logo
اقتصاد

تركيا تدخل لعبة المنافسة على الموانئ.. من يملك مفاتيح البحر السوري؟

تركيا تدخل لعبة المنافسة على الموانئ.. من يملك مفاتيح البحر السوري؟
منظر جوي لميناء اللاذقية، سوريا، يوم 15 ديسمبر 2024.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:24 أبريل 2025, 09:34 ص

في زمن يُعاد فيه رسم خرائط النفوذ في سوريا، تجد الموانئ السورية نفسها في قلب اللعبة، فبينما تسعى تركيا للدخول على خط تشغيلها وتأهيلها، وتحتفظ روسيا بحصة فعلية، تزداد المؤشرات على أن مرافئ الساحل السوري تحولت إلى «أصول استراتيجية» ذات عوائد محتملة ومكانة جيوسياسية.

وصرّح رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي نائل أولباق، عقب زيارة إلى دمشق في الأسبوع الحالي، أن بلاده تسعى لإعادة تشغيل المنشآت والموانئ البحرية السورية المتوقفة، مؤكداً أن هذه الخطوة قد تسرّع العوائد الاقتصادية، وتعيد تنشيط التجارة بين البلدين.

3 موانئ تنتظر

تمتلك سوريا ثلاثة موانئ بحرية رئيسة: ميناء اللاذقية، وميناء طرطوس (التجاريان)، وميناء بانياس (النفطي)، ورغم أن هذه الموانئ ظلت تعمل طيلة سنوات الحرب، إلا أن بنيتها التحتية ومعداتها تآكلت بشكل كبير؛ ما اعتبره الخبير الاقتصادي أسامة القاضي عائقاً أمام الاستفادة منها.

وأكد لـ«إرم بزنس» أن المرافئ لم تُجدّد منذ سنوات، وهي بحاجة إلى تعميق الأرصفة وتحديث كل الأدوات المستخدمة، التي باتت قديمة وغير صالحة للعمليات الحديثة.

وأضاف أن تشغيل هذه الموانئ قد يخلق آلاف فرص العمل للسوريين إذا تم بالشكل الصحيح، مشيراً إلى أن ميناء جبل علي في دبي يوظف 100 ألف شخص، وحتى ميناء شنغهاي يشغّل أكثر من 13 ألف موظف.

كما اعتبر أنه ليس من المطلوب إنشاء مرفأ بحجم «جبل علي» في سوريا، لكن حتى مرفأ متوسط الحجم يمكن أن يشغّل عدداً كبيراً من العمال، ويدعم دخل آلاف العائلات.

أخبار ذات صلة

الإيجار بـ800 دولار والراتب 20 فقط.. من يستطيع العيش في دمشق؟

الإيجار بـ800 دولار والراتب 20 فقط.. من يستطيع العيش في دمشق؟

أرقام قبل الحرب وبعدها

مع اشتعال شرارة الأحداث في سوريا العام 2011، ورغم احتفاظ الحكومة بسيطرتها على الساحل، إلا أن نشاط الموانئ تقلّص بشكل حاد.

فبحسب تقارير «CEIC» انخفض حجم مناولة الحاويات في الموانئ السورية من 685 ألف حاوية في 2009 إلى نحو 243 ألف حاوية بحلول 2020.

في العام 2010، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا نحو 60 مليار دولار، فيما سجّلت قيمة الصادرات حوالي 12 مليار دولار، معظمها من النفط الخام والمنتجات الزراعية، مقابل واردات تجاوزت 17 مليار دولار.

هذه الأرقام تعني أن التجارة الخارجية وحدها شكّلت قرابة نصف حجم الاقتصاد السوري في ذلك العام، ما يعكس انفتاحاً نسبياً على الأسواق العالمية آنذاك.

وفي المقابل، انهارت الصادرات السورية إلى 4 مليارات دولار فقط بحلول 2012 مع بداية الحرب، نتيجة فقدان موارد النفط وتراجع الإنتاج المحلي، لتتحوّل البلاد تدريجياً إلى سوق مستورِدة تعتمد بشكل أساسي على الواردات الغذائية والمشتقات النفطية لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، وفقاً لتقارير «إسكوا» و«البنك الدولي».

