بينما تسير المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو تحقيق رؤيتها الطموحة لعام 2030، يؤدي النمو السكاني دوراً محورياً في تحفيز الطلب على العقارات السكنية.
ومع توقعات بتسجيل معدلات نمو سكانية عالية وارتفاع تدفقات المواطنين والوافدين نحو المراكز الحضرية الكبرى، بات سوق العقارات السعودي أمام مرحلة جديدة مليئة بالفرص والتحديات.
يتوقع تقرير حديث صادر عن وكالة «ستاندرد آند بورز» في 11 نوفمبر الجاري، نموّاً ملحوظاً في سوق العقارات السعودي مدفوعاً بتركيبة سكانية شابة يبلغ تعدادها أكثر من 30 مليون نسمة، مدفوعاً بنمو سكاني سنوي يقدر بـ3.3% خلال الفترة من 2024 إلى 2027.
ويشكّل من تقلّ أعمارهم عن 20 عاماً نحو 45% من المواطنين السعوديين، وفقاً لتقرير آخر صدر قبل أسبوعين من شركة «نايت فرانك» العالمية المتخصصة في الاستشارات العقارية.
وتمثل هذه الفئة العمرية المحرك الأساسي للطلب على المساكن، الأمر الذي يعزز الحاجة إلى تسريع وتيرة التطوير العقاري لتلبية توقعات الطلب المتزايد.
إلى جانب ذلك، تظهر تقديرات البنك الدولي أن عدد سكان السعودية نما بمعدل 1.8% سنوياً بين 2010 و2022، مقارنة بمعدل عالمي يبلغ 1.1%. ويفرض هذا النمو المرتفع ضغوطاً متزايدة على سوق الإسكان، خاصة في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة.
ويتوقع تقرير «ستاندرد آند بورز» استحواذ مدينتي الرياض وجدة على النصيب الأكبر من الطلب السكني، وإضافة نحو 16 ألف وحدة سكنية جديدة في هاتين المدينتين خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وتُعزى هذه الزيادة، وفق الوكالة الدولية، إلى المشاريع الإسكانية الكبرى التي تديرها الشركة الوطنية للإسكان، التي تأسست في عام 2016، وتعد الذراع الاستثمارية لوزارة البلديات والإسكان.
وتخطط الوطنية للإسكان لبناء 200 ألف وحدة سكنية بحلول نهاية 2025، مع إمكانية رفع هذا العدد إلى 300 ألف وحدة، كما تساهم مشاريع كبرى مثل «المربع الجديد» و«روشن» في سد الفجوة السكنية، مع تطوير مليون وحدة سكنية جديدة في مراحل مختلفة من التنفيذ، ويتوقع أن يكتمل العمل عليها بحلول 2030، وفق «نايت فرانك».
ولا يعزز النمو السكاني الطلب على العقارات في المدن الكبرى فقط، ولكن أيضاً في المدن الصغيرة التي بدأت تشهد اهتماماً متزايداً من المستثمرين، وفق حديث الخبير العقاري مطر الشمري مع «إرم بزنس»، هذا التحول يمكن أن يخلق فرصاً استثمارية جديدة، ويخفف الضغط عن المدن الكبيرة.
ومع ذلك، يعتقد الشمري، أن زيادة الطلب دون مواكبة المعروض قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مستدام، ما يضر بالفئات ذات الدخل المحدود، لذا فإن السياسات الحكومية وبرامج الإسكان مثل مبادرة الإسكان التنموي تؤدي دوراً حيوياً في تحقيق التوازن.
وإلى جانب توقعات الزيادة السكنية، يؤدي أيضاً برنامج جذب المقرات الإقليمية إلى المملكة دوراً في انتعاش الطلب على العقارات السكنية والإدارية، لا سيما في العاصمة الرياض، إذ إنه بحسب «نايت فرانك» افتتحت الشركات الأجنبية 517 مقراً إقليمياً لها في المملكة، ليتجاوز بذلك مستهدفات رؤية 2030، والبالغ 480 مقراً.
وينعكس ذلك على زيادة الطلب على القطاع السكني والإداري، إذ ارتفعت إيجارات المكاتب في مدينة الرياض بنسبة 31% خلال 12 شهراً، ما يجعل هذا الزخم العمراني في العاصمة نموذجاً للتحول الحضري الذي تشهده المملكة، وفقاً لـ«نايت فرانك».
وباعتقاد الشمري، فإن الدعم السكني الذي تقدمه الحكومة كان ولا يزال عنصراً رئيساً في تعزيز النشاط العقاري إلى جانب النمو السكاني، إذ تظهر بيانات البنك المركزي السعودي «ساما» أن إجمالي القروض العقارية المقدمة من المصارف التجارية قد ارتفع إلى 814.64 مليار ريال (216.97 مليار دولار) مع نهاية الربع الثاني من عام 2024، مقارنة بـ 88.46 مليار ريال (23.56 مليار دولار) في نهاية الربع الأول من العام ذاته.
كما تكشف البيانات أيضاً أن حجم القروض المقدمة للأفراد بلغ 639.52 مليار ريال (170.33 مليار دولار) بنهاية الربع الثاني، مقارنة بـ 625.24 مليار ريال (166.52 مليار دولار) بنهاية الربع الأول.
أما القروض العقارية المخصصة للشركات، فقد سجلت 175.11 مليار ريال (46.64 مليار دولار) بنهاية الربع الثاني، مقابل 175.22 مليار ريال (46.67 مليار دولار) في نهاية الربع الأول من عام 2024، بحسب بيانات «ساما».
