افتتاح الطرق البرية الدولية وتأهيل المطارات والموانئ من الأولويات
القوانين واللوائح المتعلقة بالاستثمار لا تزال غير واضحة
تقف سوريا على أعتاب مرحلة جديدة من إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، يُعد الاستثمار الأجنبي المباشر خلالها إحدى الأدوات الرئيسة التي يمكن أن تسهم في تحقيق هذا الهدف، من خلال توفير رأس المال والتكنولوجيا والخبرات اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، فإن البيئة السياسية والأمنية في سوريا لا تزال تشكل تحديات كبيرة أمام تدفق هذه الاستثمارات.
تشير دراسة صادرة عن البنك الدولي لعام 2023 إلى أن تكلفة إعادة إعمار سوريا بعد الحرب والزلزال تُقدر بنحو 250 إلى 300 مليار دولار.
ووفق الدراسة، فإن تحقيق هذه الجهود بنجاح يتطلب تعاوناً دولياً واسعاً لضمان استدامة المشروعات التنموية، مع توفير بيئة استثمارية مستقرة قائمة على إصلاحات قانونية ومؤسساتية تشجع الاستثمارات الأجنبية الضرورية.
في هذا الصدد، يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى نجحت في إعادة الإعمار بعد نزاعات أهلية طويلة.
في لبنان، على سبيل المثال، عقب انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، ركزت الجهود على إعادة بناء البنية التحتية المتضررة، بدعم كبير من دول الخليج، بتكلفة بلغت نحو 18 مليار دولار.
ومع ذلك، أبرزت التجربة اللبنانية أهمية الحوكمة الرشيدة لضمان كفاءة استخدام الموارد ومنع الفساد.
أما في البوسنة والهرسك، فقد أسهمت برامج إعادة الإعمار المدعومة من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي في استعادة الاستقرار وبناء المدن المدمرة.
وشملت الجهود توفير آليات حكم تعاونية لضمان استدامة السلام والتنمية؛ ما يعكس الدور الحاسم للتنسيق بين الأطراف المحلية والدولية في مثل هذه العمليات.
وبالتالي، فإن استلهام هذه الدروس يمكن أن يساعد سوريا على مواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرها في رحلة إعادة الإعمار، مع التركيز على الشفافية والحوكمة لضمان تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
قطاع الطاقة
تواجه سوريا تحديات كبيرة في إعادة بناء بنيتها التحتية، ولا سيما في قطاع الطاقة، الذي يتطلب استثمارات ضخمة ودعماً دولياً.
في هذا السياق، كانت تركيا وقطر في طليعة المساهمين في تقديم الدعم. إذ أعلنت سوريا عن استقبال سفينتين لتوليد الكهرباء من تركيا وقطر، بقدرة إجمالية تصل إلى 800 ميغاواط، أي ما يعادل نصف الإنتاج الحالي للبلاد.
وأكد المهندس محمد الديري، مدير عام شركة كهرباء طرطوس، أن الشركة تعمل على تجهيز خطوط الربط الكهربائي في محطة جديتي بمدينة طرطوس لتفعيل الإمدادات الجديدة.
الطرق الدولية والمطارات والموانئ
صرّح غازي المهايني، المستشار والمدرب المالي المعتمد من مجمع المحاسبين في نيوجرسي، عبر قناته على يوتيوب، أن أساس جذب الاستثمارات وتشجيع البناء في سوريا يبدأ من تحسين شبكات الطرق البرية الرئيسة.
وأشار إلى أهمية طريق (M5) الذي يُعد العمود الفقري للحركة التجارية، حيث يربط تركيا شمالاً بالأردن جنوباً، مروراً بحلب، حمص، دمشق، ودرعا.
كما شدد على ضرورة إعادة تأهيل طريق (M4) الذي يربط العراق بالبحر المتوسط، مؤكداً أن إعادة تأهيل هذين الطريقين ستحفز حركة الترانزيت التجارية، وتوفر فرصاً استثمارية مربحة.
