شهدت، بصفتي متخصصاً في مجال التكنولوجيا مع خبرة تمتد لسنوات في تقاطع الذكاء الاصطناعي وأمن الفيديو، العديد من التحولات الجذرية في صناعتنا. إلا أن التحول الذي نعيشه اليوم مع دخول عام 2025 لا يمكن مقارنته بأي تغيير شهدناه سابقاً. فنحن على أعتاب مرحلة جديدة من التحولات الجوهرية التي ستغير ليس فقط تصورنا لتكنولوجيا الأمان، بل ستعيد تشكيل طريقة تفاعلنا مع الذكاء الاصطناعي عبر مختلف القطاعات الصناعية. إن التكامل بين القدرات المتقدمة للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته العملية يفتح آفاقاً واسعة للابتكار وزيادة الكفاءة.
أهم التحولات المنتظرة هو ما يعرف بـ«عصر الأدوات الذكية»، وعلى عكس الأنظمة التقليدية للذكاء الاصطناعي التي تتبع خطوات محددة، تعد الأدوات الذكية أنظمة مستقلة قادرة على فهم السياقات، واتخاذ القرارات، وتنفيذ الأفعال بشكل مستقل. هذه الأدوات، التي تشبه روبوتات الدردشة الحالية، ولكنها أكثر تطوراً، تعتمد على أساليب توليدية قائمة على التدريب بدلاً من البرمجة الحتمية. بحلول عام 2025، سنشهد ظهور هذه الأدوات عبر مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات، بدءاً من تحليل الفيديو إلى الاستجابات الأمنية المؤتمتة.
يمكنك التفكير في الأدوات الذكية كزملاء رقميين قادرين على التعامل مع المهام المعقدة دون الحاجة إلى إشراف بشري مستمر. بإمكانهم الانتظار حتى تتحقق ظروف معينة، الاستجابة للمحفزات، أو اتخاذ قرارات من تلقاء أنفسهم عند اكتشاف المواقف ذات الصلة. الأهم من ذلك أنهم يتعلمون من تجاربهم، ويتكيفون مع الظروف الجديدة، تماماً كما يفعل المشغلون البشر. في مجال الأمان، هذا يعني أن الأنظمة يمكنها التعرف تلقائياً على التهديدات المحتملة، تنسيق الاستجابات، بل وتوقع الحوادث قبل حدوثها.
تكمن القوة الحقيقية لهذه الأدوات في قدرتها على التفكير والتكيف. على عكس البرمجيات التقليدية التي تتطلب برمجة صريحة لكل حالة، يمكن لهذه الأنظمة فهم السياق واتخاذ قرارات دقيقة. هذه القدرة ستغير كل شيء، بدءاً من التحكم في الوصول وصولاً إلى الاستجابة للطوارئ؛ ما يوفر بيئات أمان أكثر ذكاءً واستجابة.
مع تطور الذكاء الاصطناعي، نحن نشهد تحولاً محورياً من الأنظمة التي تحلل البيانات فقط إلى الأنظمة التي تتخذ إجراءات حاسمة. بينما تقيس المقاييس التقليدية مثل "الذكاء العقلي" (IQ) القدرة المعرفية، و"الذكاء العاطفي" (EQ) الوعي العاطفي، تظهر قدرة جديدة وهي القدرة على اتخاذ قرارات ذكية ومستقلة — "AQ" (معدل العمل). فكر في سيارات تسلا ذاتية القيادة التي لا تعالج فقط ظروف الطريق، بل تتنقل بسلاسة عبر المواقف المرورية المعقدة في الوقت الفعلي.
هذا التحول نحو الذكاء القائم على العمل هو أمر بالغ الأهمية في العمليات الأمنية. الأنظمة التقليدية تنبه المشغلين إلى المشكلات المحتملة؛ ما يتطلب تدخلاً بشرياً لإجراء الاستجابة. في المقابل، يمكن للأنظمة ذات الذكاء الاصطناعي العالي تقييم المواقف، بدء الاستجابات المناسبة، وتعديل الأفعال بناءً على التغيرات في الظروف. هذه القدرة ستغير طريقة تعاملنا مع إدارة الأمان؛ ما يجعل الأنظمة أكثر استباقية وأقل اعتماداً على الرقابة البشرية المستمرة.