الخبير العقاري يؤكد أن هذا التمويل العقاري يتيح الفرصة أمام العديد من المواطنين لتملك وحدات سكنية، وهو ما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 لزيادة نسبة تملك المساكن من 63.7% في نهاية 2023 إلى 70% بحلول عام 2030.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذا الزخم والنمو، يحتاج القطاع العقاري إلى مواجهة التحديات المرتبطة بنقص المعروض السكني وضمان استدامة التمويل العقاري، وفق الخبير العقاري مطر الشمري.
ويعدُّ الشمري نقص المعروض السكني، خاصة في المناطق الحضرية الكبرى من أكثر التحديات التي تواجه السوق العقاري السعودي، لافتاً إلى ضرورة تسريع وتيرة التطوير العقاري التي أصبحت ملحة لتلبية الطلب المتزايد وضمان تحقيق الأهداف الحكومية.
ويرى الخبير العقاري، أن النمو السكاني في السعودية يمثل فرصة ذهبية لقطاع العقارات، لكنه أيضاً يضع المطورين أمام تحديات كبيرة، لا سيما في الرياض، إذ تحتاج وحدها إلى آلاف الوحدات الجديدة سنوياً لتلبية الطلب الناتج عن الهجرة الداخلية وزيادة عدد السكان.
ويشير إلى أن المشكلة ليست فقط في توفير العدد الكافي من الوحدات، بل في توفيرها بأسعار مناسبة لشريحة الشباب التي تمثل النسبة الأكبر من السكان، مشدداً على أهمية الحاجة إلى توازن بين الطلب المتزايد والقدرة الشرائية لضمان استدامة السوق.
وتمثل هذه التحديات أيضاً فرصاً واعدة للمطورين العقاريين المحليين والدوليين، إذ نقلت «بلومبرغ» عن كريستوفر باين، الشريك وكبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «نايت فرانك»، أن السوق السعودية توفر إمكانيات كبيرة للنمو والتوسع، خاصة في ظل الدعم الحكومي المستمر للمشاريع الإسكانية.
إلى ذلك، تمثل رؤية المملكة 2030 إطاراً إستراتيجياً لدعم سوق العقارات، إذ تهدف إلى تحويل المدن السعودية إلى مراكز جذب سكانية واقتصادية، وفق الخبير الاقتصادي محمد الأمين، مشيراً إلى أن المشاريع الكبرى مثل مشروع «نيوم» و«القدية» ومشاريع الإسكان الضخمة تسهم في تعزيز البنية التحتية السكنية، ما يخلق بيئة مواتية للنمو السكاني والعقاري معاً.
ويؤكد الخبير الاقتصادي في حديث لـ«إرم بزنس»، أن النمو السكاني في السعودية ليس فقط دافعاً للطلب على المساكن، بل يشكل أيضاً محركاً للتنمية الاقتصادية الشاملة.
ويوضح أن التركيبة السكانية الشابة تخلق احتياجات متزايدة للسكن، وهو ما يعزز نشاط المطورين العقاريين، ويدفع باتجاه تحقيق أهداف رؤية 2030 في زيادة نسبة التملك وتحسين جودة الحياة للمواطنين.
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن هذا النمو لا يقتصر فقط على زيادة الوحدات السكنية المطلوبة، بل يمتد ليشمل تنوع الطلب بين الفلل، والشقق، والمكاتب وحتى الوحدات المخصصة للإيجار، إذ إن المدن الكبرى مثل الرياض وجدة تواجه ضغطاً متزايداً لتلبية هذه الاحتياجات، ما يجعلها سوقاً تنافسية للمطورين العقاريين.
ومع الاستمرار في تقديم الدعم الحكومي المتمثل في برامج التمويل والمشاريع الكبرى، يتوقع الأمين أن نرى قفزات نوعية في حجم المعروض السكني خلال السنوات القادمة، ولكن التحدي يكمن في تسريع وتيرة التنفيذ لتحقيق هذه الطموحات.
ويفرض النمو السكاني على السعودية إعادة التفكير في التخطيط العمراني للمدن والبنية التحتية، إذ إنه بحسب المهندس المعماري هشام القاسم، لا يكفي بناء المزيد من الوحدات السكنية فقط، بل يجب أن يترافق ذلك مع التوسع في مشروعات البنية التحتية وتطوير المرافق والخدمات مثل شبكات الطرق والمياه والصرف، والمدارس، والمستشفيات، ووسائل النقل.
ويرى القاسم في حديثه لـ«إرم بزنس» أن يضمن هذا النهج المتكامل أن تكون المدن السعودية قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من السكان دون التأثير في جودة الحياة.
ويعدّد القاسم مزايا السوق العقاري السعودي، إذ يتمتع بإمكانات هائلة لجذب الاستثمارات الدولية، خاصة مع النمو السكاني الكبير والطلب المتزايد على المساكن.
وينبه إلى أن المستثمرين الأجانب يرون السعودية وجهةً واعدةً؛ بسبب خططها الطموحة مثل رؤية 2030 وبرامج تطوير المدن الكبرى، لكن لضمان استدامة هذا النمو، يجب تقليل الفجوة بين الطلب والعرض وتعزيز الشفافية في القطاع العقاري، وهو ما تعمل عليه بالفعل الجهات الرسمية.