logo
اقتصاد

الشرع يسوّق لسوريا الجديدة.. لكن من أين يبدأ الاقتصاد؟

الشرع يسوّق لسوريا الجديدة.. لكن من أين يبدأ الاقتصاد؟
الرئيس السوري أحمد الشرع متحدثاً خلال التشكيل الوزاري للحكومة في العاصمة دمشق يوم 29 مارس 2025.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:23 أبريل 2025, 02:51 م

في خضم الجولات الإقليمية التي قام بها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، من أنطاليا إلى أبوظبي ثم الدوحة، برز سؤال أساسي لم يُجب عنه بعد: كيف سيتعامل النظام الجديد مع الركام الاقتصادي الذي خلّفه عقد من الحرب والعزلة؟.

وبينما أعلن الشرع عن حكومة انتقالية، ووجّه رسائل سياسية متعددة الاتجاهات، لا تزال البلاد محاصرة بالعقوبات، والنزوح، وانهيار البنية التحتية، وضعف الثقة الداخلية والخارجية.

أخبار ذات صلة

من سوريا إلى أوكرانيا.. الأصول الرقمية تنمو على أنقاض الحرب

من سوريا إلى أوكرانيا.. الأصول الرقمية تنمو على أنقاض الحرب

فتح المجال الدبلوماسي والاقتصادي

أحرز الرئيس السوري خطوات دبلوماسية بارزة في هذه الجولات، حيث اجتمع مع قادة إقليميين بارزين، ما يمثل فصلاً مهماً في جهود الشرع لإعادة تقديم سوريا على الساحة الدولية، بعد توليه السلطة إثر سقوط نظام البعث في ديسمبر الماضي.

وكانت مشاركة الشرع الدولية السابقة قد شملت زيارات إلى السعودية وتركيا ومصر في فبراير، لكن رحلته الأخيرة بدت أكثر تخطيطاً واستراتيجية. في تركيا، شارك في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، حيث التقى بعدد من قادة العالم، بما في ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان.

ومن هناك، انتقل الشرع إلى أبوظبي لعقد اجتماعات مع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد ومسؤولين إماراتيين آخرين. كما شملت زيارة الشرع إلى قطر يوم الخميس اجتماعاً هاماً مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني. ويُعتبر هذا اللقاء محورياً، حيث مهد الطريق لمشاركة سوريا في القمة العربية القادمة المقررة في بغداد في 17 مايو.

جذبت جولة الشرع الإقليمية انتباه المراقبين الدوليين، بما في ذلك صحيفة «جيروزاليم بوست»، التي أكدت على قدرته في التعامل مع الجغرافيا السياسية المعقدة للشرق الأوسط. وأشارت الصحيفة إلى أن الشرع يسعى لتأكيد استقلالية سوريا ومنع أي تصوّر بأن سوريا ستكون دولة تابعة تحت سيطرة دولة أخرى.

الدور التركي: شراكة اقتصادية أو نفوذ؟

في تركيا، التي تعتبر سوريا قضية هامة، سلطت زيارة الشرع الضوء على تطور العلاقات السورية التركية. وعلى الرغم من التزام تركيا الظاهري بسوريا موحدة، إلا أن لها تأثيراً اقتصادياً كبيراً في الشمال السوري من خلال سيطرتها على مناطق استراتيجية.

دعم تركيا لموقف الشرع من الجماعات الكردية المسلحة يعكس أيضاً المصالح الاقتصادية المشتركة، خصوصاً في مجالات التجارة والإعمار في المناطق الحدودية. ومع ذلك، يبقى المشهد الاقتصادي في سوريا متأثراً بالانقسامات السياسية الداخلية، ما يضع الشرع أمام تحديات جسيمة في تحقيق توازن اقتصادي بين مختلف الفصائل السياسية والتوجهات الاقتصادية داخل حكومته.