هذه الأنظمة لن تقتصر على الأتمتة البسيطة، بل ستكون قادرة على تنسيق استجابات معقدة عبر عدة أنظمة فرعية، مثل التحكم في الوصول والاتصالات الطارئة؛ ما يؤدي إلى حلول أمان شاملة وأكثر فعالية. الأهم أن هذه الأفعال ليست مجرد استجابات مبرمجة مسبقاً، بل هي قرارات ذكية تستند إلى التحليل الفعلي في الوقت الفعلي والأنماط المستفادة.
على الرغم من هذه التطورات التكنولوجية، فإن الأدوار البشرية لا تختفي، بل تتطور. كما قال الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، "ليس الذكاء الاصطناعي هو من سيحل محلك، بل شخص يستخدم الذكاء الاصطناعي هو من سيفعل ذلك." سيكون النجاح في عام 2025 وما بعده مرتبطاً بقدرتنا على العمل جنباً إلى جنب مع هذه الأنظمة الذكية، واستخدامها لتعزيز قدراتنا بدلاً من استبدالنا بالكامل.
على غرار تطور البرمجة، اليوم يمكن للطلاب الصغار استخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لإنشاء برامج معقدة. هذه الديمقراطية في التكنولوجيا لا تلغي الحاجة إلى الخبرة البشرية، بل ترفع دورنا من أداء المهام الروتينية إلى اتخاذ القرارات عالية المستوى والإشراف. سيتعين على المتخصصين في الأمان تطوير مهارات جديدة تركز على إدارة وتوجيه أنظمة الذكاء الاصطناعي بدلاً من تنفيذ المهام الروتينية.
يكمن مفتاح النجاح في تعلم كيفية العمل مع الذكاء الاصطناعي كشركاء، لا كأدوات. كلما تعاونا بشكل أفضل، أصبحنا أكثر ذكاءً وأسرع. فالبشر يتفوقون في فهم السياق واتخاذ الأحكام الدقيقة والتعامل مع المواقف غير المتوقعة، وهي مهارات ستكون أكثر قيمة مع تحول المهام الروتينية إلى الأتمتة.
أصبح مجال الذكاء الاصطناعي أكثر تخصصاً وتعقيداً. نحن نشهد ظهور ثلاثة أنواع رئيسة من النماذج: نماذج اللغة الصغيرة (SLMs) للتطبيقات المتخصصة، نماذج اللغة البصرية (VLMs) المصممة خصيصاً لمعالجة الفيديو، والنماذج متعددة الوسائط الكبيرة (LMMs) التي يمكنها التعامل مع أنواع متعددة من البيانات في وقت واحد.
يمثل هذا التطور تحولاً من التحليلات التقليدية إلى أنظمة قائمة على التعلم الشامل. هذه النماذج لا تتبع قواعد مبرمجة مسبقاً فقط، بل تتعلم من كل حالة وتحسن استجابتها بمرور الوقت. هذا مهم بشكل خاص في تطبيقات المدن الذكية، حيث تحتاج الأنظمة إلى معالجة وفهم أنواع متعددة من البيانات في وقت واحد.
هذا التطور في نماذج الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تحول مواز في بنية الحوسبة. نحن ننتقل من المعالجة التقليدية باستخدام المعالج المركزي إلى المعالجات المتخصصة في الرسوميات (GPU)؛ ما يغير جذرياً طريقة تصميم الأنظمة وبرمجتها. بينما تستثمر الشركات التكنولوجية الكبرى ملايين الدولارات في تدريب النماذج الأساسية الكبيرة، يمكن لشركات الأمان الاستفادة من هذه الأسس لإنشاء تطبيقات متخصصة باستثمارات أقل.
