في خطوة تهدد استقرار الاقتصاد العالمي، أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جولة جديدة من الرسوم الجمركية المرتفعة على أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وهم الصين والمكسيك وكندا.
هذه الإجراءات التصعيدية، التي دخلت حيز التنفيذ يوم الثلاثاء، أثارت ردود فعل غاضبة من الدول المتضررة، ما ينذر بموجة جديدة من التوترات التجارية التي قد تعصف بالأسواق، وتؤثر في تدفقات الاستثمار والتجارة العالمية.
لم تتأخر كندا في الرد على قرارات ترامب، إذ أعلن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، عن فرض رسوم جمركية انتقامية بنسبة 25% على سلع أمريكية بقيمة 20 مليار دولار، مع نية توسيع هذه الرسوم لتشمل بضائع بقيمة 85 مليار دولار إضافية خلال الأسابيع الثلاثة القادمة.
كما أشار ترودو إلى أن كندا تمتلك معادن أساسية ومكونات لا غنى عنها للاقتصاد الأميركي، محذرًا من أن هذه الحرب التجارية ستلحق الضرر بكلا الطرفين.
أما المكسيك، فقد ردت بلهجة حازمة، إذ وصفت الرئيسة كلوديا شينباوم تصريحات ترامب حول تعاون الحكومة المكسيكية مع عصابات المخدرات بأنها «افتراءات».
وأكدت أن المكسيك ستتخذ إجراءات جمركية وغير جمركية لحماية مصالحها الاقتصادية، مشيرة إلى ضرورة التعاون المشترك لمعالجة أزمة تهريب المخدرات بدلاً من إلقاء اللوم على طرف واحد.
من جهتها، أعلنت وزارة التجارة الصينية أنها سترفع دعوى ضد الولايات المتحدة لدى منظمة التجارة العالمية، مؤكدة أنها ستتخذ «إجراءات مضادة لحماية حقوقها ومصالحها بحزم».
رغم أن الصين لم تكشف عن طبيعة هذه الإجراءات، بيد أن التصعيد الحالي يعيد إلى الأذهان الحرب التجارية السابقة التي تسببت في اضطرابات واسعة في الأسواق، وأثرت في سلاسل التوريد العالمية.
تُعد هذه الخطوة امتدادًا للسياسات الحمائية التي انتهجها ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى، إذ فرضت الولايات المتحدة في عام 2018 تعريفات جمركية مماثلة أدت إلى توتر العلاقات التجارية مع شركائها.
ومع ذلك، فإن الوضع الحالي يبدو أكثر تعقيدًا بسبب المتغيرات الاقتصادية الجديدة، مثل التضخم العالمي، والتباطؤ الاقتصادي في الصين، والتوترات الجيوسياسية المتزايدة.
1. تأثير في التضخم والأسعار
من المتوقع أن تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة من كندا والمكسيك والصين، ما قد يزيد معدلات التضخم في الولايات المتحدة، خصوصًا في القطاعات التي تعتمد على هذه الواردات، مثل صناعة السيارات والمنتجات الاستهلاكية والتكنولوجيا.
وفي كندا، دعا ترودو المواطنين إلى دعم المنتجات المحلية بدلًا من شراء السلع الأميركية، في خطوة تهدف إلى تقليل التأثيرات السلبية على الاقتصاد الكندي.
2. ضرب سلاسل التوريد العالمية
تمثل كندا والمكسيك والصين أكثر من 40% من إجمالي الواردات الأميركية، إذ توفر هذه الدول سلعاً أساسية مثل الصلب، والإلكترونيات، والأخشاب، والمركبات، والأدوية.
وقد يؤدي فرض الرسوم إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، ما يخلق ضغوطًا على الشركات الأميركية، ويؤدي إلى احتمالية فقدان وظائف في قطاعات التصنيع والتجارة.
3. تأثير سوق الطاقة
شملت الرسوم الجمركية الجديدة ضريبة بنسبة 10% على واردات النفط الكندي، ما قد يؤدي إلى ارتفاع طفيف في أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة، خاصة في منطقة الغرب الأوسط، حيث تعتمد المصافي بشكل كبير على النفط الكندي المكرر.
على الصعيد السياسي، تواجه إدارة ترامب ضغوطًا داخلية، إذ انتقد العديد من أعضاء الكونغرس، بمن فيهم الديمقراطيون والجمهوريون المعتدلون، هذه الإجراءات، وقد حذروا من أنها قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة.
كما أعربت بعض الولايات المتضررة، مثل كنتاكي وتينيسي وفلوريدا، عن قلقها إزاء الضرر الذي قد يلحق بصناعاتها، خاصة تلك المتعلقة بالزراعة والمشروبات الكحولية.
يبقى السؤال المطروح هل يمكن أن تؤدي هذه الحرب التجارية إلى مفاوضات جديدة، أم أنها مقدمة لمزيد من التوترات الاقتصادية العالمية؟.
تشير التجارب السابقة إلى أن مثل هذه السياسات الحمائية تؤدي غالبًا إلى مفاوضات لاحقة، لكن مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، يبدو أن مسار المواجهة ما زال هو الأقرب في المرحلة الحالية.
ستتحدد ملامح هذه المواجهة بناءً على قدرة الأطراف على التفاوض وإيجاد حلول وسط.
ولكن في ظل الوضع الحالي، تبدو الأسواق العالمية مقبلة على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الاقتصادي، وهو أمر قد يدفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة لتجنب مخاطر التقلبات التجارية المقبلة.