مع اقتراب نهاية العام، يقوم محللو "وول ستريت" بتلميع كراتهم البلورية لقراءة أداء الأسواق في العام المقبل. غالباً ما تكون هذه التوقعات متفائلة، لكن الحقيقة أن التنبؤ بمستقبل الأسواق المالية أمر معقد ومليء بالتحديات. على سبيل المثال، في عام 2022، توقعت شركة «غولدمان ساكس» أن يصل مؤشر (S&P 500) إلى 5100 نقطة، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً، حيث لم تتحقق تلك التوقعات.
تُعتبر التوقعات الاقتصادية للأسواق المالية الأميركية ذات أهمية كبيرة حتى بالنسبة للمستثمرين في أسواق أخرى مثل آسيا أو أوروبا؛ لأن الاقتصاد الأميركي والأسواق الأميركية مثل مؤشر (S&P 500) يُشكلان محوراً رئيسياً للنظام المالي العالمي.
تُؤثر تحركات الأسواق الأميركية، سواء من حيث النمو أو التراجع، بشكل مباشر وغير مباشر على الأسواق العالمية من خلال تدفقات رأس المال، وسلوك المستثمرين، والسياسات النقدية المرتبطة بالدولار الأميركي. وبالتالي، فهم التوقعات الاقتصادية للأسواق الأميركية يمكن أن يمنح المستثمرين رؤية أوسع حول اتجاهات الاقتصاد العالمي، ويساعدهم على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر وعياً ومرونة في أسواقهم المحلية.
في نهاية عام 2021، قام محللو «وول ستريت» بنشر توقعاتهم لعام 2022، حيث توقع العديد منهم استمرار النمو في الأسواق المالية. على سبيل المثال، توقعت بعض المؤسسات المالية الكبرى ارتفاع مؤشر S&P 500 بنسبة تقارب 9% خلال عام 2022.
ومع ذلك، جاءت النتائج الفعلية مخالفة لهذه التوقعات. شهدت الأسواق تراجعاً ملحوظاً، حيث انخفض مؤشر (S&P 500) بنسبة 19.4% خلال عام 2022؛ مما جعله رابع أكبر خسارة سنوية منذ الحرب العالمية الثانية.
هذا التباين بين التوقعات والواقع يسلط الضوء على التحديات المرتبطة بتنبؤ أداء الأسواق المالية، خاصة في ظل العوامل الاقتصادية والجيوسياسية غير المتوقعة التي قد تؤثر بشكل كبير على تلك التوقعات.
التنبؤ بأداء الأسواق يعتمد على مجموعة من العوامل:
1. النمو الاقتصادي: يجب أن يكون مستداماً.
2. معدلات الفائدة والتضخم: تحتاج إلى الانخفاض إلى مستويات مستقرة.
3. أرباح الشركات: يجب أن تستمر في النمو بمعدلات مرتفعة.
لكن في الواقع، يصعب تحقق هذه العوامل معاً، خاصة في ظل الأحداث غير المتوقعة مثل الحروب التجارية، الأوبئة، أو التغيرات السياسية. هذه الأحداث دائماً ما تؤثر في الأسواق، وعلى عواطف المستثمرين بشكل يصعب التنبؤ به.
بالنظر إلى توقعات مؤشر (S&P 500) لعام 2025، نلاحظ تفاوتاً في التقديرات بين المحللين:
• التوقع الأكثر تفاؤلاً: ارتفاع المؤشر إلى 7294 نقطة، بزيادة 19.5% إذا استمرت السيولة إيجابية وتجنب الاقتصاد الركود.
• التوقع المعتدل: ارتفاع طفيف بنسبة 3% إلى 6288 نقطة في حالة «الهبوط الناعم» للاقتصاد.
• التوقع السلبي: انخفاض بنسبة 20% إلى 4880 نقطة في حالة دخول الاقتصاد في ركود.
حتى في السيناريوهات المتفائلة، هناك تحديات تواجه الأسواق:
• السياسة النقدية: إذا استمر الاحتياطي الفيدرالي في تخفيف السياسة النقدية (خفض الفائدة)؛ فقد يؤدي ذلك إلى تخفيف الضغوط التضخمية، لكن في الوقت ذاته قد يكون مؤشراً على تباطؤ اقتصادي.
• التقييمات الحالية: الأسواق تتداول حالياً بمستويات مرتفعة جداً، ما يجعل من الصعب الحفاظ على هذا الزخم دون نمو حقيقي في أرباح الشركات.
بدلاً من الاعتماد على التوقعات، يُنصح المستثمرون بتحليل البيانات الحالية، فهم ما حدث في الماضي، وتحديد المخاطر المستقبلية. كما يجب أن يكونوا مستعدين للتعامل مع أحداث غير متوقعة قد تؤثر في الأسواق.
الاستثمار الناجح يعتمد على الصبر والانضباط أكثر من التنبؤ بالمستقبل.
بينما تبقى التوقعات جزءاً من تقاليد "وول ستريت" السنوية، فإن الواقع قد يكون مختلفاً تماماً. التقييمات العالية للأسواق اليوم تعني أن هناك مخاطر كبيرة بحدوث تراجع في الأداء. يجب أن يركز المستثمرون على المدى الطويل، وأخذ الحيطة في قراراتهم الاستثمارية.
