تطور مصطلح «الاستراتيجية الاقتصادية» ليصبح جانباً حاسماً في السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً مع استخدامه الأخير والأبرز من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وفي 10 ديسمبر، وخلال كشفه عن تعيينات جديدة، أعلن ترامب ترشيح جاكوب هيلبرغ لتولي منصب وكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة.
ترامب أكد أن هيلبرغ سيتولى مسؤولية توجيه سياسة الوزارة في مجال «الاستراتيجية الاقتصادية»، مع التركيز على تعزيز الأمن الاقتصادي والنمو الأميركي، إلى جانب ترسيخ هيمنة التكنولوجيا الأميركية عالمياً.
اكتسبت فكرة «الاستراتيجية الاقتصادية»، وفقاً لتقرير نشرته «بلومبرغ»، أهمية خاصة في خطاب ألقته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون عام 2011. خلال هذا الخطاب، أبرزت كلينتون دور هذه الاستراتيجية في توظيف القوة الاقتصادية الأميركية لتحقيق أهداف دبلوماسية.
وأكدت كلينتون حينها أن «القوة الاقتصادية لأميركا وقيادتنا العالمية هما صفقة واحدة»، مشيرة إلى أن هذه القوة تمنح الولايات المتحدة النفوذ اللازم للتأثير في الشؤون الدولية، مع تعزيز حضورها العسكري والدبلوماسي.
منذ تصريحات كلينتون، أصبحت «الاستراتيجية الاقتصادية» جزءاً متزايد الأهمية في السياسة الخارجية الأميركية. وفي ظل إدارة ترامب، شهد هذا المفهوم تطوراً ملحوظاً، حيث تصاعدت وتيرة استخدام أدوات مثل التعريفات الجمركية، وقيود الاستثمار، وحصص الصادرات، والإعانات لتعزيز الأهداف الاقتصادية والدبلوماسية للولايات المتحدة.
ولم يعد توسيع «الاستراتيجية الاقتصادية» حكراً على الولايات المتحدة، حيث أشار تقرير صادر عن «مجموعة بوسطن الاستشارية» في 29 أكتوبر إلى أن الاقتصادات الكبرى الأخرى تبنت أيضاً استراتيجيات مشابهة. وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى استغلال قوتها الاقتصادية وسط تصاعد التنافس الجيوسياسي على الساحة العالمية.
أوضح تقرير المجموعة أن الدول باتت تتجه بشكل متزايد نحو التصرف بشكل أحادي، مع تراجع دور المؤسسات الاقتصادية متعددة الأطراف. وأدى هذا التحول إلى إيجاد مشهد اقتصادي دولي أكثر تعقيداً وديناميكية.
ومع تزايد أهمية هذه الأدوات، دعا داليب سينغ، أحد المسؤولين في إدارة بايدن، إلى تبني مبدأ واضح للاستراتيجية الاقتصادية يحدد قواعد استخدامها. كما أعرب عن دعمه لاستخدام أدوات «إيجابية»، مثل ضمانات القروض السيادية وصناديق الثروات السيادية، بهدف جذب الحلفاء الدوليين إلى تبني الرؤية الأميركية بشأن مختلف القضايا الدولية.
ومع ذلك، أشار تقرير «بلومبرغ» إلى تراجع دور الاتفاقات التجارية، التي كانت تُعتبر سابقاً أداة رئيسية لتعزيز القوة الاقتصادية الأميركية. وقد فقدت هذه الاتفاقات أهميتها بشكل ملحوظ منذ انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ في عام 2017.
وبدلاً من ذلك، ركزت السياسة الأميركية بشكل أكبر على استخدام التعريفات الجمركية واتباع نهج أحادي يرتكز على مبدأ «الفوز الكلي» في إدارة الدبلوماسية الاقتصادية.
في خطابها عام 2011، تم سؤال هيلاري كلينتون عن خطر نشوب حرب تجارية مع الصين؛ بسبب المخاوف من التلاعب بالعملة، إذ كانت كلينتون تشير إلى أهمية الاستراتيجية الاقتصادية في التعامل مع مثل هذه القضايا. وبالفعل، في السنوات التالية، صنفت الولايات المتحدة الصين كدولة تتلاعب بالعملة، مما أدى إلى اندلاع حرب تجارية بين البلدين. بالتالي، فإن ما نُوقِش في ذلك الخطاب أصبح واقعاً ملموساً في السياسة التجارية الأميركية تجاه الصين.
وفي السياق نفسه، أكد التقرير أن دور الاستراتيجية الاقتصادية في السياسة الخارجية الأميركية المستقبلية لا يزال غير واضح، ولكن من المؤكد أن إدارة ترامب القادمة ستواصل إعطاء الأولوية لاستخدامها كأداة مركزية في الدبلوماسية.