إلى جانب ذلك، أوضح المهايني أن إعادة تأهيل الطرق يجب أن تتزامن مع تحسين البنية التحتية للمطارات الرئيسة مثل مطار دمشق، حلب، واللاذقية، بالإضافة إلى الموانئ الرئيسة في طرطوس واللاذقية.
وأشار إلى أن هذه المشاريع يمكن تمويلها بنظام B.O.T، حيث تقوم الشركات الخاصة بتوفير التمويل، ثم تشغيل المشروعات لفترة محدودة واسترداد استثماراتها قبل تسليمها إلى الدولة.
لإعادة افتتاح الطرق البرية الدولية، وتأهيل المطارات والموانئ، يُتوقع أن تفتح أبواب سوريا أمام استثمارات ضخمة في قطاعات مختلفة. هذا التوجه لن يسهم فقط في تعزيز حركة الترانزيت، الاستيراد، والتصدير، ولكنه أيضاً سيؤدي إلى تحفيز قطاع السياحة؛ ما يعزز النمو الاقتصادي العام.
قطاع النفط
وفقاً لتقرير نُشر عام 2019 على موقع «ويل برايس» (OilPrice.com)، قُدِّرت احتياطيات سوريا من النفط بنحو 2.5 مليار برميل؛ ما يضعها في المرتبة الـ31 عالمياً. كما أشار التقرير إلى أن احتياطيات الغاز الطبيعي تبلغ نحو 8.5 تريليون متر مكعب.
هذه الموارد تجعل سوريا محط اهتمام العديد من الدول والشركات الساعية لتوقيع اتفاقيات شراكة، سواء من خلال عقود صيانة وتنقيب أو عبر استثمارات مباشرة في الإنتاج. ورغم عدم وجود تحركات ملموسة على الأرض حالياً، فإن هناك توقعات بظهور اتفاقيات في المستقبل القريب.
وأشارت عدة تقارير إلى أن إعادة تأهيل شبكات الطرق وقطاع النفط يمكن أن تسهم في تحويل سوريا إلى دولة متكاملة اقتصادياً، بفضل مرافقها الصناعية والتجارية والسياحية؛ ما يعزز قدرتها على المنافسة عالمياً.
وتعد خطة مارشال، التي نُفِّذت لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، مثالاً بارزاً على أهمية البدء بإصلاح البنية التحتية كخطوة أولى، تليها تطوير المجالات الاقتصادية المتنوعة.
وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2024 بعنوان «سوريا: تفاقم الانكماش في معدلات النمو وتدهور رفاه الأسر السورية»، تواجه سوريا تحديات اقتصادية كبيرة تؤثر في بيئة الاستثمار الأجنبي.
أشار التقرير إلى أن الصراع المستمر منذ أكثر من عقد أدى إلى تدهور كبير في الاقتصاد السوري؛ ما يزيد المخاطر المرتبطة بالاستثمار في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك فإن عدم الاستقرار السياسي، رغم انتهاء الصراع، لا تزال هناك توترات سياسية قد تؤثر في بيئة الأعمال.
والبنية التحتية القانونية واللوائح المتعلقة بالاستثمار غير واضحة أو غير مستقرة؛ ما يزيد مخاطر الاستثمار والعقوبات الدولية، ورغم تخفيف بعض العقوبات لتسهيل المساعدات الإنسانية، فإن هناك قيوداً قد تؤثر في قدرة الشركات الأجنبية على الاستثمار والتعامل التجاري في سوريا.
استناداً إلى تجربة إعادة إعمار البوسنة والهرسك بعد اتفاقية دايتون عام 1995، يمكن للمجتمع الدولي أن يدعم إعادة إعمار سوريا بثلاث طرق رئيسة.
أولاً، تقديم التمويل الدولي من خلال قروض ميسرة ومنح يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لدعم مشروعات البنية التحتية والتنمية.
ثانياً، دعم الإصلاحات القانونية لتحديث قوانين الاستثمار وضمان الشفافية وحماية حقوق المستثمرين؛ ما يعزز الثقة، ويجذب رؤوس الأموال الأجنبية.
وأخيراً، المساهمة في نقل التكنولوجيا ودعم تطوير شبكات النقل والطاقة، التي تُعد أساسية لتحفيز الاقتصاد.