«فخ السيولة».. مصطلح اقتصادي يشير إلى حالة تصبح فيها السياسة النقدية التقليدية غير فعّالة في تحفيز الاقتصاد، حتى عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة للغاية أو قريبة من الصفر. في هذه الحالة، يحتفظ الأفراد والشركات بالسيولة النقدية (النقود) بدلاً من استثمارها أو إنفاقها، بسبب التوقعات السلبية حول الاقتصاد، أو بسبب انعدام الثقة في المستقبل الاقتصادي. وينتج عن ذلك انكماش اقتصادي، لأن الأموال لا تتدفق عبر الاقتصاد بشكل كافٍ لتحفيز النمو.
في التاريخ الاقتصادي المعاصر، وقعت اليابان في تسعينيات القرن الماضي في فخ السيولة، عندما حاولت الحكومة والبنك المركزي تحفيز الاقتصاد عبر تخفيض أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة جداً. لكن بسبب التشاؤم العام وفقدان الثقة، لم يؤدِّ ذلك إلى زيادة في الاستهلاك أو الاستثمار، مما جعل السياسات النقدية التقليدية غير فعّالة. وبالمثل، تواجه الصين حالياً تحديات شبيهة قد تجعلها معرضة لفخ السيولة، خصوصاً مع ارتفاع معدلات الادخار وعدم كفاءة الاستثمار.
في عام 1999، دعا الاقتصادي الأميركي بن برنانكي، الفائز بجائزة نوبل، إلى ما أسماه «العزيمة الروزفلتية»، على غرار نهج الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في التعامل مع الأزمات عبر الشجاعة والتجريب، حيث أكد على أهمية الزمن في استعادة التوازن الاقتصادي. كان برنانكي يرى أن طول بقاء الاقتصاد الياباني في «فخ السيولة» سيصعّب العودة إلى مسار النمو، وهو ما يستدعي سياسات جذرية لتغيير سلوك القطاع الخاص. وتبدو هذه الرؤية مشابهة إلى حد كبير لما تواجهه الصين اليوم.
انتهى النقاش تقريباً حول طبيعة التحديات الاقتصادية في الصين، حيث يُجمع العديد من الاقتصاديين على أن مشكلات الصين الحالية تشبه إلى حد كبير تلك التي واجهتها اليابان في التسعينيات. كلا الاقتصادين واجها قيوداً متشابهة تتعلق بمعدلات الادخار المرتفعة، والتي كانت تصل في الصين إلى 45% من الناتج المحلي الإجمالي منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001، مقارنةً بـ30%-40% في اليابان خلال الستينيات والثمانينيات.
يُعتبر الاعتماد الكبير على الاستثمار والادخار العالي مشكلة مزدوجة. فعلى الرغم من أنه يدعم النمو في البداية، فإنه بمرور الوقت، يؤدي إلى تراجع كفاءة رأس المال وظهور فقاعات اقتصادية، خصوصاً في القطاع العقاري. وقد أشارت تقارير اقتصادية إلى أن الصين قد وصلت إلى نقطة شبيهة باليابان، حيث أصبحت معدلات العائد على رأس المال منخفضة، وتدهورت كفاءة الاستثمارات، مما يعكس خللاً كبيراً في توزيع رأس المال.
يُعتبر ارتفاع الديون علامة مميزة أخرى للتشابه بين الاقتصادين. فقد قفزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليابان بأقل من 200% في السبعينيات إلى أكثر من 400% في التسعينيات. في المقابل، كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين حوالي 150% قبل الأزمة المالية العالمية، ولكنها تجاوزت الآن 360%.
أوجه التشابه بين الصين واليابان ليست متطابقة تماماً، لكنّها تشير إلى أن الصين قد تكون على وشك الدخول في فترة طويلة من النمو البطيء، لا سيما في ظل الانخفاض الكبير في عوائد الاستثمار وتضخم الأصول. ومع ذلك، فإن التحديات الصينية قد تكون أكثر تعقيداً من تلك التي واجهتها اليابان؛ إذ إن الصين تواجه هذا التباطؤ وهي لا تزال دولة ذات دخل متوسط، وتعاني من تفاوتات اجتماعية كبيرة، مقارنة باليابان التي كانت في وضع أفضل عند حدوث الأزمة.
هناك أيضاً عوامل خارجية تجعل وضع الصين أكثر صعوبة من اليابان. فقد استفادت اليابان من مرحلة العولمة السريعة ونمو الأسواق، بينما تواجه الصين حالياً مناخاً تجارياً معادياً، وتباطؤاً في النمو العالمي. أضف إلى ذلك، أن الهيمنة الصينية على النظام الاقتصادي الداخلي، تعني أن قرارات الحكومة تؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد، مما يجعل من الصعب على الصين الاعتماد على قوى السوق الحرة لتحفيز النمو كما فعلت اليابان.
لا تزال الصين تمتلك أدوات سياسية لمواجهة التحديات، حيث بإمكانها الاستفادة من سيطرتها على رأس المال وعدم قابلية عملتها للتحويل، لتجنب أزمات مشابهة للأزمات التي تواجهها الدول الغربية. لكن مع ذلك، فإن استمرار الصين في نموذجها القائم على الاستثمار المفرط، قد يعقّد المشهد أكثر، ما يتطلب إعادة النظر في الإستراتيجية الاقتصادية.