تواجه صناعة السلع الفاخرة في أوروبا تحديات كبيرة وسط تراجع ثقة المستهلكين الصينيين، الذين يعدون من أبرز المشترين لهذه المنتجات. فقد أدت التغيرات السلبية في سوق العقارات الصيني إلى تراجع الإنفاق على السلع الفاخرة، وهو ما بدأ يظهر جلياً في نتائج الشركات الأوروبية.
في يوم الثلاثاء الماضي، شهدت أسهم الشركات الفاخرة تراجعاً ملحوظاً في الأسواق، رغم بعض الانتعاش المؤقت الذي شهدته بعد إعلان تحفيزات أولية من بكين. لكن تلك التحفيزات لم تكن كافية لرفع حالة عدم اليقين التي تسيطر على القطاع، مما يثير القلق بين المستثمرين والمحللين.
وفقاً لتقرير من صحيفة «وول ستريت جورنال»، تسعى الصين جاهدة لإنعاش سوق العقارات من خلال خفض معدلات الفائدة على القروض العقارية وتقليل متطلبات الدفعة الأولى للمنازل الثانية. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت حزمة من القروض المقدمة للوسطاء وشركات التأمين في إحداث بعض الانتعاش المؤقت في سوق الأسهم الصينية.
ومع ذلك، فإن الإنفاق على السلع الفاخرة لا يزال مرتبطاً بشكل وثيق بقيم العقارات، حيث شكلت العقارات نحو 60% من صافي الثروة الأسرية في الصين قبل أن تبلغ الأسعار ذروتها في عام 2021. وقدر بنك «باركليز» أن انخفاض قيمة المنازل قد أدى إلى خسائر تقارب 18 تريليون دولار من ثروة الأسر، أي ما يعادل حوالي 60,000 دولار لكل أسرة.
وفي ظل المخاوف بشأن الاقتصاد الأوسع، سجّلت مبيعات التجزئة في الصين ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 2.1% فقط في أغسطس مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وفقاً للبيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء في البلاد. ومن المتوقع أن تعلن شركات السلع الفاخرة الأوروبية عن تراجع في الطلب الصيني في نتائج الربع الثالث المقبلة، مما قد يؤثر على صناعة تعتمد بشكل كبير على المستهلكين الصينيين الذين يمثلون نحو ثلث الإنفاق العالمي على السلع الفاخرة.
التقرير أوضح أيضاً أن هذا التراجع المتوقع يأتي في وقت تسعى فيه شركات السلع الفاخرة الأوروبية للتعافي من تداعيات جائحة كورونا. إلا أن التوقعات تشير إلى انخفاض مبيعات السلع الفاخرة للمستهلكين الصينيين بنسبة 7% في عام 2024، مع انخفاض إضافي بنسبة 3% في العام التالي، وفقاً لتقديرات بنك «يو بي إس» السويسري. ومع ارتفاع التكاليف الثابتة للعلامات الفاخرة، بما في ذلك إيجارات المتاجر الباهظة، فإن تراجع الإنفاق من قبل هذا القطاع الأساسي من المستهلكين قد يؤثر بشكل كبير على هوامش الأرباح.
تعيد هذه الحالة الحالية إلى الأذهان فترة الركود التي شهدها سوق السلع الفاخرة بين عامي 2014 و2016، عندما أطلقت الصين حملة مكافحة الفساد، مستهدفة الذين كانوا يقدمون حقائب «لويس فويتون» وساعات «رولكس» مقابل خدمات سياسية، مما أدى إلى تقليص استهلاك هذه السلع. كما أن تراجع الاهتمام بالعلامات التجارية لدى المستهلكين في الأسواق الأخرى لم يسهم في تعزيز الطلب على السلع الفاخرة آنذاك.
تبدو أسهم السلع الفاخرة في أوروبا مرتفعة التكلفة اليوم مقارنةً بتلك الفترة، مما يضع الشركات الفاخرة الأوروبية أمام تحدٍّ لتبرير التقييمات العالية لأسهمها، والتي تتداول حالياً بزيادة تبلغ 40% عن متوسطها بين عامي 2014 و2016، في ظل غياب دعم قوي من التحفيزات الاقتصادية الصينية.
لتحقيق التبرير لهذه الأسعار المرتفعة، أكد التقرير أهمية أن تسهم الحوافز الاقتصادية والسياسات السكنية في بكين في دعم الطلب على السلع الفاخرة بشكل غير مباشر. لكن يبدو أن التدابير المتخذة حتى الآن قد لا تكون كافية لوقف تراجع أسعار العقارات.
بحسب تقديرات «بلومبرغ إيكونوميكس»، فإن سوق الإسكان في الصين يعاني من فائض في العرض يصل إلى نحو 60 مليون وحدة. ومن المتوقع إطلاق حوافز جديدة لتحفيز الاستهلاك قريباً، لكنها ستستهدف على الأرجح السلع واسعة الانتشار مثل الأجهزة المنزلية. وكانت الصين قد قدمت إعانات لتبديل الأجهزة المنزلية هذا العام، بالإضافة إلى مجموعة من قسائم الاستهلاك، إلا أن هذه التدابير لا تقدم فائدة كبيرة لبائعي السلع الفاخرة باهظة الثمن.
ويعتمد انتعاش الإنفاق على السلع الفاخرة على عودة الثقة المالية لدى المستهلكين الصينيين الأثرياء، الذين ينفقون عادةً ما بين 7,000 و43,000 دولار سنوياً على السلع الفاخرة. وقد أشار تقرير صادر عن مجموعة «بوسطن الاستشارية» إلى أن إنفاق هذه الفئة انخفض بنسبة 17% حتى الآن هذا العام مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2023.
ويضيف فائض العرض الهائل في سوق العقارات الصينية، المقدر بنحو 60 مليون وحدة سكنية، المزيد من التحديات، مما يشكل عبئاً كبيراً على الحكومة الصينية ويؤثر بشكل غير مباشر على العلامات الفاخرة.
وبينما تركز السلطات الصينية على استقرار الاقتصاد، أكد التقرير أن حظوظ الشركات الفاخرة الأوروبية قد تكون مرتبطة بشكل وثيق بجهود التعافي الاقتصادي في الصين.