أما الناتج المحلي، فقد تقلّص بأكثر من 50% بحلول العام 2024، وفقاً للبنك الدولي، ليُقدّر بنحو 21 مليار دولار فقط، ما يعادل ثلث مستواه قبل الأزمة، في مؤشر صارخ على عمق التراجع الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال أكثر من عقد من الصراع.

ورغم كل شيء، لم تتوقف أي من الموانئ الرئيسة عن العمل بشكل كامل وإن بقدرات محدودة.

التراجع في الأداء لا يعود إلى تدمير البنية التحتية، بل إلى مشكلات أخرى: العقوبات الدولية، تراجع الإنتاج المحلي، وصعوبة الوصول إلى العملات الصعبة، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة «إسكوا».

مشهد تنافسي دولي

منذ العام 2019، بات ميناء طرطوس يُدار من قبل شركة روسية ضمن عقد يمتد 49 عاماً، فيما حصلت إيران على موطئ قدم في ميناء اللاذقية سابقاً، أما شركة (CMA CGM) الفرنسية، فاحتفظت بتشغيل محطة الحاويات.

لكن الجديد أن تركيا تحاول الدخول على هذا الخط، من خلال عرض تشغيل المرافئ المتوقفة وتأهيلها ضمن شراكة اقتصادية أسرع عائداً، وهو ما اعتبره المحلل في فايننشال تايمز، أنور القاسم، مؤشراً على تحوّل الموانئ من ملفات سيادية إلى «أصول اقتصادية استراتيجية»

وأضاف أن أنقرة إذا ما تمكنت من تثبيت موطئ قدم اقتصادي في اللاذقية أو طرطوس، فقد تكون هذه بداية فصل جديد من التوازنات، ليس فقط الاقتصادية، بل حتى الجيوسياسية في شرق المتوسط.

هل تؤثر الموانئ على الأسعار؟

لا يُجمع الخبراء على أن تشغيل الموانئ سيؤدي مباشرة إلى انخفاض أسعار السلع، فبينما يرى أسامة القاضي أن تحسين البنية التحتية، وتقليل البيروقراطية، وتسهيل حركة الشحن والتفريغ، ستقلل من تكاليف الاستيراد وبالتالي من الأسعار النهائية للسلع، يحذّر غازي المهايني، المستشار المالي المعتمد في نيوجرسي، من المبالغة في هذا الرهان.

وقال المهايني لـ «إرم بزنس»: «الأسعار تتأثر بالرسوم الجمركية أكثر من التشغيلية. بل إن دخول شركات أجنبية للتشغيل قد يرفع الكلفة قليلاً، ما ينعكس بزيادة بسيطة في الأسعار».

وأضاف أن الأثر الأكبر سيكون على «فرص التوظيف، وقطاع النقل، وشركات التخليص، وليس على السعر المباشر للسلع».

أخبار ذات صلة

هل تبدأ السعودية فك العزلة المالية عن سوريا؟

هل تبدأ السعودية فك العزلة المالية عن سوريا؟

الوظيفة المحلية والدور الإقليمي

يتفق القاضي والقاسم على أن ضرورة أن تتعدى الموانئ دورها المحلي، وتتحوّل إلى نقاط عبور إقليمية، وتخدم دولاً غير ساحلية مثل العراق والأردن.

ودعا القاضي إلى إنشاء شبكات لوجستية تخرج من الموانئ إلى المحافظات كافة، وربطها بموانئ جافة ومنشآت إصلاح للسفن واليخوت، وهي مجالات تدر دخلاً ثابتاً، وتخلق وظائف تخصصية عالية.

في المقابل، اعتبر القاسم أن إعادة تأهيل هذه الموانئ ستُعيد لسوريا دورها التاريخي كصلة وصل بحرية بين الشرق والغرب، وبوابة عبور لدول الخليج إلى المتوسط والأسواق الأوروبية.

وجزم بأن إعادة هيكلة وتشغيل الموانئ السورية أولوية قصوى؛ لأن البلاد مقبلة على مرحلة إعادة إعمار، والمرافئ ستكون الشريان الأساسي لواردات البناء، كما أن تصدير المنتجات المحلية عبر البحر سيوفر عملة صعبة تشتد الحاجة إليها.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC