يُمثل السند أداة دخل ثابتة، يُقرض بموجبها فردٌ أو كيانٌ ما مبلغاً من المال لحكومة أو شركة بسعر فائدة مُحدد ولأجل مُحدد، ويلتزم المُقترض بسداد أصل المبلغ مع الفوائد المُستحقة.
وتوجد علاقة عكسية بين عوائد السندات وأسعارها؛ فارتفاع العائد يُقابله انخفاض في السعر، والعكس صحيح.
ويُمكن فهم هذه العلاقة من خلال مفهوم "المدة" (Duration)، الذي يُعبّر عن مدى تأثر سعر السند بالتغيرات في أسعار الفائدة.
وتُستخدم السندات عادةً كأداة لتنويع المحفظة الاستثمارية، إذ تُساهم في تخفيف المخاطر وحماية رأس المال خلال فترات انكماش الأسواق، حيث تتفاوت آجال استحقاق السندات من بضعة أشهر إلى سنوات عديدة.
في سياق هذه الفرصة الاستثمارية، سنُركز على السندات الحكومية قصيرة الأجل (1-3 سنوات)، والسندات الحكومية الأميركية طويلة الأجل (10-30 سنة).
• الحساسية لتغيرات أسعار الفائدة
تتميز السندات قصيرة الأجل بحساسية أقل لتغيرات أسعار الفائدة، نظراً لقصر أجل استحقاقها، ما ينعكس على انخفاض "مدتها".
وبما أنها تُسدد خلال فترة وجيزة، فإنها تُقلل من احتمالية التخلف عن السداد أو التقلبات السعرية الحادة. لذلك، تُعد هذه الصناديق أدوات استثمارية منخفضة المخاطر والتقلب، ويُفضلها المستثمرون في حال توقع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة أو ثباتها عند مستويات عالية.
في المقابل، تُعتبر السندات طويلة الأجل أكثر حساسية لتغيرات أسعار الفائدة، ولها "مدة" أطول، ما يزيد احتمالية التقلبات السعرية الكبيرة تبعاً لتغيرات أسعار الفائدة. يُفضل المستثمرون هذه السندات عند توقع بلوغ أسعار الفائدة ذروتها وبدء دورة انخفاض قريبة.
• السيولة
تتمتع السندات قصيرة الأجل بسيولة أعلى عموماً مقارنةً بالسندات طويلة الأجل، ما يُسهل عمليات بيعها وشرائها، ويعود ذلك إلى نشاط سوق السندات قصيرة الأجل. في المقابل، قد تشهد السندات طويلة الأجل انخفاضاً في سيولتها، خاصةً في ظروف عدم اليقين الاقتصادي أو تقلبات الأسواق، كما هو الحال في الوضع الاقتصادي الراهن.
من بين أبرز صناديق السندات قصيرة الأجل صناديق المؤشرات المتداولة مثل صندوق «آي شير» للسندات لآجال من 1-3 سنوات، وصندوق «شواب» للسندات الأميركية قصيرة الأجل، وصندوق «فانغارد» للسندات قصيرة الأجل.
وتتميز هذه الصناديق بحجم أصول مُدارة كبير، ونسبة نفقات منخفضة، وأداء قوي بشكل عام، على سبيل المثال، حققت هذه الصناديق عائداً إجمالياً يُقارب 4% خلال عام واحد، مُقارنةً بعائد سلبي قدره -3% للصندوق.
بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في شهر سبتمبر 2024، أول خفض لأسعار الفائدة منذ 4 سنوات، ليُصبح النطاق المُستهدف 4.25%-4.5% بحلول شهر ديسمبر الماضي.
وتُشير التوقعات لعام 2025 إلى نمو اقتصادي أقوى وانخفاض في معدلات البطالة. ومع ذلك، تم رفع توقعات التضخم من 2.2% إلى 2.5%، مع توقعات باستمرارها أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
في ضوء ظروف السوق الحالية، يُرجح بقاء عوائد السندات الأميركية عند مستويات مرتفعة، ضمن نطاق 4% إلى 4.75% خلال العام القادم (المصدر: مورغان ستانلي).
في ظل النمو الاقتصادي المُستقر، واستقرار معدل البطالة، واستمرار توقعات التضخم، تراجع الإقبال على السندات طويلة الأجل مع انخفاض التوقعات بخفض أسعار الفائدة خلال العام.
تتبنى الأسواق حالياً نهج "الترقب والانتظار" لتقييم الأوضاع الاقتصادية والتأثير المُحتمل لسياسات ترامب، مع تسعير السوق لاحتمالية خفضيّن لسعر الفائدة تقريباً.
علاوة على ذلك، تُعاني الحكومة الأميركية من عجز في الميزانية (إنفاق يفوق الإيرادات الضريبية) يُقارب ترليوني دولار، ومن المُتوقع استمرار هذا الوضع.
ما يستلزم إصدار سندات لتمويل هذا العجز، سيكون جزءاً كبيراً منها سندات طويلة الأجل (10 إلى 30 سنة). من شأن زيادة المعروض من السندات طويلة الأجل أن يُمارس ضغطاً على الأسعار، ويُبقي أسعار الفائدة على هذه السندات مُرتفعة.
بالإضافة إلى ذلك، يطالب المستثمرون بعوائد أعلى على السندات طويلة الأجل كتعويض عن المخاطر المُحتملة، مثل التضخم أو التغيرات الاقتصادية على المدى الطويل. كما يُتوقع ارتفاع أسعار الفائدة على السندات لأجل 10 سنوات بنحو 1.3%، ما يزيد الضغط على أسعار السندات طويلة الأجل.
تُشير جميع هذه العوامل مجتمعة إلى أن عوائد السندات طويلة الأجل من المُرجح أن تظل مُرتفعة ومُتقلبة خلال الأشهر القادمة، ما يجعل السندات قصيرة الأجل خياراً استثمارياً جذاباً.
يُوفر سوق صناديق السندات قصيرة الأجل فرصة استثمارية واعدة، نظراً لحساسية هذه الصناديق المنخفضة لتقلبات أسعار الفائدة.
وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي الحالي الذي يشهد نمواً مُرتفعاً وعدم يقين بشأن التضخم، فإن السندات قصيرة الأجل تُوفر عوائد مُعدلة حسب المخاطر، أفضل مُقارنةً بالسندات طويلة الأجل، مع وجود احتمالية استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول، أو حتى زيادتها في أسوأ السيناريوهات.
كما يُوفر الاستثمار في صناديق قصيرة الأجل للمستثمرين إمكانية تحقيق دخل مُنتظم مع الحفاظ على المرونة في الأوقات غير المُستقرة، ويُساعد أيضاً في تثبيت عوائد أعلى دون تعريض المستثمرين لتقلبات السندات طويلة الأجل.