logo
اقتصاد

لماذا يتراجع نفوذ فرنسا الاقتصادي في الجزائر؟

لماذا يتراجع نفوذ فرنسا الاقتصادي في الجزائر؟
باخرة مسافرين ترسو في ميناء عنابة شرق الجزائر قادمة من ميناء فرنسي- 07 يوليو 2023المصدر: رويترز
تاريخ النشر:17 فبراير 2025, 10:46 ص

في ظل التوتر الدبلوماسي المتصاعد، تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا تحولات جذرية تهدد بإعادة تشكيل النفوذ التجاري والاستثماري بين البلدين.

فرغم احتفاظ فرنسا بموقع ريادي داخل السوق الجزائرية لعقود، فإن المتغيرات السياسية دفعت الجزائر إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية؛ ما أضعف الحضور الفرنسي لصالح قوى مثل الصين وتركيا.

أسباب الخلاف

وزادت حدة توتر العلاقات بين البلدين في يوليو الماضي عندما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه مقترح سيادة الرباط على الصحراء المغربية، إضافة إلى سلسلة من الاعتقالات التي طالت مؤثرين جزائريين يقيمون في فرنسا بتهم نشر محتويات على مواقع التواصل الاجتماعي وصفتها الداخلية الفرنسية بـ«التحريضية على العنف والكراهية».

ويبلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في الجزائر، نحو 2.9 مليار يورو؛ ما يجعل فرنسا تحتل المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وإيطاليا، بحسب موقع السفارة الفرنسية في الجزائر.

ووفقاً لبيانات بنك فرنسا، تتركز هذه الاستثمارات في ثلاثة قطاعات رئيسة: القطاع المالي والتأمينات بنسبة 36%، قطاع التصنيع بنسبة 29%، والذي يشمل الصناعات الدوائية، والغذائية، والكيميائية، وصناعة السيارات، بالإضافة إلى الصناعات الاستخراجية بنسبة 23%.

أخبار ذات صلة

الجزائر.. مراجعة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تفرضها معطيات اقتصادية

الجزائر.. مراجعة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تفرضها معطيات اقتصادية

خسائر مليارية

وترى رئيس المركز الأوروبي للدراسات الدكتورة عقيلة دبيشي، أن التوترات الدبلوماسية المتصاعدة انعكست بشكل مباشر على تراجع الصادرات الفرنسية إلى الجزائر التي تقلص حضورها في قطاعات كانت تهيمن عليها سابقاً داخل السوق الجزائري مثل السيارات والأدوية، والسلع الغذائية.

في المقابل، اتجهت الجزائر إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع شركاء جدد، مثل الصين وتركيا، بهدف تقليل الاعتماد على المنتجات الفرنسية وتنويع مصادر التوريد.

وتؤكد دبيشي في حديثها مع «إرم بزنس» أن الجزائر تعمل على تعزيز إنتاجها المحلي لتقليل الاعتماد على الواردات الفرنسية، رغم أن التخلص الكامل منها ليس خياراً سريع التطبيق.

وتشير إلى أن الشركات الفرنسية تواجه تحديات متزايدة في الجزائر، من تراجع العقود الاستثمارية إلى التعقيدات الإدارية؛ ما يدفع بعضها لإعادة تقييم استراتيجياتها التشغيلية.

وتقدر خسائر الشركات الفرنسية بنحو 18 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية جراء الخلافات التي غلبت العلاقات بين البلدين منذ عهد الرئيس عبدالمجيد تبون، وفقًا لتقديرات المسؤول الجزائري السابق حسان قاسيمي، أوردها إعلام محلي.

وباعتقاد دبيشي فإن أي تصعيد إضافي قد يدفع الجزائر إلى اتخاذ قرارات أكثر حدة تجاه الاستثمارات الفرنسية؛ ما يفتح المجال أمام دول أخرى لتعزيز وجودها الاقتصادي في البلاد، وهو ما بدأت الصين وتركيا باستثماره بالفعل عبر زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة.

وبالإضافة للخسائر الفرنسية، تشير رئيس المركز الأوروبي للدراسات إلى أن الجزائر واجهت تحديات في تنفيذ بعض المشاريع المشتركة وصعوبة في استيراد منتجات حيوية كانت تعتمد عليها من السوق الفرنسية.

الصين وتركيا المستفيدان

الخبير الجزائري في السياسات الاقتصادية، جلول سلامة، يرى أن تراجع العلاقات الدبلوماسية يؤدي نوعاً ما إلى فتور في العلاقات الاقتصادية، وينتج عنه نوع من التراجع في التبادل التجاري الناتج عن احتقان لدى القيادات السياسية من الطرفين.

قبل أن يستدرك: «لكن يجب ألا نبالغ في الأمر، فالعلاقات الاقتصادية مستمرة، وهناك شركات فرنسية تواصل أعمالها في الجزائر، وهناك استثمارات في الإسمنت والنفط والغاز ضمن شراكات طويلة الأمد لا تتغير بالأزمات السياسية، أما التجارة العينية، فبالطبع تأثرت كما رأينا في واردات الحبوب الفرنسية إلى الجزائر».

