهات الاقتصادية المحتملة التي قد تؤثر على الاقتصاد الأميركي والعالمي. فالتصريحات التي أطلقها الرئيس المنتخب خلال حملته، بما في ذلك وعوده بتخفيض الضرائب وفرض رسوم جمركية على الواردات، أثارت توقعات متباينة بين المستثمرين. إذ من المتوقع أن يؤدي تخفيض الضرائب إلى تعزيز النشاط الاقتصادي وزيادة أرباح الشركات، مما يُعد إيجابياً لسوق الأسهم.
ولكن في المقابل، قد تؤدي السياسات الحمائية، مثل فرض الرسوم الجمركية، إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، مما قد يُشكل ضغطاً على الإنفاق الاستهلاكي ويؤثر سلباً على بعض القطاعات. كما أن هذا التوجه قد يُثير مخاوف حول علاقات التجارة الدولية ويؤدي إلى ردود فعل من الدول الشريكة.
وفي ظل هذه المعطيات، تظل الأسواق في حالة انتظار للتفاصيل الدقيقة حول السياسات الاقتصادية التي ستتبعها الإدارة الجديدة. كما يعتمد المستثمرون على الإشارات القادمة من الحكومة حول كيفية التعامل مع التحديات الاقتصادية المتوقعة، وما إذا كانت السياسات الجديدة ستؤدي إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي أم أنها قد تُحدث تقلبات جديدة في السوق.