توقعات مؤشر (S&P 500) لعام 2025: رؤية مبسطة للمستثمرين
مع اقتراب نهاية عام 2024، تتجه أنظار المستثمرين والمحللين نحو توقعات أداء مؤشر (S&P 500) في عام 2025. يُعتبر هذا المؤشر مقياساً رئيساً لأداء أكبر 500 شركة أميركية من حيث القيمة السوقية، وبالتالي يُعد مؤشراً هاماً لصحة الاقتصاد الأميركي.
لفهم التوقعات المستقبلية، من المهم النظر إلى الأداء التاريخي للمؤشر. على مدى العقود الماضية، حقق مؤشر (S&P 500) متوسط عائد سنوي يقارب 10%، مع تقلبات تتأثر بالأحداث الاقتصادية والسياسية. على سبيل المثال، في عام 2024، ارتفع المؤشر بنسبة تزيد عن 24%، مدفوعاً بنمو قوي في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
تتفاوت التوقعات لأداء المؤشر في عام 2025 بين المحللين، ولكن هناك اتفاقاً عاماً على استمرار النمو، وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بالسنوات السابقة. فيما يلي بعض التوقعات البارزة:
• غولدمان ساكس: يتوقع محللو البنك ارتفاع المؤشر إلى 6500 نقطة بنهاية عام 2025، مما يمثل زيادة بنسبة 9% عن المستويات الحالية، مع عائد إجمالي يبلغ 10% عند تضمين الأرباح الموزعة.
• دويتشه بنك: يتوقع البنك وصول المؤشر إلى 7000 نقطة بنهاية عام 2025، مما يشير إلى زيادة بنسبة 17%. يُعزى هذا النمو إلى زيادة الأرباح بنسبة 11.6% وسياسات اقتصادية داعمة للنمو.
• بنك أوف أميركا: يتوقع البنك وصول المؤشر إلى 6666 نقطة في عام 2025، مما يمثل زيادة بنسبة 10% عن المستويات الحالية. يُعزى هذا النمو إلى سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترامب المؤيدة للنمو، مثل تخفيض الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية.
تستند هذه التوقعات إلى عدة عوامل رئيسية:
1. النمو الاقتصادي: يتوقع المحللون استمرار النمو الاقتصادي بمعدل 2.5% في عام 2025، وهو أقل قليلاً من معدل 2.8% المسجل في عام 2024.
2. أرباح الشركات: من المتوقع أن تستمر أرباح الشركات في النمو، مما يدعم ارتفاع المؤشر. على سبيل المثال، يتوقع دويتشه بنك زيادة في الأرباح بنسبة 11.6% في عام 2025.
3. السياسات الحكومية: من المتوقع أن تؤثر سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، مثل فرض التعريفات الجمركية وتخفيض الضرائب، على أداء السوق. قد تؤدي هذه السياسات إلى زيادة التضخم وتقوية الدولار الأميركي، مما يؤثر في ربحية الشركات.
4. السياسة النقدية: من المتوقع أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في تخفيف السياسة النقدية من خلال خفض أسعار الفائدة، مما يدعم الأسواق المالية. ومع ذلك، قد يؤدي ارتفاع التضخم إلى تأخير هذه التخفيضات.
على الرغم من التوقعات المتفائلة، هناك مخاطر قد تؤثر سلباً على أداء المؤشر في عام 2025:
• التضخم: قد تؤدي سياسات التحفيز المالي والتعريفات الجمركية إلى زيادة التضخم، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تأخير خفض أسعار الفائدة.
• التوترات التجارية: قد تؤدي السياسات التجارية الجديدة إلى توترات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين، مما يؤثر في أداء الشركات الأميركية.
• التقييمات المرتفعة: يتداول المؤشر حالياً عند مضاعفات ربحية مرتفعة، مما قد يجعل الأسواق أكثر عرضة للتصحيحات في حالة حدوث صدمات اقتصادية أو سياسية.
في ظل هذه التوقعات والمخاطر المحتملة، يُنصح المستثمرون بما يلي:
• تنويع المحفظة: توزيع الاستثمارات عبر قطاعات وأصول مختلفة لتقليل المخاطر المحتملة.
• متابعة الأخبار الاقتصادية والسياسية: البقاء على اطلاع بالتطورات التي قد تؤثر في الأسواق المالية.
• الاستثمار طويل الأجل: التركيز على الأهداف الاستثمارية طويلة الأجل وتجنب القرارات القائمة على التقلبات قصيرة الأجل.
• مستشار مالي: الحصول على نصائح متخصصة تتناسب مع الأهداف والاحتياجات الشخصية.
بينما تشير التوقعات إلى استمرار نمو مؤشر (S&P 500) في عام 2025، يجب على المستثمرين أن يكونوا واعين بالمخاطر المحتملة والتقلبات التي قد تؤثر في الأسواق. الاستثمار المدروس والمبني على فهم عميق للعوامل المؤثرة سيكون دائماً الأساس لتحقيق النجاح في الأسواق المالية.