ويأتي أداء النفط الحالي، رغم استمرار الصراع في منطقة الشرق الأوسط في ظل الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، ورغم تعطل الملاحة في البحر الأحمر وابتعاد العشرات من سفن النقل عن طريق قناة السويس ومخاوف اتساع الصدام حول الممرات البحرية التي تعد بوابة رئيسية لتدفقات النفط في العالم.
كما يأتي هذا الأداء رغم تمديد التخفيضات الرسمية وزيادة التخفيضات الطوعية من جانب أوبك+، ورغم ذلك ينخفض النفط 25 دولارًا عن ذروته منذ أقل من شهرين قبيل اندلاع الصراع في غزة، ورغم التوقعات السابقة بشأن ارتفاع أسعار النفط لتتجاوز مستويا الـ100 دولار على أقل تقدير وربما تذهب إلى مستويات قرب الـ160 دولاراً في حال اتسعت دائرة الصراع بالشرق الأوسط وفقًا لتوقعات جي بي مورغان والبنك الدولي، لكن النتيجة أن النفط لا يزال يحوم قرب مستويات الـ80 دولارًا للبرميل.
جنبًا إلى جنب والصورة المتوترة في الشرق الأوسط التي تهدد بشدة انتظام إمدادات النفط الخام من منطقة الشرق الأوسط، يأتي تمديد خفض الإنتاج الذي أقرته أوبك+ مع المزيد من التخفيضات الطوعية على غرار تخفيضات روسيا.
خفض توقعات برنت في 2024 بمقدار 10 دولارات للبرميل ما بين مستويات 70 و90 دولارًاغولدمان ساكس
وفي غضون ذلك، ارتفعت أسعار النفط هامشيًا، اليوم الأربعاء، بعد أن صعدت ما يقرب 1.5% في الجلسة السابقة بفعل المخاوف من اضطراب التجارة العالمية والتوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط في أعقاب هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر.
وخلال هذه اللحظات لا يزال النفط يحوم قرب مستويات أمس على ارتفاع هامشي، حيث يتداول خام برنت القياسي دون مستويات الـ80 دولارًا للبرميل.
وفي الوقت ذاته، تحوم العقود للخام الأميركي، خام غرب تكساس، دون مستويات الـ75 دولارًا للبرميل، خلال هذه اللحظات من تعاملات اليوم الأربعاء.
ورغم الارتفاعات الحاصلة فإن أسعار النفط تبتعد عن ذروة العام عندما اقتربت من مستويات الـ100 دولار قبيل اندلاع الحرب في غزة.
وفي توقعات سلبية لاتجاه الأسعار، فقد خفض غولدمان ساكس توقعاته لسعر خام برنت في 2024 بمقدار 10 دولارات للبرميل.
وتوقع محللو غولدمان ساكس أن يحوم متوسط خام برنت القياسي ما بين مستويات 70 و90 دولارًا للبرميل.
وعزى محللو غولدمان ساكس انخفاض الأسعار إلى أن الإنتاج القوي من الولايات المتحدة سيخفّف من أيّ صعود في أسعار النفط في 2024.
الإنتاج القوي من الولايات المتحدة سيخفّف من أيّ صعود في أسعار النفط في 2024غولدمان ساكس
ترى محللة سي إم سي ماركيتس، تينا تنغ، أن أسواق النفط ربما تكون عرضة للتقلبات في الجلسات المقبلة بفعل تداعيات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت تينا تنغ: "رغم استقرار أسعار النفط فإن المخاطر المحتملة الناجمة عن انقطاع الإمدادات والاضطرابات في الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسواق النفط".
وأكدت محللة سي إم سي ماركيتس أن أسواق النفط قد تواجه المزيد من الضغوط الصعودية إذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية.
وفي غضون ذلك، يرى محلل آي جي جون رونغ ييب أنه بالنظر إلى الاستجابة الجماعية السريعة من عدة دول للتخفيف من حدة الهجمات، فقد لا يوفر ذلك قناعة كبيرة بأن الاضطرابات قد تكون طويلة الأمد.
ولفت محلل آي جي إلى أن توقعات الأسواق بانقضاء تلك التوترات سريعًا أدت إلى زيادة التحفظات لدى المضاربين التي انعكست على أسعار النفط.
توقعات الأسواق بانقضاء التوترات سريعًا أدت إلى زيادة التحفظات لدى المضاربينجون رونغ ييب
ويرى بنك غولدمان ساكس أن انقطاع تدفقات الطاقة في البحر الأحمر لن يكون له على الأرجح تأثير كبير على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، إذ إن فرص إعادة توجيه السفن تعني أن الإنتاج يجب ألا يتأثر بشكل مباشر.
