في خضم التراجع العالمي عن المبادرات المناخية، تثبت بنوك الشرق الأوسط التزامها الراسخ بالاستثمارات الخضراء التي تعد فرصة استثمارية تقدر بتريليون دولار.
ورغم انسحاب المؤسسات العالمية من الصناديق المناخية وزيادة الشكوك حول جدوى التمويل المستدام، تسعى البنوك إلى تعزيز بنيتها التحتية المستدامة وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة.
ويرى الخبراء، أن قطاع التمويل الأخضر في المنطقة يمثل فرصة تقدر بتريليون دولار، مدعومة بالبنية التحتية المستدامة ومشاريع الطاقة المتجددة.
ازدادت الضغوط مع إصدار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً جديداً يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، رغم تجاوز العالم العام الماضي الحد الحرج المتمثل في ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية.
كما واجه تحالف البنوك الملتزمة بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية، والذي كان يضم أكثر من 140 بنكاً حول العالم، موجة انسحابات كبيرة، شملت بنوكاً كندية وأميركية، من بينها «مورغان ستانلي»، و«سيتي بنك»، و«بنك أوف أميركا»، والتي عزت انسحابها إلى تحديات تشغيلية.
ومع ذلك، لم تُظهر البنوك الكبرى في الشرق الأوسط، مثل «بنك أبوظبي التجاري»، و«البنك التجاري الدولي» في مصر، و«بنك أبوظبي الأول»، أي دلائل على الانسحاب، على الرغم من هذا الاتجاه العالمي.
وصف مدير ورئيس الاستثمار في «نيوفيجن ويلث مانجمنت» (Neovision Wealth Management) في أبوظبي، أشيش مارواه، نهج الاستثمار الأخضر في المنطقة بأنه «عقلاني لكنه قوي»، مضيفاً أنه على الرغم من تراجع الحماس العالمي تجاه الاستثمارات المرتبطة بالمناخ، إلا أن اهتمام الشرق الأوسط الاستراتيجي لا يزال قائماً.
وأشار تقرير صادر عن شركة «كيه بي إم جي» (KPMG)، المعنية بالاستشارات والخدمات المالية، إلى أن الاستثمارات الخضراء في دول مجلس التعاون الخليجي قد تسهم بما يصل إلى 2 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بحلول عام 2030، وذلك من خلال قطاعات مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية المستدامة.
وساهم «بنك أبوظبي الأول»، وهو أكبر بنك في الإمارات، في تمويل مشاريع مستدامة بقيمة 216 مليار درهم، أي ما يعادل 59 مليار دولار أميركي، ما يمثل 43% من هدفه لعام 2030 البالغ 500 مليار درهم.
رغم التراجع العالمي في تمويل التكنولوجيا المناخية، خصص المستثمرون في الشرق الأوسط 3.6 مليار دولار لهذا القطاع في عام 2024، وفقاً لتقرير صادر عن الشركة الاستشارية «بي دبليو سي» (PWC).
وانخفض تمويل التكنولوجيا المناخية عالمياً بنسبة 29% خلال العام الماضي، متأثراً بالضغوط الجيوسياسية والاقتصادية.
وعبّر المدير التنفيذي لوحدة الاستراتيجية في شركة أبوظبي الوطنية للطاقة (طاقة)، نويل عون، عن ثقته بإمكانات القطاع على المدى الطويل، قائلاً: «ستؤدي التكنولوجيا المناخية دوراً كبيراً في تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية».
إلى ذلك، تواصل الصناديق المستدامة تحقيق عوائد أعلى، إذ سجلت عوائد متوسطة بنسبة 12.6% في عام 2023، مقارنة بـ8.6% للصناديق التقليدية. ويؤكد المحللون على ضرورة التخطيط الاستراتيجي واعتماد نماذج تجارية مرنة لضمان استمرار نمو التمويل الأخضر.
على الرغم من تراجع الاهتمام العالمي بمعايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG)، يبقى رؤساء الشركات في الشرق الأوسط متفائلين.
وأظهر استطلاع لشركة «كيه بي إم جي» أن 56% من الرؤساء التنفيذيين في الإمارات يتوقعون تحقيق عوائد كبيرة على استثمارات ESG في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.
وأشار الرئيس التنفيذي للاستثمار في بنك «ستاندرد تشارترد»، مانبريت جيل، إلى أهمية التوازن في الاستثمار المستدام، قائلاً: «الأمر دائماً يتعلق بالعثور على التوازن المناسب».
وتعد الإمارات العربية المتحدة من الدول التي حددت هدفاً للوصول إلى انبعاثات كربونية صافية صفرية بحلول عام 2050.