logo
اقتصاد

الاقتصاد العالمي بلا قائد.. هل يقترب من أزمة غير مسبوقة؟

الاقتصاد العالمي بلا قائد.. هل يقترب من أزمة غير مسبوقة؟
الرئيس الأمريكي يلقي خطابًا خاصًا عن بُعد في الاجتماع السنوي الـ55 للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، 23 يناير 2025. المصدر: رويترز
تاريخ النشر:20 فبراير 2025, 09:42 ص

لطالما استند الاقتصاد العالمي إلى وجود قوة مهيمنة تضطلع بدور الضامن للاستقرار الاقتصادي، متحملةً المخاطر والتكاليف من أجل تحقيق الصالح العام. إلا أن هذا الواقع يتغير، إذ يشهد العالم اليوم فراغاً قيادياً يثير مخاوف بشأن استقرار النظام الاقتصادي العالمي.

يؤكد المؤرخ الاقتصادي تشارلز كندلبيرغر أن غياب قوة قادرة أو راغبة في تحقيق الاستقرار المالي العالمي كان عاملاً رئيساً في تحول الكساد الكبير عام 1929 إلى أزمة واسعة ومدمرة.

ووفقاً لتحليله، فإن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى قائد، مستقر وثابت للحفاظ على النظام ومنع الانهيارات الكارثية.

أخبار ذات صلة

الهجمات السيبرانية باتت توزاي خطر الأزمات على الاقتصاد العالمي

الهجمات السيبرانية باتت توزاي خطر الأزمات على الاقتصاد العالمي

الهيمنة الأميركية

قادت الولايات المتحدة الاقتصاد العالمي، على مدى عقود بعد الحرب العالمية الثانية، إذ نسقت الاستجابات الاقتصادية للأزمات التي تراوحت بين أزمات ديون أميركا اللاتينية في الثمانينيات، والأزمة المالية الآسيوية عام 1997، والركود المالي العالمي في 2008-2009.

ولم يساعد هذا الدور واشنطن على تجنب الانهيارات الاقتصادية فحسب، بل عزز أيضاً ازدهارها.

وفقاً لصحيفة «فايننشال تايمز»، يواجه هذا العصر الآن تحديات كبيرة مع تغير المشهد الجيوسياسي وتراجع استعداد أميركا للعب دور الوصي على الاقتصاد العالمي.

وأثارت التطورات الأخيرة، بما في ذلك إعلان الولايات المتحدة في مؤتمر ميونخ الأمني أنها لن تضمن بعد الآن أمن أوروبا، تساؤلات حول التزامها باستقرار الاقتصاد العالمي، ومن سيحل محلها مستقبلاً.

رغم قوتها الاقتصادية المتزايدة، لم تُظهر الصين استعداداً كبيراً لتحمل هذه المسؤولية، بل على العكس، فإن سياساتها الداخلية، ولا سيما تلك التي تعزز الانكماش، تسبب تأثيرات ارتدادية يجب على الاقتصادات الأخرى استيعابها.

وأوضح التقرير أنه في ظل غياب قائد راغب أو قادر، يدخل العالم مرحلة محفوفة بالمخاطر تتميز بعدم اليقين وعدم الاستقرار.

أدوار القيادة

وحدد كندلبيرغر 3 أدوار رئيسة يجب أن يؤديها القائد الاقتصادي للحفاظ على النظام، أولها الحفاظ على سوق مفتوحة حيث يمكن للبلدان المتعثرة بيع بضائعها، والثاني توفير دعم مالي طويل الأجل للدول التي تعاني الأزمات، وأخيراً التصرف كمُقرض عالمي أخير.

وأدى الفشل في تلبية هذه الوظائف في الثلاثينيات إلى تفشي الحمائية، وتخفيض قيمة العملات، والنزاعات حول الديون، والأزمات المالية التي انتشرت من دولة إلى أخرى.

وشدّد التقرير على أن الولايات المتحدة اليوم تبدو غير راغبة بشكل متزايد في تقديم هذه الخدمات الاقتصادية الأساسية، إذ أصبحت السياسات الحمائية، مثل التعريفات الجمركية التي تبناها دونالد ترامب، سمة ثابتة في استراتيجيتها التجارية.

كما أن الإقراض طويل الأجل، الذي كان في السابق أداة رئيسة في الدبلوماسية الاقتصادية الأميركية، بات يُنظر إليه اليوم من منظور نفعي، والمثال الأبرز على ذلك هو اقتراح اعتبار المساعدات الأميركية لأوكرانيا استثماراً يتطلب عوائد مالية، وهو نهج قد يزيد الانقسامات الاقتصادية بدلاً من إصلاحها.

وأثار هذا التحول نقاشاً حول ما إذا كان يجب على أي دولة أن تتحمل عبء القيادة الاقتصادية العالمية. من منظور واقعي، قد تجادل الولايات المتحدة بأنه لم يعد من واجبها تحمل هذه المسؤولية بمفردها.

أخبار ذات صلة

سياسات ترامب تعصف بالأسواق والحرب التجارية تقوض الاقتصاد العالمي

سياسات ترامب تعصف بالأسواق والحرب التجارية تقوض الاقتصاد العالمي

تكرار اضطرابات الماضي

وبحسب التقرير، فإنه إذا لم تتقدم أي دولة لتحمل هذا الدور، فقد يجد العالم نفسه أمام تكرار للأنماط الاقتصادية المضطربة التي سادت في الثلاثينيات.

رغم وجود فروقات هيكلية بين الماضي والحاضر، مثل أسعار الصرف العائمة التي يمكن أن تخفف بعض الاختلالات التجارية، فلا تزال هناك نقاط ضعف كبيرة.

كما لا تزال مؤسسات، مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، يقدمان المساعدات المالية، ولكن قدرتها محدودة.

وكافح صندوق النقد الدولي للتعامل مع الأزمات في اليونان وأيرلندا والأرجنتين؛ ما أثار مخاوف بشأن قدرته على التعامل مع كارثة مالية أوسع نطاقاً.

كما أن آليات السيولة العالمية، مثل خطوط المبادلة النقدية مع الاحتياطي «الفيدرالي» الأميركي، تعتمد على استعداد واشنطن لتقديم الدعم، وهو أمر غير مضمون في الأزمات المستقبلية.

ولا تزال تحليلات كندلبيرجر للاقتصاد العالمي ذات صلة كبيرة اليوم، ففي عام 1973، حذر من الجمود بين الولايات المتحدة المتراجعة والجماعة الاقتصادية الأوروبية الصاعدة، وهو قلق يبدو الآن وكأنه شيء من الماضي.

أما اليوم، فإن الواقع أكثر تعقيداً، حيث تتنافس قوتان عظميان، هما الولايات المتحدة والصين، على الهيمنة الاقتصادية، بينما تتجنبان في الوقت ذاته تحمل مسؤولياتها.

وشدد التقرير على أن غياب قائد اقتصادي عالمي يزيد مخاطر عدم الاستقرار والركود الاقتصادي الطويل، مشيراً إلى أهمية تعزيز المؤسسات الدولية وتشجيع التعاون بين القوى الاقتصادية الكبرى، وضمان أن السياسات الداخلية لا تخلق اعتماداً يؤدي إلى تعرض الدول لصدمات مالية عالمية.

ووصف كندلبيرجر القيادة الاقتصادية بأنها منفعة عامة تُقدَّم ليس من أجل الهيبة أو الاستغلال، بل من أجل استقرار الاقتصاد العالمي. 

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC