يواجه قطاع زيت الزيتون في تونس، الذي يمثل 5% من القوى العاملة المحلية، أزمة غير مسبوقة تهدد استقراره، ولا سيما بعد عملية احتيال بقيمة 170 مليون يورو (177.78 مليون دولار) من قبل رئيس مجموعة «CHO»، أكبر مصدر لزيت الزيتون في البلاد.
ووفقاً لتقرير مجلة «جون أفريك»، كُشِف عن قضية احتيال كبرى تتعلق بالوسيط الأساسي بهذا السوق عادل بن رمضان، الأمر الذي أدى إلى خسائر فادحة أثرت في الاقتصاد التونسي.
مجموعة «CHO» التي تأسست عام 1996، هي إحدى الشركات الرائدة في إنتاج وتصدير زيت الزيتون في تونس، يقع مقرها الرئيس في صفاقس، وتُعد من أكبر المنتجين والمصدرين لزيت الزيتون البكر الممتاز العضوي والطبيعي.
وتعد تونس رابع أكبر مصدر لزيت الزيتون عالمياً، إذ يعتمد هذا القطاع على الصادرات التي تدر أكثر من 1.3 مليار يورو سنوياً، إلا أن الفضيحة الأخيرة، كشفت عن تلاعب مالي واسع النطاق أثر في المنتجين والمصدرين على حد سواء.
عادل بن رمضان، الذي كان وسيطاً رئيساً في هذه السوق، تعامل مع ما يقرب من 200 منتج صغير ومتوسط، ما جعل انهياره المالي يسبب أزمة سيولة حادة.
وبعد هروبه من البلاد، بدأت الشيكات الصادرة لدفع قيمة المشتريات في العودة من دون رصيد، وهو ما فاقم الوضع، وزاد المخاوف حول استقرار السوق.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى خسائر تتراوح بين 8% و10% من عائدات تصدير زيت الزيتون التونسي.
الأزمة لم تقتصر على المنتجين المحليين فقط، بل طالت الشركات الأجنبية التي دفعت مبالغ مقدمة، ولم تستلم كمياتها المتفق عليها.
كما أن بعض المصارف التونسية، التي قدمت تسهيلات مالية لعادل بن رمضان، تواجه الآن صعوبات في تحصيل مستحقاتها، ما يزيد الضغط على النظام المصرفي التونسي.
في السياق ذاته، يعاني الهيكل الرسمي المعني بالإشراف على قطاع الزيت، أي الديوان الوطني للزيت، أوضاعاً كارثية هيكلية، جعلته غير قادر على التدخل بشكل فعال لإنقاذ القطاع، إذ لا تتجاوز طاقة التخزين في مراكزه 60 ألف طن، وهي كمية تقف عاجزة أمام محصول قياسي متوقع يفوق 300 ألف طن.
ووفقاً لتقرير المجلة الفرنسية، كشفت التحقيقات، إضافة إلى الأضرار المالية، أن بن رمضان كان يبيع زيت الزيتون بأسعار أقل بكثير من السوق، حيث باع اللتر بـ2.80 يورو مقارنة بالسعر الرسمي البالغ 3.40 يورو، الأمر الذي أدى إلى إرباك السوق وإلحاق ضرر بالمزارعين والمنتجين.
ويأتي هذا الانخفاض القسري في الأسعار في وقت كان فيه المنتجون يعانون ارتفاع تكاليف الإنتاج، بما في ذلك تكاليف العمالة والطاقة.
القطاع التونسي، الذي يواجه منافسة قوية من إيطاليا وإسبانيا، يعاني غياب علامات الجودة مثل «AOP» و«AOC»، ما يجعله أكثر عرضة للتقلبات.
وكذلك، يواجه المنتجون، ولا سيما مع انخفاض الثقة بالسوق، صعوبة في تسويق زيت الزيتون التونسي بسعر يعكس جودته الحقيقية.
وأكد التقرير أنه مع توقعات بإنتاج 340 ألف طن لموسم 2024-2025، يحتاج القطاع إلى إصلاحات هيكلية صارمة لتعزيز الشفافية وضمان عدم تكرار مثل هذا الفساد.
التقرير شدد على ضرورة تحسين الرقابة المالية ووضع سياسات لحماية المنتجين الصغار والمتوسطين، إذ بات ضرورة ملحة لاستعادة الثقة بهذا القطاع الاستراتيجي، الذي يعد أحد أهم ركائز الاقتصاد التونسي.
وانهارت أسعار الزيت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تدنى سعر اللتر في المعاصِر إلى أقل من 10 دنانير (3.2 دولارات) في نوفمبر الماضي، بعد أن كان يُباع في الموسم الماضي بسعر يصل إلى 25 ديناراً (8 دولارات).
مع تعطُّل البيع والشراء وتكدُّس الإنتاج في المعاصر، بات الفلاحون يعانون غياب السيولة وانعدام الطلب، ما دفعهم إلى تعليق تجميع الزيتون، في انتظار حلول. وقد أفضى ذلك إلى موجة احتجاجات في مختلف المناطق الريفية، تُنذر بمزيد من الاحتقان الاجتماعي.