وتستورد الجزائر نحو نصف احتياجاتها من الاتحاد الأوروبي، ومن بينها فرنسا، أما الباقي فتحصل عليه من الصين وتركيا وبعض الدول في قارة أميركا الجنوبية والقليل من المنطقة العربية، وفق سلامة الذي لفت إلى أن السوقين الصيني والتركي سيكونان الأكثر استفادة خلال مثل هذه الأزمات كونه سيعوض بشكل كبير السلع التي سيتم الاستغناء عنها من الشريك الأوروبي أو فرنسا.

أخبار ذات صلة

الجزائر تستبعد فرنسا من مناقصة لاستيراد القمح

الجزائر تستبعد فرنسا من مناقصة لاستيراد القمح

انحسار النفوذ الفرنسي

من جانبه، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر عبدالرزاق صاغور، في حديثه مع «إرم بزنس» أن فرنسا لم تعد الشريك الاقتصادي الأبرز للجزائر، إذ حلت محلها الصين وتركيا، ودول أوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا.

وبحسب أستاذ العلاقات الدولية، فإن الجزائر تستورد من الاتحاد الأوروبي بما يقارب 9 مليارات دولار، بينما تصدر له منتجات بقيمة 28 مليار دولار؛ ما يجعل الميزان التجاري لصالحها.

أما مع فرنسا تحديداً، فتبلغ قيمة الصادرات الجزائرية نحو 7 مليارات دولار مقابل واردات بحوالي 4 مليارات دولار؛ ما يعزز الموقف التفاوضي الجزائري، وفق صاغور.

وينبه إلى أن الجزائر استفادت من الأزمة الأوكرانية في زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر أنبوبين أحدهما يصل إسبانيا والآخر بإيطاليا؛ ما جعلها تحقق عوائد من صادرات المحروقات بنحو 60 مليار دولار، كما يمكنها استخدام الغاز كورقة ضغط رابحة أمام فرنسا.

وبحسب تقرير «مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في العام 2024»، ارتفعت الصادرات الجزائرية من الغاز المسال، خلال الربع الأخير من العام الماضي، بنسبة 6%، وبمقدار 150 ألف طن على أساس ربع سنوي.

وجاءت تركيا على رأس قائمة أكبر الدول المستوردة للغاز المسال الجزائري في 2024، بكمية بلغت 4,05 مليون طن، وتلتها فرنسا بحجم 3,26 مليون طن، وإسبانيا بنحو 1,66 مليون طن.

ويوضح صاغور أن الجزائر تتمتع بوضع مالي قوي، إذ يتجاوز احتياطي الصرف 60 مليار دولار، فيما لا تتعدى الديون الخارجية 4 مليارات دولار؛ ما يمنحها هامشاً واسعاً لإدارة اقتصادها بكفاءة دون ضغوط خارجية كبيرة.

تراجع صادرات الحبوب

وانعكست الخلافات بين البلدين على تراجع صادرات فرنسا الزراعية والغذائية إلى الجزائر بنسبة 50% في العام 2023 مقارنة بـ 2022، حيث انخفضت من 1.3 مليار يورو إلى 628 مليون يورو، وفقًا لحديث كبير الاقتصاديين في غرف الزراعة الفرنسية، تييري بوش مع صحيفة «لوبينيون» الفرنسية المنشور في 11 فبراير الجاري.

ووفق بوش، كان هذا الانخفاض ملحوظاً في قطاع الحبوب، حيث كانت فرنسا توفر 80-90% من احتياجات الجزائر، لكن الكميات انخفضت من 5.4 مليون طن العام 2018 إلى 608 آلاف طن فقط في 2023، ومن المتوقع أن تتراجع أكثر في 2024.

انسحابات متتالية 

وظهرت بوادر التوتر في العلاقات، قبل نحو 5 سنوات، حيث غادرت شركة «راتيبي باريس» الجزائر في أكتوبر 2020 بعد عدم تجديد عقدها لإدارة وصيانة مترو الجزائر، وتبعها انسحاب شركة «سياز» في 2021 من تسيير المياه والصرف الصحي بالعاصمة وتيبازة.

وتوقّف مصنع «رينو» عن إنتاج السيارات منذ 2020 دون استئناف نشاطه، في حين أطلقت الحكومة مشاريع سيارات جديدة مع «فيات» الإيطالية و«هيونداي» الكورية.

في السياق ذاته، غادر بنك «كريدي أغريكول» الجزائر العام 2021 بعد سحب رخصته، كما منعت السلطات استحواذ «توتال» على أصول «أناداركو» عبر حق الشفعة.

وفي العام 2023، انسحبت شركة «توتال» من مشروع بتروكيماوي في مدينة وهران، ليتولى مجمع صيني بريطاني استكماله بعقد 1.5 مليار دولار.

مستقبل العلاقات الاقتصادية

ومع تراجع الصادرات الفرنسية، وتزايد الاستثمارات الأجنبية من دول بديلة، تجد الشركات الفرنسية في وضع صعب للحفاظ على قدرة فرنسا في استعادة نفوذها الاقتصادي في الجزائر.

ويشير صاغور إلى أن التوترات السياسية بين البلدين رغم ضجيجها الإعلامي، لا تتجاوز كونها أداة استهلاك محلي، متوقعاً أن تضطر فرنسا إلى إيجاد مخرج للأزمة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية.

بالمقابل، يؤكد أن الجزائر تواصل تعزيز استراتيجيتها القائمة على تنويع الشراكات؛ ما يجعل من المشهد الاقتصادي الجزائري أكثر توازناً، ويمنحها قدرة أكبر على المناورة في العلاقات الدولية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC