سجل سوق الأسهم الأميركي أداءً قوياً في مستهل عام 2025، متجاوزاً تحديات اقتصادية متعددة، مع اقتراب المؤشرات الرئيسة من مستويات قياسية أو بلوغها بالفعل.
ووفقاً لتقرير نشره موقع «بيزنس إنسايدر»، حقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» رقماً قياسياً جديداً في 23 يناير الماضي، في حين واصل مؤشرا «ناسداك» و«داو جونز» الاقتراب من أعلى مستوياتهما.
يُعزى هذا الارتفاع بشكل رئيس إلى موجة تفاؤل واسعة بين المستثمرين والشركات والمستهلكين. فعلى مدار سنوات، بقيت المعنويات الاقتصادية ضعيفة رغم متانة الأسس الاقتصادية، في ظاهرة عُرفت بـ«الركود المعنوي».
إلا أن هذا الاتجاه شهد تحولاً جذرياً، حيث بلغت ثقة المستهلك بحلول نهاية عام 2024 أعلى مستوياتها خلال 3 سنوات، رغم تزايد المؤشرات التحذيرية التقليدية للأسواق والاقتصاد.
في يوليو 2022، وقبيل أشهر من بدء صعود مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، بلغت معنويات المستثمرين أدنى مستوياتها خلال عقد. لكن بحلول نوفمبر 2024، سجّل مسح اقتصادي لـ«مجلس المؤتمر» (Conference Board) مستوى قياسياً من التفاؤل، مع توقع عدد غير مسبوق من المشاركين ارتفاع سوق الأسهم خلال العام التالي.
عادة ما تتبع الانخفاضات الكبيرة في السوق فترات التراجع الاقتصادي، حيث يؤدي الركود إلى تراجع إنفاق المستهلكين، وانخفاض أرباح الشركات، وتجميد التوظيف، مما ينعكس سلباً على الأسهم.
وعلى الجانب الآخر، يكون التعافي مدفوعاً بعودة الثقة، حيث تميل الأسواق إلى الانتعاش قبل حوالي 3 أشهر من انتهاء الركود رسمياً.
تلعب معنويات المستثمرين دوراً أساساً في تحديد اتجاهات الأسواق المالية. فعند توقع الركود الاقتصادي، يميل السوق إلى تقديم أداء أفضل من المتوقع، حيث يبقى المستثمرون أكثر استعداداً لتقبل المخاطر في فترات الركود. ومع ذلك، قد يؤدي التفاؤل المفرط إلى تزايد المخاطر على الأسواق، حيث تصبح أكثر عرضة للتقلبات المفاجئة.
وتُعد مؤشرات الثقة الاقتصادية من الأدوات المهمة لتقييم دقة تقديرات المستثمرين للمخاطر. وتشير هذه المؤشرات، حالياً، إلى ارتفاع ملحوظ في التفاؤل العام.
ومع أن الثقة تُعد، غالباً، مؤشراً قوياً على قوة الاقتصاد، فإن الإفراط في التفاؤل قد يمثل في بعض الأحيان إشعاراً بضعف السوق.
يعود التفاؤل المتزايد في المعنويات إلى عدة عوامل، من بينها نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر 2024، إذ يرى بعض المحللين أن التوقعات بشأن إدارة تركز على النمو الاقتصادي والسياسات الوطنية قد عززت هذا التفاؤل.
أشارت كبيرة الاقتصاديين في «مجلس المؤتمر»، ستيفاني غيشارد، إلى أن عدداً أقل من المشاركين في المسح الذي أجراه المجلس أرجعوا تحسّن نظرتهم إلى العوامل السياسية مقارنة بالعام 2020.
بالإضافة إلى ذلك، تشير نتائج المسح إلى أن العديد من الأميركيين يرون أن الحياة أصبحت أكثر تكلفة، لكنهم تكيفوا مع الأوضاع الجديدة، حيث تجاوزت الأجور معدلات التضخم لـ 21 شهراً متتالياً.
وأظهرت تطابق 79% من التغيرات الشهرية في مؤشر سوق الأسهم الصادر عن «مجلس المؤتمر» مع تحركات مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» خلال العامين الماضيين، مقارنة بمتوسط 55% منذ العام 1987.
ومن بين التطورات البارزة، إطلاق «عملة ترامب الرقمية» التي وصلت إلى تقييم سوقي بقيمة 15 مليار دولار خلال 48 ساعة فقط، إضافة إلى انخفاض سهم شركة «إنفيديا» بنسبة 17% في شهر يناير 2025، بعد ظهور شركة «ديب سيك» الصينية، التي قدمت تقنية ذكاء اصطناعي بوظائف مماثلة، لكن بتكلفة أقل واستهلاك طاقة أقل.
غالباً ما سبقت فترات الثقة المفرطة في الأسواق تصحيحات حادة. ففي يناير 2018، سجل مؤشر ثقة المستثمرين الصادر عن «مجلس المؤتمر» أعلى مستوى له، قبل أن ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 10% خلال أسبوعين فقط. وبالمثل، بلغت الثقة مستويات قياسية في أوائل العام 2000، قبل انهيار فقاعة الدوت كوم، مما أدى إلى تراجع المؤشر بنسبة 49%.
وتشير البيانات الحالية إلى أوجه تشابه مع فترات سابقة من التفاؤل المفرط. فقد زادت استثمارات الأفراد والمؤسسات في الأسهم بشكل ملحوظ.
ووفقاً لـ«الجمعية الأميركية للمستثمرين الأفراد» (American Association of Individual Investors)، فإن نسبة مخصصات الأسهم لا تزال عند أعلى مستوياتها منذ العام 2021، بينما يُظهر استطلاع «بنك أوف أميركا» أن المستثمرين المحترفين يحتفظون بأقل نسبة من السيولة منذ عقدين.
رغم المخاوف من الثقة المفرطة، لا تزال الأسس الاقتصادية قوية. فالشركات تواصل التوظيف، والأرباح تنمو، وإنفاق المستهلكين مستقر.
كما حقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» مكاسب سنوية بنسبة 20% للعام الثاني على التوالي، متجاوزاً التحذيرات المتكررة من الركود.
وبينما يبدو انهيار السوق غير مرجح في المدى القريب، فإن اتباع نهج استثماري متوازن ومتنوع يبقى ضرورياً لمواكبة التطورات المتغيرة في الأسواق.