اﻷثنين 21 أبريل 2025 م
كشفت البنوك الكبرى في وول ستريت عن نتائجها للربع الأول من عام 2025، في خضم تصعيد السياسات التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب وارتفاع وتيرة المخاوف من تباطؤ اقتصادي وشيك.
وعلى الرغم من بريق أرقام التداول التي تجاوزت التوقعات مدفوعة بتقلبات السوق، فإن الصورة الأعمق تشير إلى حالة من الترقب والقلق تخيّم على أنشطة الإقراض والتمويل والاستثمار.
أدت اضطرابات السوق الناجمة عن الرسوم الجمركية إلى خلق بيئة مثالية لقطاع التداول، محققةً للبنوك الأميركية الكبرى إيرادات تجاوزت 37 مليار دولار – وهي الحصيلة الفصلية الأعلى منذ أكثر من عشر سنوات.
تصدّر «جيه بي مورغان» قائمة الإنجازات بزيادة قدرها 48% في إيرادات تداول الأسهم، في حين احتل «غولدمان ساكس» الصدارة بإيرادات بلغت 4.19 مليار دولار من التداولات. وحقق «مورغان ستانلي» قفزة مشابهة بنسبة 45%، فيما سجّل كل من «بنك أوف أميركا» و«سيتي غروب» نتائج قوية مدعومة بإعادة تموضع المستثمرين في بيئة اتسمت بحدة التقلبات.
لكن على الرغم من هذه النتائج اللامعة، يتوجب النظر إليها في سياقها الصحيح: فهي ترتكز على ظروف مؤقتة وغير قابلة للاستدامة بالضرورة، مما يجعلها غير كافية كمؤشر على صحة الاقتصاد الكلي.
بعيداً عن أضواء التداول، أظهرت البيانات مؤشرات أكثر تحفظاً في أنشطة الإقراض وصفقات الشركات. فقد جاء أداء «ويلز فارغو» دون التوقعات، نتيجة تباطؤ واضح في طلبات القروض من الأفراد والشركات على حد سواء – وهو ما يشير إلى تراجع الثقة الاقتصادية. كما سجل «غولدمان ساكس» تراجعاً بنسبة 8% في إيرادات أنشطة الاستثمار المصرفي، في ظل إحجام الشركات عن تنفيذ عمليات الدمج والاستحواذ أو الطروحات العامة الأولية.
أما البنوك التي أظهرت مرونة في إنفاق المستهلكين، فقد تبنّت بدورها نبرة حذرة. حيث أشار «بنك أوف أميركا» إلى جودة ائتمانية مستقرة وارتفاع محدود بنسبة 4% في إنفاق العملاء، بينما حقق «سيتي» عائدات قياسية في خدمات الأفراد، لكنه عزز مخصصاته لخسائر القروض تحسباً لاحتمالات تدهور اقتصادي لاحق.
تراوحت نبرة قادة البنوك الكبرى بين الحذر والتحفظ خلال الإفصاحات عن الأرباح. فقد وصف جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ«جيه بي مورغان»، المرحلة الراهنة بأنها تتسم بـ«اضطرابات كبيرة»، مشيراً إلى مخاطر جيوسياسية وتقلبات تجارية متنامية.
أما ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي لـ«غولدمان ساكس»، فدعا المستثمرين إلى التريث بانتظار وضوح أكبر على صعيد السياسات، في إشارة واضحة إلى قلق داخلي واسع النطاق.
في المقابل، أبدت جين فريزر، الرئيسة التنفيذية لـ«سيتي»، ارتياحاً مشروطاً بأداء البنك، لكنها لم تخفِ مخاوفها من تداعيات السياسات الجمركية المفاجئة لترامب على الآفاق المستقبلية.
هذا الإجماع الضمني بين كبار التنفيذيين يعكس هشاشة الثقة الاقتصادية، رغم الأرقام القياسية المعلنة.
تلخص نتائج البنوك الكبرى لهذا الربع في ثلاث رسائل جوهرية:
تشير نتائج الربع الأول إلى مفارقة واضحة: في الوقت الذي تتلألأ فيه أرباح التداول في تقارير وول ستريت، تتزايد مؤشرات القلق الكامن في أساسات الاقتصاد.
ومع استمرار اضطراب الأسواق العالمية بفعل سياسات ترامب التجارية، سيكون من الحكمة أن يتبنى المستثمرون نهجاً استراتيجياً بعيداً عن الانجرار وراء الأرباح اللحظية.
إن التوازن، والتنويع، والصبر، تبقى العوامل الأهم في بناء محافظ استثمارية قادرة على الصمود. وكما قال ديفيد سولومون: «قد يكون الوقت قد حان للتوقف.. وانتظار انقشاع الغيوم».
والخلاصة: تكمن، وراء أرباح وول ستريت القياسية، حالة من الحذر والترقب، والرسالة للمستثمرين واضحة وهي «لا تنخدع ببريق التداول – بل استعد لمسار اقتصادي مليء بالتقلبات والاختبارات».
