بينما يواصل تطبيق "تيك توك" جذب انتباه الشباب في مصر، فإنه يواجه في الوقت ذاته تحديات متزايدة. فالتطبيق الذي شهد إقبالاً هائلاً من المستخدمين، يثير أيضاً جدلاً كبيراً حول تأثيراته السلبية المحتملة. وفي ظل الصراع بين تحقيق الأرباح ومواجهة هذه التحديات، يتساءل الكثيرون عما إذا كانت مصر ستتمكن من تنظيم استخدام هذا العملاق الرقمي أم ستستسلم لجاذبيته؟
وفقاً لموقع "براندريا" المتخصص في البيانات والإحصاءات، من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي تطبيق "تيك توك" في مصر إلى نحو 34.2 مليون مستخدم خلال العام الجاري. وتُظهر الأرقام أن أغلب المستخدمين ينتمون إلى الفئة العمرية 18-24 عاماً، مما يبرز الجاذبية الكبيرة للتطبيق بين الشباب.
هذه الزيادة تضع مصر في طليعة الدول الرائدة في استخدام "تيك توك" ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفقاً لموقع "داتا ريبورتال"، كشفت بيانات شركة (ByteDance) المالكة لتطبيق "تيك توك" أن الإعلانات الخاصة بالتطبيق وصلت إلى 34.3% من البالغين في مصر الذين تتجاوز أعمارهم 18 عاماً في بداية عام 2023. وفي الفترة نفسها، بلغ معدل وصول إعلانات "تيك توك" إلى نحو 29.4% من مستخدمي الإنترنت في البلاد، بغض النظر عن العمر. وأظهرت الإحصاءات أن 39.4% من جمهور الإعلانات كانوا من الإناث، بينما كان 60.6% من الذكور.
يبرز هذا الارتفاع الملحوظ في قاعدة مستخدمي "تيك توك" في مصر تفضيل المستخدمين للتطبيق، حيث أصبحوا يعتمدون عليه كوسيلة رئيسية للتواصل ومشاركة المحتوى.
تتعدد أسباب الدعوات لحظر "تيك توك" في مصر، حيث يرى نواب في البرلمان وخبراء أن التطبيق يشكل خطراً على الشباب بسبب المحتوى "غير اللائق" الذي ينتشر عبره بهدف تحقيق الأرباح، مما قد يؤثر سلباً على القيم الأخلاقية والثقافية. كما يعبّر هؤلاء عن قلقهم من استخدام التطبيق في نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، مما قد يهدد الأمن القومي.
يثير "تيك توك" أيضاً مخاوف تتعلق بخصوصية المستخدمين، خاصة بعد تقارير دولية أكدت أن التطبيق قد يشارك بيانات المستخدمين مع أطراف خارجية، بما في ذلك الحكومة الصينية. وقد دفعت هذه المخاوف دولاً مثل الهند والولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وبلجيكا إلى فرض قيود على التطبيق أو حظره بشكل كامل.
في ظل هذه المخاوف، بدأ البرلمان المصري مناقشة إمكانية وضع ضوابط لتنظيم استخدام "تيك توك" في البلاد. وأوضح رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، النائب أحمد بدوي، في تصريح لـ"إرم بزنس"، أن اللجنة تعمل بالتعاون مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات على وضع ضوابط جديدة لمحتوى التطبيق. يأتي ذلك في ضوء الدراسات التي أظهرت انتشاراً واسعاً للمحتوى "غير اللائق" وتأثيره السلبي على القيم والمبادئ المجتمعية.
وأكدت اللجنة على أهمية اتخاذ إجراءات قانونية فورية لمواجهة التحديات التي يثيرها "تيك توك". وشددت على ضرورة تتبع الصفحات التي تنشر محتوى زائفاً من خلال الفيديوهات أو البث المباشر، والذي يسهم في "نشر الفسق والفجور" بين الشباب على حد وصفها. كما دعت إلى التصدي للشائعات والأخبار الكاذبة التي تُبث عبر التطبيق، والتي تشكل تهديداً للأمن القومي.
وقال بدوي إن الدراسات أظهرت أن 80% من محتوى "تيك توك" لا يتماشى مع القيم والأخلاق المجتمعية. وأضاف أن هذه النسبة تستدعي اتخاذ إجراءات حازمة لحماية المجتمع والأمن القومي من الآثار السلبية لمثل هذا المحتوى.
وشدد على أن الهدف من هذه الإجراءات هو الحفاظ على القيم والمبادئ المجتمعية، وليس حظر التطبيق بالكامل كما روج البعض على وسائل التواصل الاجتماعي. وأوضح أن الجهود تنصب على تطوير آليات رقابية أكثر فعالية لضمان حذف المحتوى الضار وتقديم محتوى إيجابي وبناء.
