logo
اقتصاد

بعد الحرب.. لبنان يواجه مستقبلاً اقتصادياً مجهولاً

بعد الحرب.. لبنان يواجه مستقبلاً اقتصادياً مجهولاً
طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية تقلع من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت – 30 سبتمبر 2024المصدر: رويترز
تاريخ النشر:31 ديسمبر 2024, 05:19 ص

تعرض اقتصاد لبنان، الذي يعاني بالفعل من أزمات مالية طويلة الأمد، لمزيد من الدمار بسبب الحرب الأخيرة مع إسرائيل. فقد أسفر الصراع الذي اندلع في سبتمبر عن دمار واسع في مختلف أنحاء البلاد، ما زاد تعقيد الأوضاع الاقتصادية المتدهورة منذ الانهيار الكبير في 2019.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، يقدر الخبراء أن الحرب تسببت بخسائر تجاوزت 8.5 مليار دولار، ما دفع البلاد إلى مزيد من الانحدار الاقتصادي.

أخبار ذات صلة

20 مليار دولار.. خسائر اقتصاد لبنان بسبب الحرب

20 مليار دولار.. خسائر اقتصاد لبنان بسبب الحرب

انكماش الاقتصاد 

تُشير تقارير البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبنان انكمش بنسبة 6.6% هذا العام كنتيجة مباشرة للحرب وآثارها على القطاعات الرئيسية للاقتصاد.

قبل الحرب الأخيرة، كان قطاعا المصارف والسياحة من المحركات الاقتصادية الرئيسية في لبنان، لكنهما تعرضا لضغوط كبيرة نتيجة للأزمة الاقتصادية المستمرة. فقد واجه القطاع المصرفي صعوبات كبيرة في الوفاء بالتزاماته، ما دفع السلطات إلى فرض قيود على السحب والتحويلات. وزادت هذه القيود من تعقيد الأوضاع المالية للسكان، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.

أما قطاع السياحة، الذي كان من أهم مصادر الدخل الوطني، ويستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم، فقد تعرض لضربة قاسية في أثناء الحرب جراء حظر السفر وإلغاء الحجوزات والاضطرابات العامة. وأدت هذه العوامل إلى خسائر كبيرة في الإيرادات، وعمّقت التراجع في احتياطيات لبنان من العملات الأجنبية.

كما أثرت الحرب مباشرة في التجارة في لبنان من خلال تدمير البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والمواني والمنشآت التجارية، ما عرقل حركة البضائع والمنتجات. علاوة على ذلك، أدى النزوح الكبير للسكان وتدمير الأعمال التجارية إلى تعطيل الأسواق المحلية، وزيادة التحديات التي تواجه الشركات في استئناف أنشطتها التجارية.

أضرار جسيمة بالزراعة والتجارة

ألحقت الحرب أضراراً جسيمة بالمناطق الزراعية الرئيسية، فقد دُمرت الأراضي التي تنتج زيت الزيتون والموز والحمضيات، في حين تسببت الغارات الجوية الإسرائيلية بتدمير مئات المباني.

كما أُجبرت العديد من الشركات في مختلف أنحاء البلاد على الإغلاق، ما أدى إلى زيادة معدلات البطالة وتفاقم الانكماش الاقتصادي. إلى جانب ذلك، أسهم النزوح الجماعي لنحو 1.3 مليون شخص في زيادة الضغط على الاقتصاد المثقل بالأعباء.

وأضاف التقرير أن أحد أبرز التحديات التي يواجهها الاقتصاد اللبناني هو غياب الاستقرار السياسي. فقد بقيت الحكومة اللبنانية في وضع تصريف الأعمال لمدة طويلة، ما حال دون قدرتها على تنفيذ الإصلاحات الضرورية أو إصدار التشريعات اللازمة لجذب المساعدات أو القروض الدولية.

وجعل غياب الحكومة الفعالة من الصعب تأمين التمويل الضروري لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في البلاد. كما أن إدراج لبنان أخيرًا في «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي (Financial Action Task Force) بسبب مخاوف من غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما زاد عزلة البلاد عن المؤسسات المالية الدولية، ما صعب على المغتربين اللبنانيين إرسال التحويلات المالية إلى وطنهم. 

إعادة الإعمار

أوضح التقرير أن عملية إعادة الإعمار ستتطلب مساعدة خارجية كبيرة، لكن الخبراء يحذرون من أن لبنان قد لا يتمكن من الاعتماد على المساعدات من الدول العربية ودول الخليج بالقدر نفسه كما في السابق.

ويقترح جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي للبنك الدولي لإدارة الشرق الأوسط، أن المساعدات المستقبلية ستكون مشروطة بقدرة لبنان على تنفيذ الإصلاحات، مع التركيز على استعادة ثقة المستثمرين وتأمين التمويل لجهود التعافي.

كما استعرض التقرير الوضع الاقتصادي للبنان بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، مشيراً إلى أن العديد من المناطق، مثل الضاحية جنوب بيروت، التي تعد حياً كثيفاً بالسكان، تعاني صعوبة في التعافي.

ويعتمد العديد من السكان والشركات المحلية على وعود حزب الله بتقديم الدعم المالي لإعادة الإعمار، رغم أن توقيت وصول هذه الأموال لا يزال غير محدد.

خفض الأجور

إلى جانب ذلك، تعرضت الشركات في المناطق التجارية في بيروت، بما في ذلك تلك الواقعة في شارع الحمرا الشهير، لضغوط شديدة. وقد أدى انخفاض عدد الزوار إلى إجبار العديد من الشركات على تخفيض رواتب الموظفين وتأجيل دفع الإيجار للبقاء على قيد الحياة.

وبالنسبة إلى الكثير من اللبنانيين، لا تعد الحرب مجرد أزمة أخرى، بل هي الأحدث في سلسلة من الأزمات المدمرة التي جعلت أي آمال في التعافي السريع بعيدة المنال. فقد تركت آثار انفجار ميناء بيروت عام 2020، وانهيار الليرة اللبنانية، والشلل السياسي لبنان في وضع هش.

ويؤكد الخبراء أن الاقتصاد اللبناني لن يبدأ في التعافي إلا إذا نفذت الحكومة إصلاحات شاملة، واستعادة ثقة الشركاء الماليين الدوليين. ومع ذلك، فإن الضغوط الإضافية الناجمة عن ضرورة إعادة الإعمار بعد الحرب قد تجعل من هذه الإصلاحات أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

أخبار ذات صلة

«رويترز» : لبنان قد يُدرج على القائمة الرمادية لمجموعة «فاتف»

«رويترز» : لبنان قد يُدرج على القائمة الرمادية لمجموعة «فاتف»

تفاؤل رغم التحديات

وفي الوقت نفسه، ورغم التحديات الكبيرة، لا يزال بعض اللبنانيين متفائلين بمستقبل بلادهم، إذ يظهر أصحاب الأعمال والمواطنين قدرة على الصمود من خلال الجهود المبذولة لإصلاح المباني المتضررة، وإعادة فتح الشركات، وتقديم المساعدة للعائلات النازحة.

ومع ذلك، أكد التقرير أن الطريق إلى التعافي سيكون طويلاً وغير مؤكد، ومن المرجح أن يستغرق تعافي لبنان الاقتصادي سنوات بدلاً من أشهر. بالنسبة إلى الكثيرين، كانت الحرب تذكيراً صارماً بمدى هشاشة الأسس الاقتصادية للبنان، وأنه من دون إصلاحات جوهرية، قد يبقى التعافي الكامل بعيد المنال لعقود.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC