في ظل الاضطرابات المتصاعدة في سوق سندات الخزانة الأميركية، حذّر «دويتشه بنك إيه جي» من أن استمرار التراجع في السوق، والذي دفع عوائد السندات طويلة الأجل إلى تجاوز حاجز 5% مؤقتاً، قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى التدخل العاجل لضمان الاستقرار.
ووفق وكالة «بلومبرغ»، أدى تصاعد الشكوك حول سلامة الأصول الأمريكية؛ بسبب حرب الرسوم الجمركية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تعميق عمليات البيع في سندات الخزانة يوم الأربعاء، مما أدى إلى ارتفاع العائد على السندات لأجل 30 عاماً إلى 5.02%، وهو أعلى مستوى له منذ نوفمبر 2023.
وقال جورج سارافيلوس، الرئيس العالمي لإستراتيجية العملات الأجنبية في البنك، «إذا استمر الاضطراب الأخير في سوق سندات الخزانة الأميركية، فإننا لا نرى خياراً آخر أمام الاحتياطي الفيدرالي سوى التدخل بمشتريات طارئة من سندات الخزانة الأميركية لتحقيق الاستقرار في السوق».
ووصف سارافيلوس هذا التدخل بأنه سيكون بمنزلة «قاطع للدائرة»، في إشارة إلى شكل من أشكال التيسير الكمي الطارئ الذي قد يُستخدم لكبح الاضطرابات، وفق ما نقلته «بلومبرغ».
ورغم أن مثل هذا التحرك سيكون بالغ الأثر، إلا أنه لن يكون سابقة تاريخية. ففي العام 2020، ومع تفشي جائحة كوفيد-19، خفض صنّاع السياسة النقدية في الولايات المتحدة أسعار الفائدة، وأطلقوا برنامج تيسير كمي ضخماً لضخ السيولة في السوق، ومنع الانهيار المالي.
كما شهد العام 2022 تدخلاً مماثلاً من بنك إنجلترا، عندما أعلن عن شراء سندات «الجيليت» بعد الفوضى التي سببتها خطة الميزانية لرئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، والتي تضمنت تخفيضات ضريبية غير ممولة، ما أدى إلى ارتفاع حاد في العوائد وانهيار الثقة بأدوات الدين الحكومية البريطانية.
حتى الآن، لم يُبدِ الاحتياطي الفيدرالي أي إشارة إلى تحرك وشيك، سواء عبر دعم السيولة أو خفض أسعار الفائدة، وفق «بلومبرغ».
ويبدو أن البنك المركزي الأميركي لا يزال متمسكاً بموقفه الحذر، مترقباً تطورات الأسواق من موقع المراقبة، على الرغم من التقلبات العالمية التي تُلقي بظلالها على كل من الأسواق المتقدمة والناشئة.
رغم إمكانية تهدئة الأسواق على المدى القصير من خلال تدخل طارئ، إلا أن سارافيلوس يؤكد أن الاستقرار المستدام يتطلب إعادة النظر في سياسات الإدارة الأميركية الحالية، خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد الخارجي والتجارة.
وأشار إلى أن تراجع الدولار الأميركي لم يعد مجرد تقلب عابر، بل «أزمة ثقة» تضرب العملة التي طالما كانت ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات.
وأضاف أن المستثمرين الدوليين لم يعودوا يقبلون على الدولار كما في السابق، بل يتخلون عنه بوتيرة أسرع من المتوقع، في ظل تحول واضح في اتجاهات الأسواق العالمية.
قال سارافيلوس: «لقد فقدت السوق الثقة في الأصول الأميركية. فبدلاً من معالجة اختلالات الميزانية العمومية من خلال احتياطي الدولار، يقوم المستثمرون ببيع الأصول الأميركية نفسها بشكل نشط».
ووفق «بلومبرغ» يشكل هذا التحول المفاجئ تحدياً إستراتيجياً كبيراً أمام صناع القرار النقدي في الولايات المتحدة، الذين سيحتاجون إلى موازنة دقيقة بين حماية الأسواق والحفاظ على مصداقية السياسات النقدية.