تباطأ النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، خلال شهر أبريل، ليصل إلى أدنى مستوياته في 16 شهراً، بينما سجلت أسعار السلع والخدمات ارتفاعاً حاداً في ظل حالة من عدم اليقين الناتجة عن الرسوم الجمركية، ما عزز المخاوف في الأسواق المالية من ركود تضخمي قد يضع الاحتياطي الفيدرالي(البنك المركزي الأميركي) في موقف صعب.
وأظهرت بيانات مسح نشرته «ستاندرد آند بورز غلوبال»، الأربعاء، أن السياسة التجارية الحمائية التي ينتهجها الرئيس دونالد ترامب، والتي رفعت متوسط الرسوم الجمركية الفعلية إلى أعلى مستوياته منذ أكثر من قرن، إلى جانب تشديد إجراءات الهجرة، أثّرت سلباً على صادرات السلع وقطاع السياحة.
وأفاد التقرير بأن الشركات باتت مترددة في التوظيف، وهو ما عزته «ستاندرد آند بورز غلوبال» إلى «مخاوف بشأن التوقعات الاقتصادية والطلب المحلي والخارجي، بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف، وصعوبة توافر العمالة». كما تراجعت ثقة الشركات في أوضاع الأعمال خلال الأشهر الـ12 المقبلة.
وانخفض المؤشر المركّب للنشاط الاقتصادي «PMI» الصادر عن «ستاندرد آند بورز غلوبال»، والذي يقيس أداء قطاعي التصنيع والخدمات، إلى 51.2 نقطة في أبريل، وهو أدنى مستوى له منذ ديسمبر 2023، بعد أن سجل 53.5 نقطة في مارس. وتشير القراءة فوق مستوى 50 إلى توسّع في نشاط القطاع الخاص.
وأُجري المسح، في الفترة من 9 إلى 22 أبريل، أي بعد إعلان ترامب ما سمّاه «يوم التحرير»، وتأجيل تطبيق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً على أكثر من 50 شريكاً تجارياً، لكنه في المقابل رفع الرسوم على الواردات الصينية إلى 145%.
وردّت بكين بفرض رسوم جمركية مضادة، ما أشعل حرباً تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. ولا تزال رسوم شاملة بنسبة 10% على معظم الشركاء التجاريين قائمة، إلى جانب رسوم بنسبة 25% على السيارات، والفولاذ، والألمنيوم.
وترى إدارة ترامب أن هذه الرسوم وسيلة لزيادة الإيرادات، وتعويض خفض الضرائب الذي وعدت به، فضلاً عن تحفيز الصناعة الأميركية المتراجعة منذ عقود. غير أن هذه السياسات غذّت المخاوف من تسارع التضخم، وتباطؤ النمو.
ودفع ذلك بعض المستثمرين إلى التخلي عن الأصول الأميركية.
ويعكس تراجع المؤشر المركّب أن النشاط الاقتصادي كان ضعيفاً في بداية الربع الثاني، فيما تشير التقديرات إلى تباطؤ حاد في نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول، مع تراجع التوقعات إلى أقل من 0.5% على أساس سنوي.
ومن المتوقع أن تنشر الحكومة، الأسبوع المقبل، تقديراتها الأولية لنمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الممتد من يناير إلى مارس، بالتزامن مع مرور 100 يوم على بداية ولاية ترامب. وكان الاقتصاد قد سجل نمواً بنسبة 2.4% في الربع الرابع من العام الماضي.
قال كريس ويليامسون، كبير الاقتصاديين في «ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس»: «سجّل الإنتاج في أبريل أبطأ وتيرة نمو له منذ ديسمبر 2023، ما يشير إلى أن الاقتصاد الأميركي ينمو بوتيرة سنوية متواضعة تبلغ 1.0% فقط».
وكان رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، قد أشار، الأسبوع الماضي، إلى أن البنك المركزي لا يستعجل تعديل أسعار الفائدة، لكنه حذّر، في الوقت نفسه، من أن السياسة التجارية المتشددة التي يعتمدها ترامب قد تُبعد التضخم، وسوق العمل، عن أهداف الفيدرالي. ويقع سعر الفائدة الرئيس، حالياً، في نطاق يتراوح بين 4.25% و4.50%.
وسجّل مؤشر ثقة الشركات التابع لـ«ستاندرد آند بورز» أدنى مستوياته منذ يوليو 2022، في حين تراجع مؤشر الطلبات الجديدة إلى 52.5 نقطة، مقابل 53.3 في مارس، متأثراً بـ«تراجع صادرات الخدمات، بما في ذلك السياحة والخدمات عبر الحدود، إلى أدنى مستوى منذ يناير 2023».
ورغم تسجيل طلبيات التصنيع ارتفاعاً طفيفاً، فإنها لم تكن كافية لتعويض انخفاض الصادرات المتأثرة بالسياسات التجارية. وبلغت أسعار السلع والخدمات التي تفرضها الشركات أعلى مستوياتها في 13 شهراً، مرتفعة من 53.5 نقطة في مارس إلى 55.2، بدفع من قطاع التصنيع تحديداً.
وقال ويليامسون إن «هذه الزيادات في الأسعار ستنعكس حتماً على التضخم الاستهلاكي، ما قد يحد من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض الفائدة في وقت يبدو فيه أن التباطؤ الاقتصادي يستدعي تحفيزاً نقدياً».
وتراجع مؤشر التوظيف إلى 50.8 نقطة، مقابل 51.5 في مارس. بينما سجل مؤشر «PMI» التصنيعي ارتفاعاً طفيفاً إلى 50.7 نقطة، مقابل 50.2، في حين كان خبراء «رويترز» يتوقعون تراجعه إلى 49.1.
أما مؤشر «PMI» لقطاع الخدمات، فقد هبط إلى 51.4 نقطة، مقابل 54.4 في الشهر الماضي، بينما كانت التوقعات تشير إلى تراجعه إلى 52.5 نقطة.