وقال غولدمان ساكس: "نقدر أن إعادة التوجيه الافتراضية طويلة الأمد لجميع تدفقات النفط الإجمالية البالغة سبعة ملايين برميل يوميا (شمالا وجنوبا) سترفع أسعار النفط الخام الفورية مقارنة بالأسعار طويلة الأجل بمقدار ثلاثة إلى أربعة دولارات للبرميل".
وقالت الوكالة في تقريرها الأخير: "تحولت معنويات سوق النفط إلى الاتجاه الهبوطي بشكل واضح في نوفمبر وأوائل ديسمبر، حيث تزامنت قوة العرض من خارج أوبك+ مع تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط".
وأضافت الوكالة أن "تمديد تخفيضات إنتاج أوبك+ حتى الربع الأول من عام 2024 لم يفعل الكثير لدعم أسعار النفط".
وتابعت الوكالة: "بحلول أوائل ديسمبر، كانت الأسعار قد انخفضت بنحو 25 دولاراً للبرميل من أعلى مستوياتها في سبتمبر، إلى أدنى مستوياتها في ستة أشهر".
الأسعار انخفضت بنحو 25 دولاراً للبرميل من أعلى مستوياتها في سبتمبر، إلى أدنى مستوياتها في ستة أشهرالطاقة الدولية
وكشفت وزارة الطاقة الأميركية، أمس الثلاثاء، أن الولايات المتحدة اشترت 2.1 مليون برميل من النفط الخام للتسليم في فبراير، ليصل إجمالي المشتريات إلى نحو 11 مليونا مع استمرارها في تجديد احتياطي البترول الاستراتيجي بعد أكبر عملية بيع في التاريخ العام الماضي.
وقالت مصادر نقلا عن بيانات من معهد البترول الأميركي إن مخزونات الخام والوقود الأميركية ارتفعت أيضا الأسبوع الماضي، على عكس توقعات المحللين بانخفاض مخزونات الخام في استطلاع أجرته "رويترز".
ويمر نحو 15% من حركة الشحن العالمية عادة عبر قناة السويس، وهي أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا، لتعبر بعد ذلك أيضا البحر الأحمر قبالة اليمن.
لكن الاضطرابات عطلت التجارة البحرية، إذ أعادت شركات شحن توجيه رحلاتها حول أفريقيا بدلا من ذلك، مما زاد تكاليفها ومدتها.
وقال ألبرت جان سوارت المحلل في بنك "إيه.بي.إن أمرو" إن "الشركات التي حولت مسار السفن مجتمعة تسيطر على نحو نصف سوق شحن الحاويات العالمية".
الشركات التي حولت مسار السفن مجتمعة تسيطر على نحو نصف سوق شحن الحاويات العالميةإيه.بي.إن أمرو
وصدرت توجيهات أميركية عاجلة صباح أمس الثلاثاء، لحاملة الطائرات الأميركية كارل فينسون بإنهاء مهمتها في بحر الصين والتحرك فوراً نحو البحر الأحمر ليرتفع عدد الحاملات إلى حاملتين.
وحاملات الطائرات التي سيكون لها دور في البحر الأحمر هما حاملة الطائرات أيزنهاور، وحاملة الطائرات كارل فينسون.
وقالت القيادة المركزية الأميركية في بيان، أمس الثلاثاء: "جماعة الحوثي اليمنية نفذت هجومين على سفينتين تجاريتين في جنوب البحر الأحمر الاثنين الماضي".
وفي وقت سابق قال رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول إن "سوق النفط على حافة الهاوية بسبب الأزمة الأخيرة في الشرق الأوسط".
وأضاف بيرول: "إذا حدث وكانت دولة أو أكثر من الدول المنتجة للنفط في المنطقة متورطة بشكل مباشر في الصراع، فقد نرى تداعيات ذلك".
وتعد منطقة الشرق مصدرًا لثلث صادرات النفط في العالم، بينما تمر أكثر من خمس صادرات النفط من مضيق هرمز.
ولفت بيرول إلى ثقة الأسواق باتت على حافة الهاوية، مشيرًا إلى تساؤل الجميع بشأن احتمال ارتفاع الأسعار ومخاوف انقطاع الإمدادات.
وقال التقرير: "يستمر نمو إمدادات النفط الأميركية في تحدي التوقعات، حيث تجاوز الإنتاج مستوى 20 مليون برميل يوميًا".
وأضاف التقرير: "سيؤدي هذا، إلى جانب الإنتاج القياسي في البرازيل وجويانا إلى جانب التدفقات الإيرانية المتزايدة، إلى رفع الإنتاج العالمي بمقدار 1.8 مليون برميل يوميًا إلى 101.9 مليون برميل يوميًا في عام 2023".
وستقود الدول غير الأعضاء في أوبك+ مرة أخرى المكاسب العالمية في عام 2024، والمتوقعة عند 1.2 مليون برميل يوميًا بعد تعميق أوبك+ تخفيضاتها الطوعية للنفط، وفقًا للطاقة الدولية.