يشهد سوق العمل العالمي تحولاً جذرياً غير مسبوق، إذ يُتوقع أن تُولد 170 مليون وظيفة جديدة خلال السنوات الـ5 المقبلة، في مقابل إلغاء 92 مليون وظيفة، مما يؤدي إلى زيادة صافية قدرها 78 مليون وظيفة.
هذه التغيرات مدفوعة باتجاهات عالمية تشمل الابتكارات التكنولوجية، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتغيرات جيو-اقتصادية وديموغرافية، لكن الأمر لا يخلو من التحديات.
وفقاً لتقرير «مستقبل الوظائف 2030» الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، مطلع الشهر الجاري، تواجه الشركات تحديات كبيرة أبرزها فجوة المهارات.
التقرير يسلط الضوء على أهمية تكوين مهارات جديدة لمواجهة التحديات القادمة، مع التركيز على مهارات كالذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، التفكير الإبداعي، والقيادة الاجتماعية، مما يجعل التأقلم مع هذه التحولات ضرورةً للبقاء في سوق العمل المتغير.
وفي استطلاع ضمن التقرير، أشارت 63% من الشركات المشاركة، وعددها 900 شركة من 45 دولة، وتوظف أكثر من 11 مليون شخص، إلى أن نقص المهارات الوظيفية يعوق مواكبة التطورات في سوق العمل.
وفقاً للتقديرات، فإن 120 مليون عامل، أي أكثر من نصف القوى العاملة العالمية، سيواجهون خطر الفصل من العمل في حال لم يتم تكوين مهارات جديدة أو تحسين إمكاناتهم.
ومن أكثر المهارات طلباً للتوظيف في 2030، بحسب ما جاء في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، هي الذكاء الاصطناعي والإلمام التكنولوجي، بالإضافة إلى التكيف والمرونة، والتفكير التحليلي، والشبكات والأمن السيبراني، والتفكير الإبداعي، بجانب القدرة على القيادة.
وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي لشركة التوظيف العالمية «أكسل»، راؤول ناث، «إن القدرة على استخدام أحدث التقنيات هي المهارة الأكثر طلباً في العالم والمنطقة العربية بشكل خاص».
وأشار ناث في حديث مع «إرم بزنس»، إلى أن بعض المؤسسات تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، وتحتاج إلى مهارات موظفين يستطيعون التعامل مع تلك الأدوات، في حين تستخدم أخرى تكنولوجيا أقل وأبسط تكلفة، ولا تحتاج هذا القدر المطلوب من المهارات.
وأكد ناث، «أن «الذكاء الثقافي» في بلد مثل دولة الإمارات يتمتع بمثل هذا المستوى العالي من تنوع الجنسيات، أمر بالغ الأهمية ومهارة مستحدثة بدأ أصحاب الشركات إدراكها مؤخراً، وأصبحت تنعكس على عمليات التوظيف.
المدير التنفيذي لشركة «أكسل»، لفت إلى أنه وفقاً للدراسات والاستطلاعات الدورية، فإن المستهلكين يفكرون الآن في الأمور المتعلقة بالتنوع الثقافي للشركات التي يتعاملون معها.
وتابع ناث، أن مؤسسة «أكسل» للتوظيف تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، في تقييم آليات التوظيف لإقصاء المرشحين الذين لا يستوفون المتطلبات الأساسية للوظيفة.
ويعزو الأمر للمستويات العليا التي وصلت إليها طلبات الوظائف، وهو ما يعكس نمو الوضع الاقتصادي الحالي، ويؤكد التحولات الجذرية المدفوعة بالتحول الرقمي المرهون بالذكاء الاصطناعي في سوق العمل.
ومن جانبه، سلط تقرير المهارات الوظيفية لعام 2025 الصادر عن مؤسسة «كورسيرا»، الضوء على التبني السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) وقدرته على أن يعيد تشكيل الصناعات، ويعيد تعريف المهارات المطلوبة.
فيما رأت رئيسة كلية إدنبرة للأعمال والعلوم الاجتماعية بجامعة «هيريوت وات» بدبي، فيونا روبسون، في حديث مع «إرم بزنس»، أن برامج إدارة الأعمال والإدارة من أكثر القطاعات جذباً للموظفين من قبل أصحاب العمل.
وقالت روبسون: «نتوقع أن نشهد زيادة في الطلب على الدرجات العلمية التي تزود الطلاب بالمهارات والمعرفة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ ستوظف المؤسسات الكبيرة خريجي برامج تحليلات البيانات والبرامج التي تركز على الذكاء الاصطناعي».
وتوقعت روبسون، أن يكون قطاعا التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، والعقارات، من القطاعات الرئيسة التي تبحث عن مواهب جديدة.
روبسون أكدت أن التمتع بالقدرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، هو أولوية المتعلمين في دولة الإمارات للحفاظ على قدرتهم التنافسية والتكيف مع سوق العمل المتطور في المنطقة.
الأمن السيبراني أيضاً من المهارات التقنية الأسرع نمواً عالمياً، حسبما أوضحت روبسون، إذ تستجيب الشركات لزيادة بنسبة 75% في الهجمات السيبرانية في الربع الثالث من عام 2024.
وأشارت إلى أن دولة الإمارات أدخلت سياسات تركز على الحوسبة السحابية، وأمن البيانات، وإنترنت الأشياء لحماية أجهزة الإنترنت والشبكات، وعمليات الأمن السيبراني، لتعزيز المرونة الرقمية، بدعم من سوق الأمن السيبراني المتنامي الذي تبلغ قيمته 1.5 مليار دولار أميركي في عام 2023.
ومن المتوقع أن ينمو السوق بنسبة 12.7% حتى عام 2028.
وتؤكد الجهود الإماراتية الحاجة إلى التطوير المستمر للقوى العاملة في مجال الأمن السيبراني لمواجهة التحديات المتطورة، وفقاً لروبسون.
رئيسة كلية إدنبرة للأعمال والعلوم الاجتماعية أضافت أنه مع سرعة التطور التكنولوجي، سيحتاج أصحاب العمل إلى الاستثمار في تطوير الموظفين وتشجيع المبادرات التي تسهم في تحقيق هذا الهدف.
ومن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 2030، بحسب تقرير المهارات الوظيفية.
وكشف استطلاع أجرته شركة (SAP YouGov) مؤخراً، أن 43% من صناع القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات في دولة الإمارات يشيرون إلى نقص الموظفين المهرة باعتباره عائقاً رئيسياً أمام تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.
وتخطط 84% من الشركات الإماراتية لتوظيف مواهب متخصصة في الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر الـ15 المقبلة.
وعلى عكس التقارير التي تجعل المستقبل مخيفاً مع وجود الذكاء الاصطناعي، فإن التقنيات المقرونة بالذكاء الاصطناعي، لا تعد التهديد الأكبر لسوق العمل حالياً بقدر العوامل الأخرى، مثل تباطؤ النمو العالمي، ومشاكل التضخم وسلاسل التوريد.
كما أن التحول التدريجي إلى الاقتصاد الأخضر سيزيد الطلب على الوظائف التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها حتى اللحظة، وفقاً لتقرير المهارات الوظيفية.