العقوبات والعلاقات مع واشنطن

عبّر الشرع عن رغبة في رفع العقوبات المفروضة على سوريا، إلا أن الولايات المتحدة لم تتحرك بسرعة في هذا الاتجاه. حيث حافظت إدارة بايدن على نهج حذر، مع تقارير تشير إلى تقليص تدريجي للوجود العسكري الأميركي في سوريا.

كما صرّحت وزارة الخارجية الأميركية في مارس الماضي بأن رفع العقوبات لا يزال سابقاً لأوانه، مشيرة إلى قضايا التحول السياسي وحقوق الإنسان في سوريا. ورغم أن دونالد ترامب لا يرى قيمة في الوجود الأميركي في سوريا، تم إقناعه بعدم مغادرة البلاد فجأة، مما جعل هذه القضية جزءاً من «المساومات الترامبية» التي أصبحت حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية.

الواقع الاقتصادي بالأرقام

رغم الحراك الدبلوماسي المكثف، إلا أن الواقع الاقتصادي في سوريا يروي قصة مختلفة. فقد بلغ معدل التضخم مستويات قياسية تجاوزت 300% في بعض القطاعات الأساسية، وفق تقديرات غير رسمية، في ظل غياب بيانات دقيقة منذ سنوات. أما الليرة السورية، فقد تراجعت بشكل حاد في السوق الموازية لتصل إلى ما يقارب 17 ألف ليرة مقابل الدولار، ما أفقدها أكثر من 99% من قيمتها مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2011.

وفيما يخص سوق العمل، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن معدل البطالة يتجاوز 50%، في ظل تدهور القطاع الصناعي وخروج عدد كبير من الشباب من سوق العمل. أما التبادل التجاري، فيُقدّر بأن حجم الواردات السورية من تركيا وحدها تجاوز 800 مليون دولار في العام الماضي، معظمها يمر عبر مناطق النفوذ التركي في الشمال، ما يعكس اختلال موازين القوة الاقتصادية على الأرض.

ورغم تعويل الشرع على انفتاح خليجي، فإن حجم التبادل التجاري مع الإمارات – أبرز شريك خليجي حالي – لا يزال محدوداً، ولا يتجاوز مئات الملايين سنويًا، في ظل العقوبات وصعوبة التحويلات المالية.

أخبار ذات صلة

للمرة الأولى منذ 14 عاما.. صندوق النقد الدولي يعين رئيس بعثة إلى سوريا

للمرة الأولى منذ 14 عاما.. صندوق النقد الدولي يعين رئيس بعثة إلى سوريا

الدور الأوروبي المرتقب

في الأثناء، يبقى موضوع عودة اللاجئين السوريين قضية رئيسية. ومع وجود ملايين النازحين بسبب النزاع المستمر، يتعين على حكومة الشرع إيجاد الظروف التي تشجع اللاجئين على العودة. وسيرتبط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالانتعاش الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، واستعادة الخدمات الأساسية.

لكن بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لم تعد سوريا مجرد قضية لاجئين، رغم أن السوريين يشكلون إحدى أكبر الجنسيات التي تطلب اللجوء في دول الاتحاد. فالعوامل مثل قرب سوريا الجغرافي تجعل من القضية السورية مسألة ذات أهمية استراتيجية للاتحاد الأوروبي، الذي يسعى لتعزيز دوره الجيوسياسي في المنطقة. وبالتالي، تدفع دول مثل فرنسا وإيطاليا واليونان نحو مزيد من الانخراط في الشأن السوري.

بينما تسلك سوريا طريقها نحو التعافي، تعتبر جهود الشرع الدبلوماسية خطوة مهمة في إعادة تأكيد دور سوريا في الشؤون الإقليمية والدولية. ومع ذلك، يبقى التحدي في إعادة بناء الاقتصاد، وتحقيق الاستقرار السياسي، والتوافق مع السكان المتنوعين، من العوامل الحاسمة التي ستحدد مستقبل الشعب السوري ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

وإن بدت تحركات الشرع واعدة، فإن الخروج من الركام الاقتصادي لا تصنعه القمم، بل السياسات اليومية على الأرض.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC