logo
اقتصاد

حرب أوكرانيا وعودة ترامب.. ماذا ينتظر الاقتصاد العالمي في 2025؟

حرب أوكرانيا وعودة ترامب.. ماذا ينتظر الاقتصاد العالمي في 2025؟
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يصافح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد اجتماع ثلاثي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه في باريس، فرنسا، 7 ديسمبر 2024المصدر: رويترز
تاريخ النشر:16 ديسمبر 2024, 02:56 م

مع اقتراب الحرب بين روسيا وأوكرانيا من دخول عقدها الثاني في العام المقبل، تتزايد المؤشرات على إمكانية الوصول إلى حلٍ محتمل، خاصة مع إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن يتولى منصبه في البيت الأبيض بحلول يناير 2025. في ظل هذا السياق، تطرح تساؤلات كثيرة حول إمكانية وضع حدٍ لهذه الحرب التي أدت إلى سنوات من العداء والعنف وسفك الدماء في المنطقة.

من المهم الإشارة إلى أن الحروب الممتدة، مثل حرب أوكرانيا الحالية، قد تنتهي بثلاثة سيناريوهات رئيسة: الأول يتمثل في انتصار أحد الأطراف المتحاربة، الثاني في استسلام أحد الطرفين ووقف الهجوم، أما الثالث فيتعلق بتوقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار بوساطة قوى دولية.

في هذا السياق، ستعتمد التطورات المستقبلية بشكل كبير على المواقف التي ستتخذها الولايات المتحدة، التي تعد لاعباً رئيساً في الساحة الدولية. قرار واشنطن بشأن دعمها العسكري والسياسي لأوكرانيا، أو ربما تبني سياسة جديدة تحت إدارة ترامب، قد يكون له تأثير بالغ على مسار الحرب.

أخبار ذات صلة

التوتر بين روسيا وأوكرانيا.. صراع يُشعل تقلبات الأسواق العالمية

التوتر بين روسيا وأوكرانيا.. صراع يُشعل تقلبات الأسواق العالمية

التكلفة البشرية

لفهم أبعاد هذه الحرب، التي تُعد الأكثر دموية في هذا القرن، يجب العودة إلى جذور الأزمة التي بدأت عام 2014 مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والذي شكل بداية تحول كبير في العلاقات الدولية، وأدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة. هذا التصعيد تطور ليصبح إحدى أبرز الأزمات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، حيث بدأت القوى الكبرى تتدخل بشكل غير مباشر أو مباشر، الأمر الذي زاد تعقيد الوضع.

في فبراير 2022، اختارت روسيا تصعيد الصراع بشكل غير مسبوق، فأطلقت غزواً شاملاً لأوكرانيا في خطوة كانت تهدف إلى تحقيق انتصار سريع. إلا أن المقاومة الأوكرانية كانت أكبر من التوقعات الروسية، وتحولت الحرب إلى صراع طويل الأمد. لعب الدعم الغربي، ولا سيما العسكري من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، دوراً محورياً في تمكين أوكرانيا من التصدي للهجوم الروسي، بل وزيادة قدراتها على الصمود في وجه الهجوم.

وقد كانت الخسائر البشرية على الجانبين ضخمة، إذ سجلت تقارير صادرة عن السلطات الأوكرانية في أوائل عام 2024 مقتل 31,000 من جنودها، بينما قدرت مجلة «ذي إيكونوميست» في نوفمبر 2024 أن إجمالي خسائر أوكرانيا يتراوح ما بين 60,000 و100,000 قتيل و400,000 جريح. من جانبها، أفادت هيئة الأركان الأوكرانية في 14 ديسمبر 2024 بمقتل 761,160 جندياً روسياً منذ بداية الغزو في فبراير 2022، وهو ما يعكس حجم الخسائر الضخمة التي تكبدتها القوات الروسية، بحسب موقع «كييف إندبندنت».

ولكن لم تقتصر تداعيات الحرب على الخسائر البشرية فحسب، بل أثرت بشكل عميق على البنية الأمنية في أوروبا. فقد أدى الصراع إلى تغييرات كبيرة في أولويات الدفاع والأمن على مستوى القارة، حيث زادت العديد من الدول الأوروبية ميزانيات الدفاع، وإعادة التفكير في استراتيجياتها العسكرية في ظل تهديدات روسية متصاعدة.

على الصعيد الاقتصادي، تسببت الحرب في تحولات اقتصادية كبرى على مستوى العالم، من أزمة طاقة حادة في أوروبا، بسبب وقف إمدادات الغاز الروسي، إلى ارتفاع أسعار الحبوب في دول إفريقيا التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات الأوكرانية.

إلى جانب هذه التحديات، تم تهجير أكثر من 8 ملايين أوكراني داخل البلاد، أو إلى دول مجاورة، وفقاً لإحصاءات منظمة الهجرة الدولية (IOM). وقد ترك هذا النزوح آثاراً إنسانية كبيرة، حيث يعاني اللاجئون من أوضاع معيشية صعبة، بينما تواجه الدول المستقبلة ضغوطاً اقتصادية واجتماعية.

حتى ديسمبر 2024، لا تزال الحرب مستمرة، حيث تتواصل المعارك العنيفة في مناطق مثل دونيتسك وزابوريجيا، مع اختراقات متقطعة للقوات الأوكرانية والروسية على الأرض. وقد أضافت هذه المعارك المستمرة أبعاداً جديدة للصراع، مع تزايد المخاوف من اتساع رقعة الحرب وتحولها إلى صراع طويل الأمد لا يبدو أن هناك حلاً قريباً له.

تأثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض

تُضفي عودة دونالد ترامب إلى السلطة بعد فوزه في انتخابات 2024 بُعداً جديداً على النزاع بين روسيا وأوكرانيا. خلال فترة رئاسته السابقة (2016-2020)، كانت سياساته الخارجية محط جدل، إذ تميزت بالتشكيك في دور حلف الناتو وعلاقة معقدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يرى منتقدو ترامب، كما أوردت مجلة «ذا إنتربريتر»، أن خطاباته كانت تحفز الاستبداديين حول العالم، في حين يعتبره مؤيدوه موقفاً عملياً يهدف إلى إعادة تحديد دور أميركا على الساحة العالمية.

وقد أثارت انتقادات ترامب السابقة بشأن المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا، بالإضافة إلى مطالبه بزيادة مساهمات الحلفاء الأوروبيين، تساؤلات حول كيفية تعامل إدارته الثانية مع النزاع. هل سيستمر في تقديم الدعم العسكري الكبير الذي بدأه بايدن، أم سيدفع نحو تسوية تفاوضية قد تؤثر سلباً على سيادة أوكرانيا؟.

ووفقاً لتقرير صادر عن وكالة «رويترز»، تعهد ترامب مراراً خلال حملته الانتخابية بإنهاء الصراع الذي دام نحو ثلاث سنوات في غضون 24 ساعة من تنصيبه في 20 يناير 2025، إن لم يكن قبل ذلك، ولكنه لم يكشف بعد عن تفاصيل كيفية تحقيق ذلك.

وقد اتهم ترامب وأنصاره الرئيس بايدن بدعم الحرب مالياً. فمنذ بداية الحرب، وافق الكونغرس الأميركي على 5 قوانين قدّمت لأوكرانيا مساعدات مستمرة، كان آخرها في أبريل 2024. وتبلغ المبالغ الإجمالية لهذه القوانين، والتي يذكرها الإعلام بشكل متكرر، حوالي 175 مليار دولار.

هذه المساعدات التاريخية دعمت مجموعة واسعة من الأوكرانيين والمؤسسات، بما في ذلك اللاجئون، وقوات الأمن، ومذيعو الراديو المستقلون. ورغم أن الجزء الأكبر من هذه المساعدات كان عسكرياً، فإن العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك معظم أعضاء حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، قدم أيضاً حزم مساعدات كبيرة لأوكرانيا، بحسب «مجلس العلاقات الخارجية».

من المتوقع، بحسب مراقبين، أن تجلب رئاسة ترامب تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية الأميركية، ما سيترتب عليه تداعيات عميقة على الحرب بين روسيا وأوكرانيا. هذه التغيرات تشمل مجموعة من الاعتبارات الأساسية التي قد تؤثر في مسار النزاع.

أخبار ذات صلة

لماذا يعيد ترامب إشعال الحرب التجارية مع كندا والمكسيك والصين؟

لماذا يعيد ترامب إشعال الحرب التجارية مع كندا والمكسيك والصين؟

المساعدات العسكرية ووحدة الناتو

قد تؤدي الانتقادات السابقة التي وجهها ترامب لحلف الناتو، ونهجه في التعامل مع التحالفات إلى تقويض التماسك الذي كان أساسياً في استجابة الغرب للأزمات. هذا قد يضع الدول الأوروبية، التي تعاني من العبء الاقتصادي بسبب الدعم المستمر لأوكرانيا، في موقف صعب، حيث قد تجد صعوبة في الحفاظ على وحدتها دون قيادة أميركية قوية.

الضغط نحو المفاوضات

كان ترامب قد أبدى سابقاً إعجابه بمهاراته في التفاوض، مما يلمح إلى أن إدارة ترامب المستقبلية قد تُعطي الأولوية لإيجاد حل سريع للصراع. هذا قد يؤدي إلى ضغط على أوكرانيا للتنازل عن أراضٍ مقابل السلام، مما قد يضر بسيادتها، ويشجع دولاً عدوانية أخرى على اتخاذ مواقف مشابهة.

الجغرافيا السياسية للطاقة

أثرت الحرب بشكل كبير على أسواق الطاقة العالمية، مع سعي أوروبا لتقليص اعتمادها على الغاز الروسي. سياسات ترامب التي دعمت تاريخياً الاستقلالية الطاقية الأميركية قد تُغيّر الديناميكيات بشكل أكبر، مما قد يضع صادرات الطاقة الأميركية في الأولوية على حساب الأمن الطاقي طويل الأمد في أوروبا، كما ورد في تقرير «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية».

تأثير عالمي واسع

أظهرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا هشاشة المعايير الدولية والتحديات التي تواجه الغرب في التصدي للعدوان الاستبدادي. ومن الممكن أن يؤدي ضعف الموقف الغربي تحت إدارة ترامب إلى تشجيع الصين على تصعيد تحركاتها تجاه تايوان، وإعادة تشكيل التحالفات في منطقة الشرق الأوسط، مما يعمق الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي.

إضافة إلى ذلك، قد يؤدي نهج ترامب تجاه المؤسسات متعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، إلى تقويض الجهود العالمية لمعالجة الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب، حيث يحتاج أكثر من 14.6 مليون شخص في أوكرانيا، أي 40% من إجمالي السكان، إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بما في ذلك أكثر من 3.5 مليون شخص مشردين داخلياً بسبب الحرب الشاملة. وحتى يونيو 2024، تم تسجيل حوالي 6.5 مليون لاجئ أوكراني في مختلف أنحاء العالم، بحسب «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».

وفي هذا السياق، كان دور الولايات المتحدة في تمويل وتيسير المساعدات حاسماً.

دور أميركا.. مفترق طرق أخلاقي واستراتيجي

سواء تم التوصل إلى حل للصراع في أوكرانيا في عام 2025 أم لا، يجب أن يُنظر إلى الحرب بين أوكرانيا وروسيا على أنها أبعد من مجرد صراع إقليمي. إنها اختبار لثبات القيم الديمقراطية في مواجهة الاستبداد. إن القرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة في السنوات القادمة لن تؤثر فقط على نتيجة هذه الحرب، بل ستحدد أيضاً ملامح النظام العالمي الأوسع.

لقد كشفت الحرب عن تعقيدات الجغرافيا السياسية المعاصرة وزيادة الأهمية التي توليها القيادة الأميركية. ومع عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسية، ستكون التداعيات على أوكرانيا، وأوروبا، والاستقرار العالمي عميقة. سواء استمرت الولايات المتحدة في دورها كحاجز ضد العدوان، أو أعادت ضبط سياستها تحت إدارة ترامب، فإن ذلك سيحدد ليس فقط مسار الحرب، بل أيضاً المبادئ التي يقوم عليها النظام الدولي.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC