الرسوم الجمركية التي هدد الرئيس ترامب بفرضها قد تعصف بأكبر شراكة اقتصادية في العالم، حيث يشكل كل من البلدين أكثر من 60% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في اقتصاد الآخر.
ويستعد القادة الأوروبيون لمواجهة تجارية محتملة مع الإدارة الأميركية، مؤكدين تفضيلهم التعاون، لكنهم يلمحون إلى استعدادهم للرد إذا لزم الأمر.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلن ترامب فرض رسوم على كندا والمكسيك قبل أن يوافق لاحقاً على تعليقها لمدة شهر.
كما أشار إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يكون الهدف التالي، متهماً التكتل باستغلال الاقتصاد الأميركي، وقال: «هذا سيحدث بالتأكيد مع الاتحاد الأوروبي، لقد استغلونا بالفعل».
ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، الاثنين، لبحث الإنفاق العسكري، وهو ملف مثير للجدل بالنسبة لترامب، مع تقليلهم من أهمية أي ردود انتقامية فورية.
بدوره، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «إذا تعرضنا لهجوم تجاري، فيجب على أوروبا، كقوة دائمة، أن تحظى بالاحترام وترد بالمثل».
يعدّ التبادل التجاري والاستثماري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأكبر والأكثر تعقيداً في العالم، وفقاً لمكتب الممثل التجاري الأميركي.
وجدد ترامب انتقاده للفائض التجاري للاتحاد الأوروبي، مدعياً أنه يتجاوز 300 مليار دولار.
وتشير بيانات مكتب الإحصاء الأميركي إلى أن العجز التجاري السلعي مع الاتحاد الأوروبي بلغ 214 مليار دولار في عام 2023، في حين بلغت قيمة الصادرات الأميركية إلى التكتل 342 مليار دولار.
وفي حين انتقد ترامب السياسات التجارية الأوروبية، سجّلت الصادرات الأميركية من الخدمات فائضاً بلغ 77 مليار دولار العام الماضي، بإجمالي 262 مليار دولار، وفقاً لوزارة التجارة الأميركية.
ومع ذلك، فإن حجم الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين يفوق بكثير أرقام التجارة، حيث يمثل كل منهما أكثر من 60% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في اقتصاد الآخر.
وبلغت مبيعات الشركات الأميركية في أوروبا أكثر من 3.8 تريليون دولار في عام 2022، أي أكثر من 4 أضعاف قيمة الصادرات الأميركية، بينما سجلت الشركات الأوروبية أرقاماً مماثلة في الولايات المتحدة، بحسب «غرفة التجارة الأميركية لدى الاتحاد الأوروبي» (AmChamEU).
تأتي ضغوط ترامب المتجددة على التجارة في وقت يعاني فيه الاتحاد الأوروبي من عدم استقرار سياسي وتباطؤ اقتصادي، إذ سجل نمواً بنسبة 0.8% فقط في عام 2023، مقارنة بـ2.8% في الولايات المتحدة، وفقاً لتقديرات أولية.
وحذّرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس قائلة: «لا يوجد فائزون في الحروب التجارية. إذا بدأت الولايات المتحدة حرباً تجارية مع أوروبا، فإن المستفيد الوحيد سيكون الصين».
وأعد المسؤولون الأوروبيون خططاً للرد على الرسوم الجمركية المحتملة، بما في ذلك فرض ضرائب تستهدف ولايات أميركية ذات أهمية سياسية.
وقد يشبه هذا النهج رد كندا السابق، وكذلك رد الاتحاد الأوروبي على رسوم ترامب على الصلب والألمنيوم خلال ولايته الأولى.
كما كثّف الاتحاد الأوروبي محادثاته مع كندا والمكسيك، اللتين تربطهما اتفاقيات تجارية مع التكتل.
فيما يفضّل رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو، التفاوض على التصعيد، قائلاً: «لن أبدأ حرباً، أريد بدء مفاوضات».
واقترح قادة الاتحاد الأوروبي زيادة وارداتهم من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، إلى جانب تعزيز مشترياتهم العسكرية كحوافز محتملة.
ولا تقتصر إحباطات ترامب تجاه أوروبا على التجارة، إذ وجه انتقادات متكررة لأعضاء الناتو الأوروبيين؛ بسبب عدم تحقيقهم أهداف الإنفاق الدفاعي.
ورغم أن الدول الأوروبية في الحلف وصلت بشكل جماعي إلى هدف إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، إلا أن ترامب رفع سقف توقعاته إلى 5%، وهو مستوى يصعب على العديد من دول الاتحاد الأوروبي تحقيقه.
إلى جانب ذلك، أعاد ترامب إحياء اهتمامه بشراء الولايات المتحدة لجزيرة غرينلاند، وهو مقترح رفضته الدنمارك مراراً.
وأكدت رئيسة الوزراء الدنماركية مته فريدريكسن، أن غرينلاند ليست للبيع، وقالت: «إذا كان الأمر يتعلق بتأمين منطقتنا، يمكننا إيجاد طريق للمضي قدماً. لكن بالطبع، إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً صارمة على أوروبا، فسنحتاج إلى رد جماعي وحازم».