الآن يمكن للعمليات الأمنية المتوسطة الحجم بناء قدرات فعّالة في الذكاء الاصطناعي باستثمار يتراوح بين مئتي ألف دولار وثلاثمئة ألف دولار في بنية تحتية تعتمد على معالجات الرسوميات، وهو مبلغ أقل بكثير مما كان مطلوباً في السنوات الماضية. هذه الديمقراطية في قدرات الذكاء الاصطناعي تعني أن حتى الشركات الأصغر يمكنها بدء تنفيذ حلول متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، على الرغم من حاجتها إلى التفكير جيداً في احتياجاتها وحالات الاستخدام الخاصة بها.
ما يجعل هذا التطور مهماً هو زيادة إمكانية الوصول لهذه التقنيات. رغم أن تدريب النماذج الكبيرة ما زال يتطلب موارد ضخمة، فإن المنظمات يمكنها الآن الاستفادة من النماذج المدربة مسبقاً لتطبيقات معينة؛ ما يجعل الذكاء الاصطناعي المتقدم أكثر وصولاً لعدد أكبر من المستخدمين. هذه الديمقراطية في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستسرع الابتكار عبر صناعة الأمان.
مع اقتراب عام 2025، سيصبح تطوير التكنولوجيا المسؤول عنصراً حاسماً في التميز التنافسي. لكن هذا لا يعني كبح الابتكار بسبب الحذر المفرط. المفتاح هو إيجاد التوازن المناسب، مع تحمل المخاطر المحسوبة مع الحفاظ على المعايير الأخلاقية وثقة المستخدم.
بالنسبة للشركات الأمريكية، يعني ذلك البقاء في صدارة الابتكار مع بناء الثقة مع المستخدمين وأصحاب المصلحة. كما يختار المستهلكون العلامات التجارية الموثوقة لهواتفهم وأجهزتهم الشخصية، فإن المنظمات ستختار شركاءها في تكنولوجيا الأمان بناءً على سجلهم في الابتكار المسؤول وتطبيق الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي.
التحدي يكمن في الحفاظ على هذا التوازن مع مواكبة التقدم التكنولوجي السريع. فكر في الأمر: هل ستثق بسيارة ذاتية القيادة من شركة ذات سمعة مشكوك فيها؟ نفس المبدأ ينطبق على تكنولوجيا الأمان — الأخلاق والثقة ليست مجرد ترف؛ إنها عوامل حاسمة. يتطلب هذا تطوير أطر عمل واضحة لحوكمة الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على القدرة على التكيف مع التقنيات وحالات الاستخدام الجديدة.
في ظل هذه التوجهات التكنولوجية الناشئة، من المهم التأكيد على حقيقة أساسية: «الذكاء الاصطناعي الجيد يعتمد على بيانات جيدة». المنظمات التي استثمرت في تحسين جودة البيانات بدأت في جني ثمار هذه الاستثمارات. على سبيل المثال، قد تكون بيئة أمنية تتطلب تفاعلاً متكرراً مع حالات طوارئ معينة، حيث توفر بيانات دقيقة ومحدثة قدرة أفضل على تقديم استجابات ذكية.
مفتاح النجاح في المستقبل سيكون في دمج بيانات دقيقة مع تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة؛ ما يمكن الأنظمة من اتخاذ قرارات أفضل وأسرع استناداً إلى البيانات الموثوقة في الوقت الفعلي.
إن المستقبل الذي نتحرك نحوه مشرق وجزء أساسي منه هو اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي كعامل مساعد. سيستمر في إحداث تحول جوهري في صناعة الأمان مع تقديم حلول مبتكرة وفعالة. المفتاح هو تعزيز التعاون بين الذكاء الاصطناعي والعنصر البشري لضمان استفادة الجميع من هذه التقنيات بطريقة مسؤولة وفعالة.