وأضاف البرلماني المصري: "لا نرغب في حرمان الشباب من الترفيه والإبداع، ولكن يجب أن يتم ذلك ضمن إطار يحترم القيم والمبادئ التي يقوم عليها مجتمعنا. نحن حالياً بصدد دراسة الإجراءات التي يمكن اتخاذها لضمان أن يكون استخدام تيك توك في مصر آمناً ومناسباً."
كما يعتزم النائب أحمد بدوي تقديم مشروع قانون إلى البرلمان خلال دور الانعقاد المقبل، يهدف إلى تنظيم أرباح تطبيق "تيك توك" باعتبارها مصدر دخل للأفراد. ويهدف التشريع إلى إدراج هذه الأرباح تحت مظلة الأوعية الضريبية، حفاظاً على حقوق الدولة وضمان تحصيل الضرائب المستحقة.
يوفر "تيك توك" منصة مفتوحة للإبداع والتعبير عن الذات، حيث يتيح للمستخدمين إنشاء ومشاركة محتوى فيديو قصير مع العالم. وقد برز العديد من المبدعين والمؤثرين على المنصة، الذين تمكنوا من بناء جمهور واسع وتحقيق أرباح مالية عبر الإعلانات والشراكات التجارية.
ورغم أن مسألة حظر "تيك توك" في مصر لم تُحسم بعد، حيث يدرس البرلمان جوانب متعددة تتعلق بالتطبيق، بما في ذلك الناحية الأخلاقية والأمنية والاقتصادية، فإن هناك آراء متباينة بشأن الموضوع. بينما يرى البعض أن الحظر قد يكون ضرورياً لحماية المجتمع، يعتقد آخرون أن تنظيم استخدام التطبيق بشكل مناسب قد يكون حلاً أفضل.
يقول المهندس إيهاب سعيد، عضو شعبة الاتصالات بالاتحاد العام للغرف التجارية المصري: "على الرغم من أن حجب تطبيق مثل (تيك توك) قد يكون ممكناً من الناحية التقنية، فإن السؤال الأهم هو ما إذا كان ذلك سيحل المشكلة بشكل فعلي، فقد يلجأ المستخدمون إلى وسائل أخرى للوصول إلى التطبيق أو استخدام تطبيقات مشابهة."
وأضاف سعيد في تصريح لـ"إرم بزنس" أن الحل الأمثل هو وضع ضوابط ورقابة على المحتوى، إلى جانب تعزيز الوعي لدى المستخدمين، وخاصة الشباب، حول المخاطر المحتملة لاستخدام مثل هذه التطبيقات.
وأكد سعيد أن "تيك توك" أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة الشباب في مصر، حيث يستخدمه ملايين الأشخاص يومياً، ويستمتع بشعبية واسعة. ومع تقدير عدد مستخدميه بالملايين، فإن حظره قد يسبب استياءً كبيراً، خاصة بين الفئات العمرية الأصغر.
خلال السنوات الماضية، ومع تزايد عدد مستخدمي "تيك توك" في مصر الذين ينشرون محتوى غير مناسب سعياً وراء المزيد من المشاهدات والثراء السريع، شهد القضاء المصري العديد من القضايا التي أسفرت عن توقيع عقوبات بالسجن والغرامة على عدد من الأشخاص الذين أساءوا استخدام التطبيق.
من الناحية الاقتصادية، يمثل "تيك توك" سوقاً كبيراً في مصر، حيث تستخدمه العديد من الشركات والعلامات التجارية للترويج لمنتجاتها والوصول إلى جمهور واسع، وفقاً للدكتورة عالية المهدي، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة. وفي حديثها لـ"إرم بزنس"، أشارت المهدي إلى أن "حجم سوق التطبيق يتزايد بسرعة، خاصة مع توجه الشركات نحو التسويق الرقمي، لا سيما بعد انتشار جائحة كورونا التي دفعت المزيد من الشركات إلى الاعتماد على الإنترنت للوصول إلى العملاء."
وأضافت: "قد يؤدي حظر (تيك توك) إلى تأثير سلبي على الاقتصاد الرقمي في مصر، حيث تعتمد العديد من الشركات والمشروعات الصغيرة على التطبيق للترويج لمنتجاتها وخدماتها. لذلك، يجب أن يؤخذ في الاعتبار التأثير الاقتصادي المحتمل لأي قرار بحجب التطبيق."
ترى المهدي أن الطريق الأمثل لمواجهة الآثار الاجتماعية السلبية للتطبيق هو التعاون مع الشركة المشغلة لـ"تيك توك" لضمان التزامها بالقوانين المصرية، بالإضافة إلى تعزيز الرقابة على المحتوى. ودعت أيضاً إلى رفع الوعي بين الشباب حول الاستخدام المسؤول للتطبيقات الرقمية وتجنب إساءتها.