تحركات حكومية متواصلة في تونس، لمواصلة السيطرة على التضخم في 2025، بعد نجاح جزئي العام الماضي، وسط دعوات للعمل بشكل مستمر على تحسين الإنتاج المحلي بشكل يضمن استقرار الأسعار.
ووفقاً للبيانات الصادرة عن المعهد الوطني التونسي للإحصاء، سجّل معدل التضخم في تونس بنهاية العام الماضي 7%، مقارنةً بـ9.3% خلال عام 2023.
ومع انخفاض التضخم بنحو 2.3% خلال العام الماضي، يشير بعض خبراء الاقتصاد إلى نجاح الإجراءات الاقتصادية التي أسهمت في زيادة الإنتاج والاستثمار، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على الأسواق، لكن البلاد لا تزال بحاجة إلى المزيد من الإجراءات.
يعتبر المحلل المالي السابق في البورصة التونسية معز حديدان، أن إبقاء البنك المركزي التونسي على سعر فائدة مرتفع عند 8% أسهم في تراجع التضخم خلال العام الماضي.
وفي حديثه مع «إرم بزنس»، يوضح حديدان، أن البنك المركزي سعى إلى تبني سياسة نقدية تُعطل نوعاً ما تسارع نسبة القروض، سواءً بالنسبة للشركات أم المستهلكين، ما ساعد في الحد من ارتفاع الأسعار واستقرار الأسواق.
ويتوقع أن تتراجع نسبة التضخم إلى نحو 6% خلال العام الجاري في حال استمر البنك المركزي في تطبيق سياسته النقدية الحالية، دون اللجوء إلى سياسة التيسير النقدي التي قد تزيد من مخاطر عودة التضخم للارتفاع مجدداً.
في 29 ديسمبر الماضي، قرر البنك المركزي التونسي الإبقاء على سعر الفائدة الرئيس ثابتاً عند 8%، مواصلاً اتباع سياسة نقدية حذرة لمواجهة المخاطر التضخمية المستمرة.
بالإضافة إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي والشريك المؤسس في شركة (AWT Audit & Conseil) أنيس الوهابي، أن الإجراءات الحكومية التي ركزت على تحسين العرض المحلي عبر ضبط شبكات توزيع المواد والسلع الأساسية، وساعد هذا في الحد من المضاربات التي تساهم في زيادة الأسعار.
وينبه الوهابي خلال حديثه مع «إرم بزنس» إلى أنه رغم هذا التحسن في خفض معدل التضخم، يبقى التحدي الأكبر هو استدامة هذا النجاح على المدى الطويل.
ولمواصلة مسار الانخفاض في معدل التضخم، تحتاج الحكومة إلى العمل بشكل مستمر على تحسين الإنتاج المحلي، خاصة في القطاع الفلاحي والصناعي، وتقديم المزيد من الدعم للمستثمرين المحليين والأجانب لتوسيع النشاط الاقتصادي بشكل يضمن استقرار الأسعار على المدى البعيد، وفق مراقبين.
وبرأي الخبير الاقتصادي في برنامج (Eco Mag)، وليد الكسراوي، فإن انخفاض معدل التضخم يعكس تأثير الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال العام الماضي لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، مع التركيز على تعزيز الإنتاج وتلبية احتياجات الاستهلاك.
ويشير الكسراوي، في حديثه مع «إرم بزنس»، إلى أن الحكومة نجحت في تبني مجموعة من الإجراءات لمكافحة ارتفاع الأسعار، أبرزها تعزيز الرقابة على شبكات التوزيع، وتنظيم حملات مكثفة لمنع الممارسات الاحتكارية والتلاعب بالأسعار، خصوصاً في الأسواق المنظمة.
كما يعتبر أن تشديد العقوبات على التجار المخالفين كان جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الحكومية الهادفة إلى تحفيز التجار على الالتزام بالقوانين، ومكافحة أي سلوكيات قد تسهم في زيادة التضخم.
ووفق الكسراوي، فإن جهود الدولة في تعزيز الإنتاج المحلي للحد من الاعتماد على الاستيراد، الذي يزيد الأسعار بفعل تقلبات السوق العالمية ويفاقم من ظاهرة «التضخم المستورد»، انعكست إيجاباً على خفض التضخم خلال العام الماضي.
وتراجعت قيمة الواردات الغذائية في 2024، بنسبة 12.5% لتصل إلى 5.61 مليار دينار، ما يعادل 8.3% من إجمالي الواردات. كما سجلت واردات الحبوب انخفاضاً بنسبة 22%، حيث بلغت قيمتها 2.71 مليار دينار، ووفقاً للبيانات الصادرة عن المعهد الوطني التونسي للإحصاء.
كما عملت الحكومة على تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، ما أسهم في دعم الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة، خاصة في قطاعي الزراعة والصناعة، وفق الكسراوي.
وخلال العام الماضي، شهدت الاستثمارات الصناعية في تونس ارتفاعاً بنسبة 9.6%، إذ بلغت قيمتها 2.58 مليار دينار تونسي (نحو 804 ملايين دولار)، وذلك عبر التصريح بـ3340 مشروعاً، وفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة النهوض بالصناعة والتجديد في تونس.
في المقابل، قالت الخبيرة الاقتصادية التونسية خلود التومي، في حديث لـ«إرم بزنس»، إن الحكومات التونسية المتعاقبة منذ عام 2021، فشلت في وضع برنامج اقتصادي متكامل وقابل للتنفيذ على المدى القصير والمتوسط، مع غياب رؤية اقتصادية واضحة، الأمر الذي كان له تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي وأدى إلى تفاقم الأزمات.
ووفق التوني، فإن رفع سعر الفائدة أدى إلى زيادة تكلفة الاقتراض بالنسبة للمستثمرين، ما أدى إلى تقليص حجم الاستثمارات وإحباط المستثمرين الجدد في ظل مناخ اقتصادي مضطرب، وبالتالي تباطؤ النشاط الاقتصادي.
وسجل الاقتصاد التونسي نمواً محدوداً بنسبة 1% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2024، وفقاً للمعهد الوطني للإحصاء. فيما تستهدف الحكومة نمواً 3.2% خلال العام الجاري.
ورغم التوقعات بتراجع معدل التضخم إلى 6.9% في عام 2025، تظل التحديات قائمة، خاصة مع استمرار الضغوط التضخمية المستوردة وضعف الاستثمارات المحلية والأجنبية.
ولتحقيق استقرار اقتصادي على المدى الطويل، يتطلب الأمر إصلاحات جريئة في السياسات النقدية والضريبية، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد، وتحسين مناخ الأعمال لجذب الاستثمارات، بحسب ما ذكره أستاذ المالية الدكتور بشير طنجان، لـ«إرم بزنس».