في ظل التوقعات بانتهاء وشيك للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان وبعدما وضعت الحرب في سوريا أوزارها، تتجه الأنظار إلى الفرص الاقتصادية الضخمة التي تتيحها عملية إعادة الإعمار، لا سيما بالنسبة لشركات الإنشاء والتطوير سواء الإقليمية منها أو العالمية.
بحسب ما تشير إليه الأرقام المجمعة التي كشفت عنها تقارير عدة لمؤسسات دولية منها الأمم المتحدة والبنك الدولي، فإن التكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار قد تتجاوز نصف تريليون دولار كرقم أولي ما يجعلها ساحة تنافسية للشركات والمستثمرين.
قدرت الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار سوريا بما يشمل إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، المساكن، والخدمات الأساسية بنحو 400 مليار دولار.
وتعرّضت 16 مدينة رئيسة تتوزع على مساحة سوريا لدمار كبير، لحق بعشرات الآلاف من المباني السكنية والمنشآت العامة والخاصة.
وبينما تسعى سوريا إلى جذب الاستثمارات، تبرز الشركات العالمية بالتعاون مع شركات دول المنطقة كأكبر المستفيدين من عقود إعادة الإعمار.
وفور سقوط نظام الأسد في سوريا برزت إلى الواجهة الشركات التركية التي تعتبر من أبرز المنافسين، نظراً للقرب الجغرافي من سوريا إذ قد تصل حصتها إلى ما يقارب 40% وفقاً لتقارير مركز كارنيغي.
تطوير شبكات الطرق البرية الرئيسة في سوريا يُعد أساساً لجذب الاستثمارات وتعزيز مشاريع البناء، خاصة عبر تحسين البنية التحتية لطرق حيوية مثل M5، الذي يربط تركيا شمالاً بالأردن جنوباً، ويمر بمدن رئيسة كحلب، حمص، دمشق، ودرعا. كما يُعتبر طريق M4، الرابط بين العراق والبحر المتوسط، محوراً استراتيجياً يمكن أن يسهم تأهيله في تنشيط حركة الترانزيت التجاري وفتح فرص استثمارية واعدة.
إلى جانب ذلك، تتطلب جهود تطوير الطرق تحسين المطارات الرئيسة مثل مطارات دمشق، حلب، واللاذقية، بالإضافة إلى الموانئ الكبرى في طرطوس واللاذقية، لضمان تكامل البنية التحتية وتوفير بيئة داعمة للنشاط الاقتصادي.
أما عن تمويل هذه المشروعات، فقد يرجح إمكانية اعتماد نظام B.O.T (البناء، التشغيل، النقل)، كوسيلة أساسية لتوفير التمويلات اللازمة لهذه المشاريع، خصوصاً أنه يتيح للشركات تمويل المشروعات وتشغيلها لفترة زمنية محددة لاسترداد الاستثمارات قبل تسليمها إلى الدولة بحسب غازي المهايني، المستشار المالي والمدرب المعتمد من مجمع المحاسبين في نيوجرسي، خلال تصريحاته عبر قناته على يوتيوب.
أما في لبنان، قدر البنك الدولي الخسائر المادية للبنية التحتية اللبنانية بنحو 3.4 مليار دولار، بينما وصلت التكاليف الإجمالية للأضرار والخسائر الاقتصادية إلى 8.5 مليار دولار، حيث تعرضت مناطق واسعة في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت لدمار كبير خلال الحرب التي استمرت 14 شهراً بين إسرائيل وحزب الله.
قدمت دول الخليج دعماً مالياً لإعادة بناء المؤسسات، وفي أعقاب الحرب، تلقت الحكومة اللبنانية مساعدات دولية بلغت 645.3 مليون دولار من دول عربية، مثل السعودية وقطر والكويت، إضافة إلى مساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن نسبة كبيرة من التعهدات المالية لم تُنفذ؛ ما أعاق جهود إعادة الإعمار وفقاً لتقرير The New Humanitarian.
الشركات اللبنانية والإقليمية تلعب دوراً مهماً في هذه العملية، حيث تستفيد من عقود إعادة بناء المساكن والبنية التحتية.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن إعادة إعمار قطاع غزة ستحتاج إلى مليارات الدولارات، حيث تواجه المنطقة دماراً هائلاً، ومن المحتمل أن تمتد عملية إعادة بناء المنازل المدمرة حتى عام 2040 أو أكثر.
وتقدّر التكلفة الإجمالية لإعادة إعمار القطاع بين 40 و80 مليار دولار، وهو ما يعكس حجم المهمة الضخمة التي تواجهها غزة في مواجهة هذا الدمار الواسع.
صور الأقمار الاصطناعية التي أصدرتها الأمم المتحدة كشفت أن أكثر من 170 ألف مبنى، وهو ما يعادل نحو 69% من إجمالي المباني في غزة قبل الحرب، قد تعرض للهدم أو لأضرار جسيمة.
تعاني غزة من تأثيرات الحروب المتكررة والحصار المستمر، ما يجعل إعادة الإعمار ضرورة ملحة لتحسين الظروف المعيشية لسكان القطاع. ومن أبرز الدول التي ساهمت في هذه العملية كانت قطر، التي قدمت تمويلات كبيرة لدعم مشاريع البنية التحتية والإسكان، وفقاً لتقارير البنك الدولي.
في إطار هذه الجهود، تتعاون الشركات المحلية مع المنظمات الدولية لتنفيذ المشاريع، في حين أبدت شركات إقليمية اهتماماً متزايداً بالمشاركة في هذه العملية، وفقاً لتقارير مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
عمليات إعادة الإعمار ليست فقط فرصة لإنعاش الاقتصاد المحلي، لكنها أيضاً تفتح أبواباً واسعة أمام الشركات الدولية والإقليمية لتحقيق أرباح ضخمة.
وتشير تقارير دولية إلى دور أردني مرتقب في إعادة إعمار سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، من هذه التقارير تقارير ودراسات من البنك الدولي، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومركز كارنيغي للشرق الأوسط.
تُعد هذه المناطق فرصة استراتيجية للشركات لتعزيز حضورها الإقليمي وتحقيق أرباح طويلة الأمد، والنجاح في تجاوز هذه التحديات يعتمد على وجود بيئة استثمارية مستقرة وشفافة، وتعاون فعال بين الحكومات المحلية والمجتمع الدولي وفقاً لمركز كارنيغي للشرق الأوسط.